شكر المولى على كل شيء أنعم به على الإنسان أمر واجب لأن النعم تدوم بالشكر " حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْب َعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالحًِا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المُْسْلِمِينَ " والأشد في اللغة : القوة ، وقد اختلف السلف الصالح رضوان الله عليهم في العمر الزمني الذي يبلغ فيه المرء أشده ، فيرى سعيد بن جبير أنها في سن الثمانِي عشرة سنة ، وقال الضحاك : عشرون ، وقال عكرمة : خمسة وعشرون ، وقال السدي : ثلاثون ، وذهب ابن عباس ومجاهد إلى أنه ثلاثة وثلاثون ، وقال الحسن البصري : أربعون ، وقال الإمام مالك وربيعة بن زيد بن أسلم والشعبي الأشد : الحلُم ، وقال آخرين أنه بلوغ زمان من العمر تشتد فيه قوى الإنسان ، فمرحلة بلوغ الأشد تتسم بالنضج العقلي ، والأربعين هي سن الكمال البشري ، ففيها يبلغ الإنسان غاية نضجه ورشده وفيها تكتمل قواه العقلية وطاقاته الذهنية ، قال ابن كثير في تفسيره : هذا فيه إرشاد لمن بلغ الأربعين أن يجدد التوبة والإنابة إلى الله عز وجل ويعزم عليها ، ولأجل ذلك كانت هي السن التي بعث الله تعالى فيها نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : " أنزل على رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو ابن أربعين . . . " ويعني بذلك الوحي ، وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : " العبد المسلم إذا بلغ أربعين سنة خفف الله تعالى حسابه ، وإذا بلغ ستين سنة رزقه الله الإنابة إليه ، وإذا بلغ سبعين سنة أحبه أهل السماء ، وإذا بلغ ثمانين سنة ثبت الله تعالى حسناته ومحا سيئاته ، وإذا بلغ تسعين سنة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وشفعه في أهل بيته ، وكتبه في السماء أسير الله في أرضه " قال ابن الجوزي : إذا بلغ - أي الإنسان - الأربعين انتهى تمامه وقضى مناسك الأجل ، ولم يبق إلا الانحدار إلى الوطن ، ويقول ابن كثير - ابن الأربعين لا يتغير غالباً عما يكون عليه ، وفي الأربعين يتناهى العقل ويكمل الفهم والحلم ، وتقوى الحجة - ويقول القرطبي - من بلغ الأربعين فقد آن له أن يعلم مقدار نعم الله عليه وعلى والديه ويشكرهما - ويقول مالك - أدركت أهل العلم ببلدنا وهم يطلبون الدنيا ، ويخالطون الناس حتى يأتي لأحدهم أربعون سنة فإذا أتت عليهم اعتزلوا الناس - وذهب علماء العصر الحديث إلى أن دورة حياة الإنسان هي أشبه بمنحنى يبدأ من الصفر ويظل في ازدياد حتى يبلغ نهايته العظمى ثم يأخذ في الانحدار من الجهة المقابلة حتى ينتهي إلى مثل ما بدأ به ، والأربعون هي النقطة التي يبلغ عندها منحنى العمر نهايته العظمى قبل أن يشرع في الانحدار ، وقد أكدت الدراسات الحديثة بأن السعادة الحقيقية لا تكن إلا بعد بلوغ سن الأربعين ، وأوضحت نتائج تلك الدراسات بأن المرء في هذا العمر يشعر بالأمن والاستقرار المادي والوظيفي والأسرى . فهل لمن بلغ هذا السن من العمر أن يحاسب نفسه ويعيد ترتيب أوراقه ، ويسلك منهج الصالحين ليكن من أهل الجنان . ومن أصدق من الله قيلاً " وَلا تُخْزِنِي ي َوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَ مَنْ أَتَى اللهََّ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ " ناسوخ - 0500500313