العنف الأسري ظاهرة مؤسفة وخطيرة، ومنحناه بالغ الخطورة، وأخباره تكسر القلب والنفس معاً. إن العنف الأسري آفة من الآفات، وهبوط إنساني وأخلاقي وسلوكي وحضاري، وانتهاك للحرمات الإنسانية والقيم القويمة، القصص المأساوية في هذا المجال كثيرة ومتنوعة، فالذي يعذب أطفاله بالضرب بالسياط والكي، والذي يحرق وجه زوجته بماء النار، والذي يحبس ابنته أو أبنه أو أخته في غرفة مهجورة كأنها حيوان أو جماد دون أكل ولا شراب لأيام، والذي يضرب أمه ويركلها بأقدامه دون هوادة، وكذا يفعل مع أباه ويطرده، والذي يقيد أبناءه بالسلاسل، والذي يسب أفراد عائلته ويشتم ويراقب ويحبس ويهدد ويرعب ويتوعد. إنها أخلاقيات سيئة، وأعمال سقيمة، وجرائم فضيعة بعيدة عن الدين والرحمة والشفقة، ولا تمت للإنسانية بصلة. إنها نزعات خائبة، تهدد الأمن الاجتماعي، وتعصف بالاستقرار الأسري، وتشعل فتيل الأحقاد، وتوقد نيران الغضب والانتقام. إن الحياة الأسرية السليمة تقوم على المودة والحب والرحمة والاحترام المتبادل، بعيداً عن صيغ القسوة والظلم والغلظة والامتهان والعدوان. إن العنف الأسري له آثار سلبية خطيرة، وتولد سلوكيات مرضية عنيفة، كالإصابة بالإحباط وخيبة الأمل نتيجة الشعور بالظلم، وتنامي القلق والاضطراب نتيجة الهيجان الداخلي وعدم الحصول على القدر الكافي من الحنان والأمان والمحبة، تزايد الاكتئاب والانطوائية والعزلة نتيجة التعرض للاحتقار والتهميش، فقدان الثقة بالنفس، غياب الشعور بالأمان والدفء العائلي. إن نشر الوعي الأسري له أهمية كبرى في الحد من هذه الظاهرة المخيفة، وكذا تثقيف وتوعية المجتمع إعلامياً لتغيير النظرة السائدة تجاه العنف الأسري، وتبيان بأنه من غير المسموح أن يمارس هذا العنف اللامسؤول على الأطراف كلها. إن على خطباء المساجد القيام بدورهم المكثف في تكريس مفهوم التراحم والترابط الأسري، وتبيان وجوب احترام أفراد الأسرة بعضهم لبعض، يحترم صغيرهم كبيرهم ويقدره، ويرحم كبيرهم صغيرهم ويأخذ بيده. إن التثقيف والتوعية أيضاً عن طريق المؤسسات التعليمة وعبر مناهجها الدراسية، وكذ الندوات العلمية والمحاضرات الثقافية، لها أدوار كبيرة ومهمة لتوضيح الآثار السلبية من جراء انتشار ظاهرة العنف الأسري كإحدى المشكلات والأمراض الاجتماعية وآثارها المجتمع ككل. إن كل أفراد الأسرة مسؤولون عن بعضهم البعض، وكل له دوره وفعله ومرتكزه في نواة الأسرة، أباً كان، أو أماً، أو أبناً، أو بنتاً، أو أخاً، فالكل مسؤول أمام الله يوم القيامة، وسوف يسأل عن مسؤوليته وأمانته. إن على جميع أفراد الأسرة تكثيف قيم التراحم والتعاطف والسلام الروحي فيما بينهم، وعليهم التعاون المشترك لبناء أسرة قويمة مترابطة سليمة تبني نفسها وتفيد المجتمع وتساهم في بناء الوطن.