لقد ظهرت مشكلة سد النهضة، حين استغلت إثيوبيا (التي يرد منها 80 في المائة من مياه النيل) انشغال مصر باضطرابات ثورة 25 يناير 2011، وشرعت في بناء السد الذي طالما رفضت مصر السماح لها ببنائه، ولم تجرؤ شركة عالمية التقدم لبنائه خوفاً من رد الفعل المصري الذي وصل لحد التلويح بالعمل العسكري. وقد وجدتها إثيوبيا فرصة لدعوة الشركات وجهات التمويل الدولية للمشاركة في بناء السد، الذي يحتاج إلى تخزين 70 مليار متر مكعب من المياه لاستخدامها في توليد كميات هائلة من الطاقة الكهربائية تكفي استخدامات إثيوبيا وتبيع الفائض لمن تريد من دول الجوار، وهو الأمر الذي سيؤثر قطعاً على حصة مصر من المياه التي لا تكفي احتياجاتها بعد أن تجاوز عدد سكانها ال 100 مليون. وكانت إثيوبيا قد لجأت إلى طرق خبيثة، خططت لها مسبقاً، لإلغاء حقوق الدول المستفيدة من مجرى نهر النيل، والمنظمة بموجب اتفاقيات سابقة، وتبنت الاتفاقية الإطارية لدول المنابع، وقادت الصراع لإنجازها عام 1995، ورفضت الربط بين هذه الاتفاقية والاتفاقيات السابقة، مؤكدة أحقية وأولوية الأمن المائي لدول المنبع «النيل والأنهار الأخرى»، من دون دول المصب ومنها مصر. وانتهت بتوقيع بوروندي على الاتفاقية الإطارية في أول شهر آذار من عام 2011، الأمر الذي وفر المجال والظروف لاستمرار إثيوبيا في تحقيق أهدافها، من تفريغ اتفاقيات دول المصب وبخاصة مصر من مضمونها، وعدم الالتزام بأي اتفاقية سابقة تضمن حصة وحقوق دول المصب، ما وفر الحرية اللازمة لإنشاء سد «النهضة». وبذلك تحقق الهدف الرئيسي لإثيوبيا من تجريد مصر بالدرجة الأولى من حقوقها التاريخية والقانونية في ملف نهر النيل، حسب اتفاقيات دول حوض النيل منذ عام 1894 - 1902 - 1929 وآخرها عام 1959. إضافة إلى ذلك فقد استغلت إثيوبيا ضعف مستوى التفاوض مع مصر وغياب الردع القسري بعد «ثورة 25 يناير 2011، غير عابئة بالاعتراضات المصرية، انطلاقاً من انعدام التوافق والتشرذم السياسي في ذلك الوقت، الذي أدى إلى عدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي. ومن ثم استغلت جميع الظروف وكسبت الوقت لإنجاز بناء السد من دون أي تعديل، لفرض الأمر الواقع، لأن بناء السد ينطلق ويستند إلى صراع سياسي واقتصادي غير معلن مع مصر، وبتخطيط أمريكي إسرائيلي، ولن تعبأ بالاعتراضات المصرية. بالاستناد إلى معطيات ملموسة في الواقع عن أن هناك جملة مخاطر تهدد الأمن المائي المصري. سد النهضة الإثيوبي، كارثة حقيقية على مصر، الأمن القومي المصري في خطر، والسد يؤدي إلى جفاف مصر، ويشرد ملايين من المصريين. إذ إن هناك بعض صرخات وتحذيرات أبناء مصر، سواء من المسؤولين السابقين والحاليين، أو من الخبراء والمستشارين في شؤون الزراعة والري وبحوث المياه، ومن خلال الصحافة المصرية، وهي تحذيرات موجهة إلى القيادة المصرية، منذ مهدت إثيوبيا الطريق لبناء «سد النهضة» وفق خطة مدروسة بدأتها بإعداد وطرح وتبنّي الاتفاقية الإطارية لدول المنابع «منابع النيل والأنهر الأخرى»، وقادت الصراع لإنجازها منذ عام 1995. يوجب الإشارة إلى الضرر الذي يخلفه اكتمال بناء سد النهضة، إذ إن تأثير سد النهضة على حصة مصر في مياه نهر النيل أمر مؤكد، وسيخفض من حصة مصر البالغة حاليا 55 مليار متر مكعب سنوياً من المياه، إذ إن مقدار النقص سيراوح ما بين 5 إلى 15 مليار متر مكعب، حسب كمية التبخر والتسرب والفيضان والتدفق السنوي من مياه الأمطار التي تتدفق على النيل الأزرق. على الرغم من تمسك مصر بالثوابت الدولية، والقانون الدولي في مسألة بناء سد النهضة، وسعيها الدائم إلى المفاوضات مع إثيوبيا، لكن الموقف الإثيوبي لا يبدو متأثرًا بالنظريات الفنية المصرية حول السد، ولا بتحركاتها الدبلوماسية كذلك، والمسؤولون الإثيوبيون أكدوا على مرأى ومسمع من الجميع أن بلادهم عازمة على ملء السد بدءًا من يوليو/ تموز المقبل. كما قالوا أيضا إن «الأرض أرضنا والمياه مياهنا والمال الذي يبنى به سد النهضة مالنا ولا قوة يمكنها منعنا من بنائه» وإن التحذيرات المصرية المتكررة «ليست في صالح الجميع». وتواجه المفاوضات المصرية الإثيوبية المتعلقة بسد النهضة إخفاقات متكررة مؤخرًا، كان أبرزها فشل الوساطة الأمريكية للتوصل لاتفاق، إذ جددت مصر تأكيدها على التمسك بوثيقة 21 فبراير التي أعدتها الولاياتالمتحدة والبنك الدولي كأساس للتفاوض، فيما لجأت أديس أبابا للمماطلة ووعدت بتقديم «مقترح متكامل». ومع قرب إثيوبيا في ملء السد، الذي أنجز 73 في المائة من عمليات بنائه، الشهر المقبل. تبقى التساؤلات حول مصير سد النهضة والضرر المؤكد على مصر وشعبها. وهل سيكون الخيار العسكري الحل الأمثل لحل مشكلة السد؟ أو هل سترضخ مصر للأمر الواقع بحرمانها من حصتها من مياه نهر النيل وتقبل بالأضرار التي تنتج عن ذلك؟ ** **