تعرفت على هذه الشخصية لأول وهلة بعد أن شاهدت صورة تتردد في أكثر من حساب على مواقع التواصل الاجتماعي بأنها صورة المكتوب عنها هنا، ولكني لم أستطع التسليم بصحة المتداول؛ لعدم وضوح مصدر الصورة، كما تعرفت على الشخصية من خلال بضع جمل مرفقة بالصورة، وبت أبحث عن معلومات عنها كما لو كنت أبحث عن عزيز علي نأى به عني طول غياب، فبدأت أقرأ في المعلومات ذات العلاقة والمتاحة على الشبكة العنكبوتية، وبالفعل أزهرت تلك القراءة بتواصلي مع الدكتورة القديرة ابتسام حلواني والتي أمدتني بكتيب عن شخصية المكتوب عنها، وقد تكفلت بإيصاله إليّ من جدة إلى مقر سكني في الرياض، فلها ولأخيها الدكتور محمد حلواني وافر الشكر والتقدير. أما شخصية المكتوب عنها، فهي ابنة الرياض مولدًا ونشأة، ولدت عام 1333ه -تقريبًا-، ولها أخ شقيق اسمه محمد فضلاً عما سواه من الإخوة والأخوات غير الأشقاء. كانت الابنة المدللة والمقربة من وإلى أبيها الأمير سعود -الملقب بالكبير- بن عبدالعزيز بن سعود بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود آل سعود، وكذلك كانت مقربة من والدتها الأميرة نورة بنت عبدالرحمن الفيصل آل سعود، وخالها المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود، وقد أسهمت تلك الرعاية في تكوين شخصية الأميرة الجوهرة المحفزة لأن تكون محط تمعن وإعجاب كما هو حالي فكتبت عنها، وحال الكثير من معاصريها الذين أسموها بجوهرة القلوب، فما الذي دعاهم إلى أن يطلقوا عليها هذا اللقب؟ تلقت الأميرة الجوهرة تعليمها على يد إحدى نساء القصيم، وكان تعليمها يرتكز بشكل رئيس على التعليم الديني كحال لداتها في ذلك الزمن. تزوجت الأميرة الجوهرة في السابعة عشر من عمرها من الأمير -الملك لاحقًا- فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، وأتت له بصاحبة السمو الملكي الأميرة مشاعل -توفيت عام 1432ه- التي وصفت علاقتها بوالدتها قائلة: «كنت مقربة جداً من والدتي وكانت علاقتنا ببعض وطيدة للغاية، فلم نكن نفترق أبداً، حتى أن ابنيّ تربيا عند جدتهما، وكان ابني سعود هو ابن والدتي التي لم تلده... وكانت تحب حفيديها وتعتبرهما أبناء لها، وكان ابني سعود مدللاً جداً عندها وذا حظوة كبيرة لديها، فرعته هو وشقيقته نورة وربتهما على قواعد وأصول الدين الإسلامي الحنيف، وعلمتهما القرآن والسنة، وأشرفت على كل ما يخص حياتهما حتى توفيت». وللأميرة الجوهرة ابنة أخرى هي سمو الأميرة مضاوي بنت سعود بن محمد آل سعود، وقالت عن والدتها: «كانت متدينة من غير تطرف، إلا أنها تحب دينها وترى أن فيه كل ما يمكن الرجوع إليه من أحكام وقواعد نستطيع السير عليها في جميع أمور حياتنا». كانت الأميرة الجوهرة تعتكف شهر رمضان كاملاً سنويًا في المسجد الحرام، ولها فيه خلوة تمضي فيها وقت اعتكافها بين تلاوة القرآن الكريم والصلاة. حرصت الأميرة الجوهرة على تنظيم وقتها واستغلاله بما يعود عليها وعلى غيرها بالخير والنفع، فكان يومها يبدأ بصلاة الضحى وقراءة بعض السور من القرآن الكريم، وبعد أن تتناول القهوة العربية تشرع في إجراء المكالمات الهاتفية مع الشخصيات الهامة من الأسرة المالكة -آل سعود- أو موظفي الدولة، وفي هذا المقام كانت تذكرهم بعظم أجر تفريج الكربات في الإسلام؛ سعيًا منها لقضاء حوائج الناس وطلباتهم كعلاج مريض، أو تحقيق رغبة في تعليم، ثم تتناول وجبة الغداء قبل صلاة الظهر التي كانت في كثير من الأوقات تصلها بصلاة العصر؛ لما يكون بينهما من ذكر وتسبيح، وكذلك كان الحال بالنسبة لصلاتي المغرب والعشاء. كان وقت استقبال الناس في منزل الأميرة الجوهرة، يبدأ من بعد صلاة العشاء، وحددت يومي السبت والثلاثاء لاستقبال عامة الناس وخاصة النساء ممن تكالبت عليهن الديون والمشاكل والهموم، فكانت تستمع إليهن وتساعد من لها حاجة منهن وتحل مشاكلهن وتحرص أشد الحرص على احترام الوقت الذي خصصته لهن، فذات مرة زارتها ابنة شقيقها الأميرة نورة بنت محمد بن سعود الكبير يوم سبت، فما كان من الأميرة الجوهرة إلا وأن طلبت من الأميرة نورة الانصراف والعودة في يوم آخر من أيام الأسبوع؛ معللة ذلك بأنها لا تريد أن تهدر وقت من هم بحاجة إليها في استقبال أقربائها لا سيما وأن الأميرة الجوهرة جعلت باقي أيام الأسبوع عدا السبت والأحد والثلاثاء وقتًا لاستقبال أقربائها ومعارفها، أما يوم الأحد فخصصته الأميرة للقيام بالواجبات الاجتماعية والزيارات الودية خارج منزلها. تشارك الناس أفراحهم وأتراحهم. واستمر حب الجوهرة للناس وحفاوتها بهم حتى بعد أن أصبحت ملازمة لفراش المرض في المستشفى والأجهزة تحيط بها، كانت تسأل عن الجميع، وتستبشر بقدوم الزائرات إليها. كان للأميرة الجوهرة أعمال خيرية في مجالات عدة منها: التعليم، وطباعة الكتب ودعم جماعات تحفيظ القرآن الكريم، وبناء المساجد، وكفالة الأيتام، ودعم الجمعيات الخيرية وغيرها من الأعمال التي حرصت على إخفائها تحت اسم فاعل خير إلا أنه ظهر منها الكثير ووُثق خاصة وأن الأميرة طلبت في وصيتها استمرار أعمالها الخيرية التي كانت تعملها في حياتها وأن يصرف على تلك الأعمال ثلث مالها. بدأ اهتمام الأميرة الجوهرة بتعليم البنات بافتتاح مدرسة فتاة الجزيرة في جدة وكانت تنفق عليها من مالها الخاص، ومما مهد لفتح هذا المدرسة ما قامت به الأميرة في بيتها حيث أحضرت معلمات من لبنان ومصر ليقمن بتعليم ابنتيها، ثم ضمت إليهما بنات الموظفات والعاملات لديها، بالإضافة إلى بنات الجيران، ولما ازداد عدد الطالبات استأجرت الأميرة مبنى لتؤسس مدرسة فتاة الجزيرة التي كانت تحت إشراف وزارة المعارف، ثم حصلت المدرسة في وقت لاحق على ترخيص جديد من الرئاسة العامة لتعليم البنات عام 1387ه وحولت هذه المدرسة إلى مدارس دار التربية الحديثة وما زالت هذه المدرسة تؤدي رسالتها التعليمية للبنات والبنين إلى يومنا هذا. دعمت الأميرة الجوهرة بدايات التعليم الجامعي للبنات في جدة، حيث قدمت مباني مدرسة دار التربية الحديثة؛ لتكون مقرًا لطالبات جامعة الملك عبدالعزيز خلال الفترة المسائية لحين اكتمال بناء المقر المخصص لهن، كما ترأست الأميرة لجنة لجمع التبرعات للمساهمة في تأثيث مقر الجامعة للطالبات عام 1972م، ورعت الأميرة الجوهرة أول حفل تخرج لطالبات الجامعة عام 1973م، وأهدت تذكارًا لكل خريجة قدمته لهن بنفسها، كما أصرت على الأمر عينه عام 1989م بأن تصافح كل خريجة بنفسها وتسلمها وثيقتها رغم أن عدد الخريجات في ذلك العام بلغ المئات، كما كانت الأميرة تستضيف بعض منسوبات الجامعة في بيتها وتسدي إليهن النصح والإرشاد فيما يتعلق بالتعليم وأهميته وخدمة الوطن من خلاله، وهو ما يصور مدى دعم الأميرة السخي لتعليم المرأة السعودية. كما اهتمت الأميرة أيضًا بتعليم البنين، فخصصت رباطان في مكةالمكرمة والمدينة المنورة للطلاب المسلمين القادمين من خارج المملكة العربية السعودية والراغبين في تلقي العلوم الدينية ممن لا تسمح لهم ظروفهم المادية من استئجار مسكن لهم. وعلى صعيد التعليم في الوطن العربي تكفلت الأميرة الجوهرة بتعليم عدد من المحتاجين في بلدانهم حتى تخرجهم، ومنهم مجموعة من طلاب مدارس جمعية المقاصد الإسلامية في لبنان، وكلية بيروت الجامعية. حرصت الأميرة الجوهرة على طباعة الكتب وخاصة الدينية منها على نفقتها الخاصة، ومنها كتاب: «سبيل الرشاد في هدي خير العباد»، من تأليف الشيخ محمد تقي الدين بن عبدالقادر الهلالي، ومن تقديم: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، ويقع الكتاب في ثلاثة مجلدات في كل مجلد جزءان، وأشرف على طبعه المكتب التعليمي السعودي في المغرب، وتولى الطبع مكتبة المعارف في المملكة المغربية، وهو أحد الكتب التي أوصى بطباعتها الشيخ عبدالعزيز بن باز، ويذكر مقدم الكتاب في تقديمه أن الأميرة رغبت بعدم ذكر اسمها ولكنه تجاوز رغبتها؛ تقديرًا لصنيعها. ويذكر عبدالإله بن عثمان الشايع صاحب كتاب عناية العلماء بكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب أن الأميرة الجوهرة طبعت كتاب (فتح المجيد) على نفقتها الخاصة، بمراجعة وتصحيح من الشيخ عبدالعزيز بن باز، ومن إصدار وتوزيع المكتب التعليمي السعودي بالمغرب عام 1404ه. اعتنت الأميرة الجوهرة بشأن تحفيظ القرآن الكريم، فافتتحت مراكز لتحفيظ القرآن الكريم -للبنين والبنات- في مكةوجدة. وكان أول حفل أقامته جماعة تحفيظ القرآن الكريم في مكةالمكرمة برعايتها. كما اعتنت ببناء المساجد على نفقتها الخاصة سواء داخل المملكة العربية السعودية في: جدةومكةوالرياض والمدينة المنورة، أو خارجها في كل من الهند وباكستان وإندونيسيا. كفلت الأميرة الجوهرة أيتامًا في بيتها، واعتنت بتربيتهم وتعليمهم وتزويجهم، وكانت تردد: «أفضل البيوت بيت فيه يتيم يُحسن إليه»، ووصلت الأميرة في رعايتها للأيتام خارج المملكة العربية السعودية حيث كفلت خمسة وعشرين يتيمًا ويتيمة في فلسطين من أبناء الشهداء في القدس، وتبرعت الأميرة على مدى أكثر من ثلاثين عامًا لدار الطفل العربي للأيتام بالقدس باسم فاعل خير. دعمت الأميرة الجوهرة الجمعيات الخيرية النسائية معنويًا وماليًا -كما جاء في كتاب الجمعيات النسائية الاجتماعية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية- إذ تروي فوزية بنت عبدالرحمن الطاسان مديرة الجمعية الفيصلية الخيرية النسائية في جدة أوجه دعم الأميرة بقولها: «لقد كان لصاحبة السمو الأميرة/ الجوهرة بنت سعود الكبير دور بارز في دعم خدمات الجمعية التعاونية من خلال تشجيعها للمؤسسات وتقديمها للدعم المادي والمعنوي لهن، وقدمت لهن تبرعاً سنوياً لأداء رسالتها التنموية الرائدة في خدمة المواطنات». الجدير بالذكر أن الجمعية التعاونية للأشغال النسوية في جدة تأسست عام 1384ه، وتم تحويلها إلى الجمعية الفيصلية الخيرية النسائية عام 1395ه بعد تسجيلها في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية آنذاك (وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية حاليًا)، ومازالت الجمعية إلى اليوم تؤدي رسالتها وتحقق أهدافها في رعاية المرأة والطفل والأسرة. كما دعمت الأميرة الجوهرة جمعية أم القرى الخيرية النسائية في مكةالمكرمة، وقد استقبلت عضوات الجمعية في منزلها وبينت لهن مدى إدراكها لأهمية الجمعية وحرصها على دعمها. وما زالت هذه الجمعية تقدم خدماتها الاجتماعية حتى وقتنا الحاضر. تميزت الأميرة الجوهرة بسعة اطلاعها الدائم على مجريات الأحداث السياسية والاجتماعية على المستوى المحلي والدولي وفي حال فاتها سماع بعض الأخبار كانت تتصل بأحد المسؤولين؛ لتسأله عن آخر المستجدات. وكانت حريصة على مقابلة من شهدوا بعض الأحداث السياسية بنفسها كما حصل بعد حادثة احتجاز السفير السعودي عبدالله الملحوق في السودان وزوجته عصمت الحجار الملحوق في منزلهم كرهائن على يد أفراد من منظمة أيلول الأسود عام 1393ه/ 1973م، وقد كتبت زوجة السفير في مذكراتها ( الدبلوماسية واجهة ومواجهة): «دُعيت من قبل الأميرة جوهرة بنت سعود الكبير، وكانت مصّرةً على لقائي ومعرفة ما حصل من داخل الواقعة». بالرغم من تلقي الأميرة الجوهرة لتعليم ديني بسيط إلا أنها كانت تعمل على تثقيف نفسها بنفسها حتى تكونت لديها معلومات شاملة عن معظم البلدان العربية والأوروبية فيما يتعلق بجغرافيتها وعاداتها وتقاليدها وحكامها وأنظمة الحكم فيها، وقد أفادت الأميرة من حصيلتها الثقافية عندما كانت تستقبل الوفود النسائية الرسمية القادمة إلى المملكة العربية السعودية، وفي هذا الجانب تروي سعاد الجفالي فحوى الحوار الذي جرى عند استقبال الأميرة الجوهرة لملكة الدنمارك حيث سألتها عن والدها الملك الراحل ووالدتها ملكة الدنمارك السابقة، وناقشتها عن الأوضاع السياسية والاقتصادية في الدنمارك، وتروي سعاد ما جرى في استقبال الأميرة الجوهرة لوفد من سيدات الحكومة الألمانية برئاسة الرئيس كول وزوجته، فبدأت الأميرة بمناقشتهن في الشؤون السياسية والاقتصادية الألمانية، وأبدت إعجابها بجمال القرى والمدن والبحيرات والجبال الألمانية. وفي المقابل حرصت الأميرة الجوهرة عند استقبال وفود النساء الخارجية وخاصة الأجنبية على الحديث عن الثقافة المجتمعية السعودية وعاداتها وتقاليدها، لذا كانت تدعو سيدات المجتمع السعودي وغيرهن ممن يتحدثن بلغات أجنبية إلى مجلسها ليتحدثن عن الإرث الثقافي السعودي. ومما يتصل بوطنية الأميرة وحبها لوطنها وثقافته اهتمامها باليوم الوطني السعودي في السفارة السعودية في لندن، وكانت ترسل إلى بيتها في لندن من يقوم بإعداد الأكلات الشعبية السعودية ويحملها إلى السفارة السعودية التي تقدم تلك الأكلات إلى ضيوفها في ذلك اليوم من كل عام، وبذلك قدمت الأميرة صورة لزوار السفارة في ذلك اليوم وخاصة الأجانب عن جزء من التقاليد السعودية المتعلق بالأكلات الشعبية. كانت الأميرة الجوهرة تتمتع بعلاقات اجتماعية واسعة مع أُسر بعض الرجالات البارزين في الوطن العربي ومنهم الدكتور عمر مسيكة كما يذكر في مذكراته (أحداث وخفايا من لبنان والمنطقة): «لعل المثير في علاقتي بسمو ولي العهد الأمير فيصل، والذي أصبح جلالة الملك فيما بعد، أن معرفتي به لم تبدأ عن طريق عملي في ديوان رئاسة الوزراء في الجمهورية اللبنانية، أي عبر العلاقات الرسمية، بل من خلال روابط صداقة نشأت بين أفراد من عائلتي وبين زوجته السابقة سمو الأميرة الجوهرة بنت سعود الكبير. وبنتيجة هذه العلاقة، دعيت لزيارة المملكة [العربية] السعودية وبالفعل تم لي لقاء مع سمو الأمير فيصل، وكان ذلك في آب في عام 1964م». أما ما يتعلق بحفظ الأميرة لتاريخ أسرتها، فقد قال عنها شكيب الأموي: «الأميرة الواعية.. الصريحة الواضحة.. التي تختزن في ذاكرتها أعظم وأطرف القصص عن أمجاد آل سعود». ومما روته الأميرة الجوهرة عن أسرتها ما نقلته عنها الدكتورة نورة الشملان -في كتيبها عن الأميرة نورة بنت عبدالرحمن- حيث أكدت الأميرة الجوهرة أن والدتها نورة ولدت عام 1291ه، وأنها كانت تجيد القراءة والكتابة، وأنها كانت تذهب على رأس مجموعة من نساء الأسرة المالكة ونساء الرعية بشكل شبه يومي من أجل زيارة الملك عبدالعزيز في قصره، كما قالت عنها: «كانت ورعة كثيرة التقرب إلى الله وكانت تجد متعة كبيرة في رعاية الفقراء والمحتاجين». وروت الأميرة الجوهرة أن خالها الملك عبدالعزيز دخل على والدتها الأميرة نورة أثناء تناولها للتمر، فأعطته تمرة وهي تقول متى نستعيد تمور الأحساء؟ وفي قولها إلماحة للملك عبدالعزيز بأن يضم الأحساء إلى حكمه. كما تروي الأميرة الجوهرة بعض المواقف الحزينة المتعلقة بوفاة والدتها الأميرة نورة، فتذكر أن خالها الملك عبدالعزيز نقلاً عن والدها -سعود الكبير-:» أنه [أي: الملك عبدالعزيز] كان من المصلين عليها وكان صوته يعلو بالبكاء مما دعا الإمام الذي أمهم أن يلتفت إليه بعد الصلاة ويهدئ من روعه وبعد الدفن أقبل إلى بيتها وعيناه محمرتان من البكاء ودخل على الجوهرة وأخذ يضمها على صدره بقوة وحزن شديد». وذكرت الجوهرة أن خالها الملك عبدالعزيز كان لها ولأخيها محمد نعم الأب والخال والراعي. وأكدت الأميرة الجوهرة للدكتورة نورة الشملان عند مقابلة الأخيرة لها عام 1416ه على صحة ما ذكرته فيوليت ديكسون عما جرى بينها وبين خالها الملك عبدالعزيز بعد وفاة أخته الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، وهو ما يلفت النظر إلى قوة ذاكرة الأميرة الجوهرة رغم أنها كانت في مطلع العقد الثامن من عمرها، ويؤكد من ناحية أخرى الوصف الذي ذكره شكيب الأموي بأن ذاكرة الأميرة كانت بمثابة المستودع الذي حفظت فيه جزءا من تاريخ أسرتها. أما ما ذكرته فيوليت ديكسون فهو:» أن الملك استدعى الأميرة جوهرة وقال لها إن كل شيء كان مخصصاً لنورة هو الآن مخصص لها؛ ولذلك فإنها تستطيع أن تعيش في قصر أمها، وأن تمثل دورها لدى الملك وبين سيدات الجزيرة». ولعل القصر الذي ذكرته فيوليت يقصد به قصر الشمسية، وهو القصر الذي أمر صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد بترميمه على نفته الخاصة في مطلع هذا العام الهجري -1441ه-. ومما روته الأميرة الجوهرة عن نفسها نقلاً عن أمها نورة أنها عندما كانت في السابعة من عمرها اصطحبتها والدتها إلى العمرة وفي أثناء الطواف أظلت الجوهرة أمها التي أخذت تبحث عنها بمعاونة خدمها حتى وجدوها على الصفا تردد الآيات القرآنية دون خوف، فما كان من أمها إلا وأن ضربتها ضربًا غير مبرح على يدها. كما تذكر الأميرة الجوهرة بأن أمها «هي معلمتها الأولى والأخيرة فقد أنشأتها على حب الناس وأوصتها بأن يكون بيتها مفتوحًا للجميع وأمرتها بالبعد عن الكبرياء والعجب بالنفس». وقد طبقت الأميرة الجوهرة وصية والدتها بالفعل، فكان بيتها مفتوحًا للجميع كما ذُكر، وكانت متواضعة؛ إذ كانت ترفض تقبيل يدها معللة ذلك بقولها: «لا ينحني العبد إلا لخالقه». وروت أيضًا الأميرة عن نفسها أنه دخلت عليها سيدتان، وحدّثت إحداهما الأخرى باللغة الإنجليزية، فما كان من الأميرة إلا وأن حفظت الجملة؛ حتى تسأل عن معناها، ويؤكد قول الأميرة هنا عن نفسها ما قاله بعض معاصريها بأنها قوية الذاكرة، وأضيف عليه بأنها متينة الحفظ. توفيت الأميرة الجوهرة يوم الأربعاء 27-1-1423ه في جدة بمستشفى الملك فهد العسكري عن عمر يناهز التسعين عامًا إثر معاناة طويلة مع المرض، وصلي عليها يوم الجمعة في المسجد الحرام. وفي عام 1426ه أقام الملتقى الثقافي النسائي في جدة حفل تكريم ذكرى الأميرة الجوهرة بنت سعود الكبير على شرف ابنتها صاحبة السمو الملكي الأميرة مشاعل الفيصل بن عبدالعزيز آل سعود، وقد أطلقت عضوات الملتقى الثقافي لقب «جوهرة القلوب» وأعددن كتاباً يحمل اللقب عنوانًا له، ووُزع على الحاضرات في الحفل، وهو الكتاب نفسه الذي أمدتني به الدكتورة ابتسام حلواني إحدى عضوات الملتقى الثقافي النسائي في جدة. أعود للتساؤل الذي طرحته في بداية المقال، وأجيب بأن أعمال الأميرة الخيرية كانت وما زالت بمثابة الجواهر المتلألئة، وأن هذه الأعمال سببًا كافيًا ومقبولاً إلى حد كبير لإطلاق اللقب عليها واستحقاقها له خاصة وأنه أُطلق عليها من معاصريها الذين منحوه لها حبًا منهم وتقديرًا لشخصيتها الخيّرة والقريبة منهم كما سجلوا في كتيب (جوهرة القلوب) العديد من المواقف التي تجسد قربها منهم عبر العديد من الخصال والفِعال الإنسانية مما يضيق المقام بذكرها. انتقل إلى تساؤل آخر وأخير تبادر إلى ذهني أثناء بحثي عن شخصية الأميرة الجوهرة، وهو: لما لا يطلق على المكتبة المركزية بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن مكتبة الأميرة الجوهرة بنت سعود الكبير؟ إن في تنفيذ ذلك تجسيد واقعي وتذكير عملي بأبرز الشخصيات النسائية السعودية الفاعلة ووسيلة أخرى من وسائل ربط المواطن السعودي بتاريخ وطنه وخاصة تاريخ المرأة السعودية. ** **