الهفوات الكلامية لبعض المسؤولين شيء ملاحظ وملموس، وبعضها يمكن وصفها بأنها قاتلة، وفي وصف أقل بأنها محرجة. ولا شك أن هفوات الوزراء الإعلامية القاتلة جميعها قابلة للعلاج، شرط معرفة المشكلة قبل حدوثها. وأعتقد أن سبب حدوثها هو عدم خوض المسؤول دورات الظهور الإعلامي، أوحضور دورة واحدة فقط. حضور دورة تدريب للتحضير للقاء الإعلامي مهمة جدًا، وقد حضرت شخصيًا بعض الدورات لمدد محدودة، يتم تدريب الحضور على طريقة الجلوس أمام الكاميرا، وكيف ومتى تبتسم أو تضحك، والأهم متى .... «لا تبتسم»...، ويتم تصويرك خلال لقاء صحفي تمثيلي، ومن ثم عرض المقطع أمام الحضور لتشاهد بنفسك الخطأ الذي وقعت فيه، وأن تعيش رد فعل الحضور الفوري. إن كمية الإحراج التي تعيشها أمام زملائك الحضور خلال مشاهدة نفسك وأنت تعيد كلمة واحدة بشكل غير لطيف، أو ترديد حرف م م م م م....، ستترك لديك دون أي شك إحساسا هائلا بالتعاطف وتقدير الضغط الذي يمر به هؤلاء المسؤولون خلال اللقاء الصحفي. يتم خلال الدورة إعطاؤك خبرًا لتقرأه أمام الكاميرا، فتجد أنك تبتسم مع أنك تقرأ خبر وقوع زلازل في مكان ما من العالم! وفي نفس الوقت تجد أن نجاح التدريب من خلال مقارنة إجاباتك في أول الدورة مع اللقاء التدريبي في نهايتها يلغي التعاطف مع أي مسؤول لا يقوم بتحضير نفسه جيدًا قبل أي لقاء صحفي أوظهور إعلامي. يجب على كل مسؤول أن يقوم بعقد جلسة تدريبية افتراضية مع مستشاريه وأن يكون من ضمنهم طبيب نفسي، واستشاري إعلامي (مخرج)، بالإضافة بالطبع للمستشارين في تخصصه قبل حضور أي مقابلة صحفية. يحاول الصحفي الناجح زرع الألغام في غابة من الأسود الجارحة، ولا يمكن التخلص من هذه الألغام دون معرفة خفايا إبطال مفعول الألغام بكل حذر وصبر حتى يتم استغلال اللقاء لمعركة في مصلحة المسؤول. يطرح مدير الجلسة الافتراضية (متقمصًا دور الصحفي) السؤال الذي يمكن أن يتم توجيهه للمسؤول، ويتقدم المسؤول بعد ذلك بإجابة مقترحة للمجموعة أمامه ليتم تعديلها من قبل المستشار العلمي لضمان بساطة المحتوى، ومن قبل الطبيب النفسي لتتناسب مع ردة فعل الجمهور، ثم يضيف المستشار الإعلامي لمساته على طريقة جلوس المسؤول أو الوزير وحركات يديه، وتعابير وجهه عند الإجابة. حيث يتم أيضًا تدريب المسؤول حتى على إلقاء دعابة في الوقت المناسب لتخفيف حدة اللقاء أو لتشتيت اهتمام الجمهور عند الحاجة لذلك. للأسف، إن عدم القيام بهذا المجهود، والاعتماد على الإجابة بالفطرة قد تكلف المسؤول كثيرًا في حال حدوث خطأ غير مقصود. فلا يوجد في السياسة مجال لشرح المقصود بعد خروجه من فم المسؤول حيث يصبح كنزًا يتداوله الناس من خلال الوسائط الاجتماعية. إن الاستناد إلى وجود شخصيات فذة مثل سعود الفيصل أوعادل الجبير ممن يملكون القدرة الهائلة على سرعة البديهة، لا يعني أن الأمر كذلك لدى الكثير، لذلك قد يفقد المسؤول هيبته لأعوام طويلة بعد أن يضيف تعليقا خاطئا قد لا يزيد عن كلمة واحدة، رغم أن ذلك لا يؤثر على كفاءته وأدائه، ولكن هذا هو الإعلام ومحاذيره، سير وسط حقل ألغام، حتى خطأ إعلامي واحد لا يغتفر لدى الجمهور ويترك انطباعًا طويلا لديهم. لقد كان العالم كله يقف خارج أبواب اجتماعات منظمة أوبك ليبث لقاء حيا مع أحمد زكي يماني، وبعده هشام ناظر ثم علي النعيمي وأخيراً خالد الفالح يتم بعده إما انهيار أسعار النفط أو صعودها. ومازالت المحطات الفضائية اليوم تود لو أنها تستطيع الحصول على تسجيل لذبذبات الأمير عبدالعزيز بن سلمان الدماغية وبماذا يفكر وكيف سيتعامل مع أزمة النفط وهو الخبير الذي لا يُنافس. لا شك أن أي إجابة من مسؤول مالي قد تهوي بسوق الأسهم في الحضيض، في حين يمكن لبعض الكلمات أو تعابير الوجه أن تقوم بإلجام الحاقدين على البلاد، وقيادة الوضع الاقتصادي نحو بر الأمان دون أن يعطي المسؤول أي وعد بذلك! يعرف كبار القادة تفاصيل الدهاليز الصحفية التي تتعامل مع الأخبار بمهنية عالية، وما يمكن أن تؤدي كلمة واحدة قيلت قبل أوانها. لا أحد يمكن أن ينسى إجابة الملك عبدالله- يرحمه الله- في البيت الأبيض أمام الكاميرات العالمية داعيًا الله بكل صدق وعفوية عند إشارته للصحفيين: «الله يكفينا شركم».