مع تزايد عدد المصابين بوباء كورونا في العراق الشقيق، ومحاولة البعض التهرب غير الواعي من تطبيق التوجيهات الرسمية التي تعلنها وزارة الصحة ممثلة بخلية الأزمة إلا أن هناك خروقات من قبل المواطنين بعدم الالتزام بشعار خليك في بيتك تأمن حياتك، وهناك أيضاً عدم رضا من أبناء الشعب من إهمال حكومي بعدم إغلاق المنافذ والمطارات عن التدفق الوبائي الخارجي، وبالذات من الجارة إيران وما زالت البضائع والمواد الغذائية تهرب من الحدود الإيرانية إلى داخل البلاد، وسببت أيضاً مع قدوم زوار النجف وكربلاء زيادة عدد المصابين في تلك المناطق. ومع هذا الاهتمام الممزوج بالقلق من قبل المواطن العراقي، هناك فيروس يماثل كورونا الوبائية وهو تفشي فيروس كورونا السياسي وأضلعه الثلاثة المتنافسة؛ الشعب الغاضب المتظاهر، والأحزاب السياسية المذهبية المتمسكة بالسلطة، وقاعدته المتشنجة الأزمة الوزارية والتي طال أمدها منذ استقالة وزارة السيد عادل عبدالمهدي في أكتوبر من عام 2019م حتى يومنا هذا، وقد ذهب ضحية هذا التوتر السياسي من المتظاهرين أكثر من ضحايا كورونا الوبائية دون وجود خلية أزمة لإنهاء هذه الحالة المنفلتة بدون حكومة مخولة لإنهاء الأزمات السياسية والاقتصادية، وأهمها اعتماد ميزانية الدولة، والتي أوشك العام على وسطه دون ميزانية معتمدة، مما دعا وزير الصحة لدعوة البنوك العراقية بتقديم التبرع بمبالغ مالية لتوفير المعدات الطبية لصد تسارع تفشي وباء فيروس كورونا. رئاسة الجمهورية العراقية حامية تطبيق الدستور كلفت السيد توفيق علاوي لتأليف الوزارة المؤقتة لتشرف على الانتخابات البرلمانية المقبلة ومحاسبة المفسدين مالياً وإدارياً وإنهاء الأزمة الصحية التي أوجدها تفشي فيروس كورونا، تمشياً مع مطالب المتظاهرين في ساحة التحرير، وقد عارض تكليف السيد علاوي الأحزاب المذهبية لرفضه نظام المحاصصة في تقسيم الحقائب الوزارية بين تلك الأحزاب المتنفذة بالمليشيات المسلحة التابعة لها والمؤتمرة جميعها بمكتب الولي الفقيه في طهران، والتي أطلق عليها «المليشيات الولائية». ولم يستطع علاوي من تمرير وزارته بنيل الثقة من البرلمان العراقي لانسحاب هذه الأحزاب المذهبية من الجلسة البرلمانية. وبعد أشهر من القلق الشعبي وعدم الاستقرار السياسي والأمني، تم تسمية السياسي العراقي السيد عدنان الزرفي بتكليف تشكيل الوزارة الجديدة، وعارضت هذا التكليف مجموعة التيار الشيعي لاستشعارها بأن الزرفي الرئيس المكلف لن يخضع لإملاءاتهم في توزيع الوزارات بينهم، مضافاً لعدم الرضا من القيادة الإيرانية على اتجاهات الرئيس المكلف واتهامه بأنه مرشح أمريكي، وسيشكل تمرير وزارته خطراً على المصالح والنفوذ الإيراني المتغلغل في جسد السلطة العراقية، مما دعا تكتل البناء الذي يرأسه السيد هادي العامري وينضم تحت لوائه معظم وحدات الحشد الشعبي الموالي لإيران ومعهم دولة القانون برئاسة نوري المالكي، وشاركهم الرفض السيد عمار الحكيم زعيم تكتل الحكمة. ومن الحسابات الأولية يظهر أنه سيتم رفض البرلمان لترشيح الزرفي من قبل الكتل الشيعية، إلا أن هناك جهات أجنبية حركت منظماتها السياسية ببث فيروس كورونا جديد ممثل بتهديد معاقل المليشيات المسلحة الولائية التابعة للأحزاب المعارضة لتكليف الزرفي ودعوتها بمراجعة قرارها، ودعم تمرير التشكيل الوزاري الجديد برلمانياً، ويسود في الدوائر السياسية والإعلامية داخل وخارج العراق بأن هناك أحداثاً (جديدة) ستقلب الطاولة على الأحزاب المذهبية ومليشياتها الولائية المسلحة وتنهي النفوذ الإيراني من المشهد السياسي العراقي وتقضي على الدولة الموازية صنيعة طهران في بغداد، وإن الأمر لسريع بتغيير جذري حسب مرئيات تلك المراكز السياسية الاستراتيجية القارئة لسير الأحداث المتسارعة في المطبخ السياسي البغدادي، وبراحة تامة لخلو الشارع من أي حركة مسلحة حسب توجيهات خلية الأزمة لمكافحة كورونا الوبائية، مما يعطي المجال لكورونا السياسية بالحركة وبلوغ هدفها بسهولة. معظم الشعب العراقي يطالب بالعدالة وسيطرة القانون وتكافؤ الفرص في التوظيف العام، وتهيئة الخدمات العامة من تعليمية وصحية، وتنفيذ مشاريع متوقفة من جسور وطرق ومدارس وغيرها من المشاريع التي هرب المقاول المنفذ لها بسبب الفساد والرشاوى التي رافقت مراحل تنفيذ هذه المشاريع وما زالت دون تسليمها للدولة، مطالب معقولة وعادلة لا تحتاج للانتظار سبعة عشر عاماً من الفساد والسلب والتسلط والحرمان، مارسته الأحزاب المذهبية على الشعب العراقي الصابر، الذي أعلن رفضه لوجود تلك الأحزاب وإنهاء عهدها غير المأسوف عليه. السؤال المهم المطروح إقليمياً ودولياً.. هل يستطيع السيد الزرفي تشكيل وزارته وتمريرها في البرلمان وتنفيذ برنامجه الوزاري أم ينسحب من الميدان السياسي ويبدأ عهد ما بعد الكورونا السياسية بظهور نظامٍ جديدٍ يحكم بغداد الرشيد ذي مناعة سياسية وعسكرية عالية؟