يردد المؤذن بصوت حزين في كل إعلان للصلاة: صلوا في بيوتكم. هذه العبارة تتردد منذ أن صدر الأمر بأن تكون الصلاة في المنازل بدلاً من المساجد والجوامع في إطار الإجراءات الاحترازية لمكافحة وباء كورونا المميت. والملاحظ أن هناك من لم يعجبه مثل هذا القرار؛ وهناك آخرون يظهرون الشعور بالأسى والحزن والرغبة في العودة إلى الصلاة في المساجد والجوامع من منطلق أنه لا يمكن القبول بالابتعاد عن المسجد فترة طويلة. ومع أننا جميعًا ندرك أن الصلاة في المسجد مطلوبة، وأنها مظهر أساسي من مظاهر الإسلام، وأن هناك تشديدًا على أدائها وأحاديث تظهر فضلها، لكن هذا كله لا يعني بحال من الأحوال أن تظل الصلاة في المساجد في ظل وباء شرس يستدعي من الناس الابتعاد عن بعضهم البعض، ويفرض العزلة لأنها وفق كل المراجع الطبية الدولية التي تناولت كورونا هو الأهم في مكافحته. ومعروف أن الإسلام يحرص على النفس البشرية من هنا وردت أحاديث ومؤثرات توضح أن العزلة وعدم الانتقال إلى الأماكن الموبوءة والبقاء فيها أن ظهر هو أمر ملح أمر به النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، وهناك ممارسات أخرى تنسب إلى الخليفة عمر بن الخطاب عندما ظهر وباء في الشام في السنة السابعة عشرة للهجرة وكان عمر قد خرج من المدينة يريد الشام وفي الطريق بلغه خبر الوباء فاستشار الصحابة هل يمضي إلى الشام أم يبقى في المدينة فاختلفوا فيما بينهم ما بين المضي والبقاء، حتى حسم الموقف الصحابي عبدالرحمن بن عوف الذي قال لهم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سمعتم بهذا الوباء ببلد فلا تقدموا عليه، وإذا وقع وأنتم به فلا تخرجوا فرارًا منه، ولا يخرجنكم إلا ذلك). وهناك أثر عن عمر بن الخطاب أنه طلب من امرأة مصابة بالجذام شاهدها في الطواف بأن تترك الطواف وتلزم بيتها، لأنها ستضر الآخرين فاطاعته ولم تذهب إلى المسجد طوال حياته وبعد وفاته امتثالاً لطلبه رضي الله عنه. إن هذه الشواهد وغيرها كثير يؤكد على أن الإسلام حريص على النفس البشرية وحريص على حياة الإِنسان، ومن ثم عالج منذ ظهوره قضية الاعتزال في حالة الوباء وعدم الاختلاط.