دعت السعودية إلى عقد اجتماع طارئ لمنتجي النفط من منظمة أوبك ومجموعة من الدول الأخرى بهدف التوصل إلى اتفاق عادل، يجلب الاستقرار إلى سوق النفط العالمية بعد انهيار أسعارها. وتبدو الظروف المحيطة باجتماع الدول المنتجة الخميس القادم مختلفة عن الاجتماع السابق؛ وذلك بعد المباحثات الإيجابية التي عقدها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من جهة، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين من جهة أخرى. فالتصريحات الإيجابية الصادرة عن روسيا والولايات المتحدة وبعض الدول المنتجة من خارج أوبك تبعث على التفاؤل، وتعزز إمكانية التوصل إلى اتفاق وفق الرؤية السعودية التي عارضتها روسيا الشهر الماضي. لم تخلُ الإيجابية الروسية من الإثارة المتعمدة باتهام السعودية بالانسحاب من اتفاق «أوبك +»، ومحاولة تحميلها سبب انهيار الأسعار. أعتقد أن روسيا بحثت عن مخرج لتبرير قرار العودة لقبول اقتراح خفض الإنتاج الذي تقدمت به السعودية. الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة أكد في رده على الادعاءات الروسية أن المملكة هي التي اقترحت تخفيض إنتاج النفط للحد من الفائض إلا أن اقتراحها «لم يلقَ - وبكل أسف - قبولاً لدى الجانب الروسي». من المهم الرد على الادعاءات الروسية وتفنيدها، غير أن الأهم المضي قُدمًا لعقد الاجتماع، وهذا ما سعت المملكة لتحقيقه بغية الوصول إلى نتائج إيجابية محققة لمصالح المنتجين والمستهلكين. انهيار أسعار النفط أثر سلبًا على الدول المنتجة دون استثناء غير أن الأثر الأكبر طال النفط الصخري الأمريكي الذي حمل ترامب للتنسيق مع السعودية وروسيا من أجل دعم الأسعار. تسببت أزمة أسعار النفط في دق ناقوس الخطر لدى الدول المنتجة من خارج أوبك، وجعلتهم أكثر قربًا منها، أو ربما أكثر حاجة لمخرجاتها المحققة لتوازن السوق النفطية؛ ما دفع برئيس صندوق الثروة السيادية الروسي كيريل دميترييف للقول بأن الأسواق كاملة أدركت مدى أهمية الاتفاق الذي من شأنه تحقيق الكثير من الاستقرار بالأسواق، والتشديد على أن «موسكو والرياض تقتربان للغاية من إبرام اتفاق بشأن خفض إمدادات النفط». أحسب أنه يشير إلى اتفاق أشمل بين أوبك ومنتجين من خارجها، وليس السعودية وروسيا فحسب. الرئيس البرازيلي، جايير بولسونارو، قال: «أود شخصيًّا أن تصبح البرازيل عضوًا في منظمة أوبك»، في الوقت الذي أكد فيه رئيس وزراء مقاطعة ألبرتا الكندية، جيسون كيني، مشاركة ألبرتا في المؤتمر الهاتفي مع أوبك وشركائها، والتشاور في الاقتراحات حول الإجراءات الضرورية. أما الرئيس ترامب فقد تبنى سياسة أوبك الهادفة لتحقيق توازن السوق، والداعمة للأسعار بعد أن كان من أشد منتقديها. جائحة كورونا وتداعيات على الاقتصاد العالمي أثرت بشكل مباشر على حجم الطلب؛ ما استوجب تكاتف جهود الدول المنتجة للنفط عمومًا، وليس مجموعة «أوبك+» لمواجهة المتغيرات الاقتصادية. خفض ما يقرب من 10 ملايين برميل ليس بالأمر الهين، ولا يمكن لدول «أوبك+» تحمُّله دون مشاركة الدول المنتجة الأخرى؛ لذا فنجاح اجتماع الخميس القادم مرهونٌ بمشاركة الدول الرئيسة من خارج أوبك في تحمُّل نسبة عادلة من مجمل الخفض المقترح. الاتفاق على خفض الإنتاج سيدعم أسعار النفط بشكل كبير في الوقت الذي سيتسبب فيه عدم الاتفاق بانهيار حقيقي للأسعار، إلا أن الاتفاق أقرب -بإذن الله-.