الحوار الوطني.. سورية بيد أبنائها    على نفقة فهد بن سلطان.. «معونة الشتاء» لمحافظات ومراكز تبوك    جلستان رفيعتا المستوى في المنتدى الإنساني تناقشان «سلاسل التوليد» و«إعادة الإدماج»    "الأخضر الشاب" يعبر كوريا لنهائي القارة    الخليج يفرمل الاتحاد والاتفاق يتفوق على التعاون    المملكة تدين قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي مناطق في سوريا    بين انفراجة صفقة الأسرى وتهرب نتنياهو من المرحلة الثانية.. سباق مع الزمن لإنقاذ هدنة غزة    الجيش السوداني يتقدم جنوب الخرطوم    أمانة جدة تطلق خدمة «وافق» الرقمية    وزير التجارة يدشّن "منتدى مكة للحلال"    وزير الدفاع يبحث مع مسؤولين أمريكيين التعاون المشترك    ولي العهد يهنئ رئيس الوزراء اللبناني بمناسبة تشكيل الحكومة برئاسته    مجلس إدارة «المؤسسة» برئاسة ولي العهد يعلن: افتتاح أولى مراحل «المسار الرياضي» بخمس وجهات    المحكمة العليا تدعو لتحري رؤية هلال رمضان غداً    بحضور الوجهاء والأعيان .. آل كسناوي والفران يحتفلون بتقاعد محمود فران    أمير المدينة: حريصون على تحقيق الراحة للمصلين في المسجد النبوي    روشتة بالذكاء الاصطناعي من «ChatGPT» لصوم صحي    تجمّع مكة الصحي يكمل تجهيز 8 مستشفيات و 43 مركزًا صحيًا    سلال رمضان.. عادات أصيلة تعكس روح التآخي    المنتدى السعودي للإعلام صياغة للمستقبل    احتفالية جذور الوحدة والتلاحم    الحربي رئيساً للاتحاد السعودي لرفع الأثقال    «شؤون الحرمين» تدعو إلى الالتزام بإرشادات السلامة    موازنة أميركية لتنفيذ أجندة ترمب    المحكمة العليا تدعو إلى تحري رؤية هلال رمضان مساء غدٍ    بيتربان السعودي    الذهب يتعافى.. مع تزايد مخاوف الرسوم الجمركية    «جيبكا» ترحب بقرار مجلس الوزراء على استضافة مقرها في الرياض    هنا تضمر الحكاية..أيام تجري وقلوب تتوه..    الجوهرة    الإصلاحات تمنح المملكة الثقة عالميًا    الإنسان ومتغيرات الحياة    تيم لاب فينومينا أبوظبي يفتح أبوابه في 18 أبريل    سفارة المملكة في فنلندا تحتفل بيوم التأسيس    "طبيّة" جامعة الملك سعود تحتفي بيوم التأسيس    جمعيّة أصدقاء المجتمع تحتفل بيوم التأسيس    هيئة الإذاعة والتلفزيون تدشن أضخم الأعمال على شاشتها الرمضانية    نائب أمير الرياض يُشرّف حفل سفارة الكويت    محافظ الطائف يلتقي الرئيس التنفيذي لجمعية مراكز الأحياء    القرقاح يشهد احتفال أهالي محايل بيوم التأسيس    محافظ خميس مشيط يعقد الاجتماع الأول للتعريف بمبادرة «أجاويد 3»    تخريج دورة الفرد الأساسي للقطاعات الأمنية بأكاديمية الأمير نايف    أمير تبوك يواسي بن هرماس في وفاة والده    أمانة الطائف تقوم بتشغيل ممشى السد الجديد على مساحة 10.500 م2    أمير القصيم: سباق الدرعية يعكس ارتباط الفروسية بتاريخ المملكة    أمير تبوك يترأس اجتماع الادارات الحكومية والخدمية لاستعدادات رمضان    في وداع سيد اللعبة.. عن كيسنجر والشرق    سلمان بن سلطان    دونيس: أحتاج لاعبين بمستوى سالم الدوسري    مواقف رمضان !    إنجازات «إنسان» على طاولة فيصل بن بندر    «الأولمبية السعودية» تجدد ثقتها في لجنة البادل    يا أئمة المساجد.. أيكم أمّ الناس فليخفف.. !    قدامى السعودية.. أقل من الطموح    الاتحاد الأوروبي المنقسم !    أمير الشرقية يستقبل وزير الحرس الوطني    5 عادات شائعة يحذر أطباء الطوارئ منها    خفاش ينشر مرضاً غامضاً بالكونغو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صحف للقراءة
نشر في الجزيرة يوم 28 - 02 - 2020

لا يعنيه كل الصخب الذي حوله، يجلس على مقعد جلدي صغير، أمامه طاولة زجاجية، فوقها كوب شاي، من حقيبة صغيرة وضعها بجانب مقعده أخرج جريدة يومية، وبدأ يتصفحها، أثناء ذلك كان المقهى يعج بعدد كبير من الرجال، بعضهم حضر لمشاهد مباراة كرة قدم بين فريقين أوربيين، وبعضهم جاء لاحتساء القهوة ولقاء بعض الأصدقاء، وهنالك من آثر الجلوس وتصفح جهاز هاتفه المحمول، أما هو فغرق في صحيفته الورقية، هو لا يحرص على الأخبار الرسمية ولا السياسية ولا الرياضية ولا المقالات المطولة، يهمه كثيراً الأخبار التي تعتمد على الصور بالذات عن المجتمع والحركة الاقتصادية، أحياناً يعرج على الصفحات الرأي والثقافة ويتأمل صور الكتاب قليلاً.
يجلس غالبا في المكان ذاته كل مساء، ويقوم بالحركة ذاتها، ويشرب كوباً من الشاي، ويتصفح أو يقرأ ربما جريدة أو اثنتين، في وقت مستقطع من يومه الذي لا يعرف عنه أحد، لا صديق له، ولا يرغب أن يتحدث مع أحد، حتى النادل يحضر له الشاي وقنينة الماء بصمت، ويأخذ منه قيمتها بصمت أيضاً.
الجريدة بأوراقها الكبيرة تحجب عنه رؤية الآخرين، لم يتابع مطلقاً شاشة التلفزيون غير البعيدة عنه، ولم يلفت انتباهه أحد من الناس، لم يرفع رأسه مطلقاً ليراقب صراخاً جاء بعد جدل بين مجموعة من الرجال، لم يزعجه ذلك الصخب الذي عم المقهى بعد تسجيل فريق كبير لهدف الفوز، لم يبتهج، ولم يحزن، هو يسمع ويرى، ولكن ما يسمعه ويراه خارج إطار المكان والزمان، ما يسمعه ويمتعه هو صوت ورق الصحيفة وهو يقلبها بين يديه، كان من الأولى أن يكون مسترخياً عند شاطئ بحر حيث لا يسمع إلا صوت الماء يتحرك بهدوء عبر موجات صغيرة تصل قربه ثم لا تلبث أن تغادر بالهدوء ذاته، لكن لا بحر في الرياض، وهو يخاف من أمواج الرمال المتلاطمة حولها، لذا لا ملاذ له إلا بيته أو المقاهي، وبالذات هذا المقهى الصاخب بقاصديه، وموقعه، ولكن حتى موقعه ليس بعيداً عن بيته، هو لا يحب الزحام ولا ركوب السيارات، ويعشق المشي، لذا يحمل حقيبته كل يوم ويتجه لذلك المقهى ليشرب شايا ويتصفح جريدته، وحقيقة هو في داخله مسرور لأن هنالك حياة حوله، صخب، أناس يتحدثون يضحكون، يلقي بعضهم أحياناً طرفاً ونكات يضحك منها الجميع عداه، ولماذا يضحك، وهو لم يجلس معهم، وإن كان قريباً منهم، والطرفة لم توجه له، بل لآخرين، إذا، ليضحكوا هم، وليلتزم الوجوم، لا ضحك ولا كآبة، مجرد صمت وانهماك بتصفح الجريدة، ولو تجرأ أحد أن يتحدث معه، بأن يسأله مثلاً إن كان يستغني عن المقعد الذي أمامه، أو مكان دورة المياه في المقهى سيزيح الصحيفة من أمام وجهه، وينظر إليه شزراً دون أن يتفوه بكلمه، ربما يشير بيده، أن يأخذ المقعد، أو مكان دورة المياه، ولكن لا يريد أن يلتقم سنارة الحديث، ويترك خصوصيته وجريدته.
جميع العاملين بالمقهى دون استثناء عرفوه، وعرفوا طبيعته، لذا لم يزعجوه مطلقاً، وحرصوا على ألا يزعجه أحد، فمثله من هو على أعتاب الشيخوخة يحتاج إلى كثير من المراعاة، يحتاج أن يكون كما يريد هو لا كما يريد الآخرون.
أحياناً يكون الوحيد الذي يتصفح جريدة في ذلك المقهى، ربما قبل سنوات كانت الصحف حاضرة وبقوة في أيدي الناس وبالطبع في المقاهي، الجميع يقرأ ويتصفح، وصوت الورق صاخب ورائحته تعم المكان، والآن كل واحد يبحر عبر هاتفه المحمول، والبعض يحضر جهاز حاسبه المحمول أو اللوحي، ويسمع ويقرأ ويشاهد، غادرت الصحف الأماكن وبقيت بضع منها في حقيبة ذلك الرجل تصارع على البقاء، ولكن وهو على أعتاب سن الشيخوخة هل يقدر أن يبث فيها الحياة؟.
هو وحيد جالس على مقعد جلدي صغير أمامه كوب شاي على طاولة زجاجية، وضع جريدته الورقية في حقيبته الجلدية، وهمّ بمغادرة المقهى، صورته انعكست على الطاولة الزجاجية، لاحظ أن الشيب اجتاح وجهه، حزن لذلك العمر الذي ضيعه دون أن يتعلم القراءة والكتابة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.