تنقسم موجات الدماغ البشري وحسب ما قرأته في كتاب - الكنز الداخلي - لريم رنو إلى أربعة مستويات تكوينيَّة نحتاجها جميعها للعيش بسلام عُمقي وحياة أعمق حيث تكون فيها حالة العقل بين دائرتي الوعي واللا وعي! ويتقاسمُ الدماغ في مستويات موجاته الانفعاليَّة بين أوضاع اليقظة (بيتا) والراحة (ألفا) والخمول (ثيتا) والاستسلام (دلتا). دخل عالم القراءة قدرًا، كان يطمح في أن يصبح لاعب كرة قدم، هدّدهُ الأطباء بأن مضاعفات إصابته في الحوض -التي تعرض لها في سن الخامسة عشرة - ستفضي به حتمًا إلى الشلل! عانى بعدها، وكانت أكبر معاناته (الملل) الذي تزايد بفعل تعطّل جهاز التلفاز -لعبثه به- ورفض والده إصلاحه. قرأ في أقل من سنة ما يتجاوز العشرين مجلدًا، وحين كان أحدٌ يسأله: كم عمرك؟ كان يجيب: ألف سنة. كان لديه صديق في حلقات تحفيظ القرآن، يحفظ في اليوم عشر صفحات فأصبح مثله، وحفظ ثماني مائة بيت من الشعر. بعدها بعام أوصلها لثلاثة آلاف. بقيَ أن نُشير إلى أنّ لا تثريب على ضيف عدد «زاوية الكتب» المحب للفلسفة وكاتب الرواية «عادل النعمي» يوم شارك في حروب أبناء عمومته وخالته -على الأتباع- بما تحول لشخص آخر، لا يهتم إلا بما هو مقدس. أصرخ وأهمس وتارة أغني وأنشد الأشعار وتفصيلاً من مبتدأ علاقته بالكتب، قال عادل النعمي: من رحم المعاناة يولد الأمل. وذلك ما حدث، بعد انتقال جارنا الذي ترك أمانة عند أبي، أمانة عظيمة، هي أعظم كنز صنع التّحول في حياتي، ونقلني من فقر الروح إلى أعلى مراتب الحياة الملكية. إنه الكتاب، كتاب «الأغاني» للأصفهاني، بعده تحولت إلى فيلسوف وشاعر وقاص وحتى مغن، تلك ما صنعته مخيلتي ذلك الوقت، وذلك ما مارسته! فقد كنت أدفع كرسيي المتحرك إلى خارج المنزل ويجتمع حولي أبناء الحي، ليستمعوا إلى عجائب القصص، وروائع الأشعار، وأقولها بأسلوب مميز: أصرخ تارة وأهمس تارة، وأغني تارة وأنشد الأشعار تارة أخرى. قرأت ما يتجاوز العشرين مجلدًا في أقل من سنة، وحين كان يسألني أحدهم في ذلك الوقت كم عمري أخبره أنه ألف سنة، وكلما تقدم عمري القرائي أتخلى عن تلك الفكرة، فأنا مجرد حرف مجهول في كتاب العالم. قرأته متعبدًا ومتأملاً ومتقمصًا أنا لا أنسى.. أول كتاب اشتريته فقد كان «الرحيق المختوم» للمباركفوري في سيرة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام. قرأته المرأة الأولى عبادة والثانية تأملاً والثالثة تقمصًا بأني أحد رجال ذلك الزمان، والأخيرة بعدها لم تعد لي نفسي القديمة فقد تحولت إلى شخص آخر لا يهتم إلا بما هو مقدس. وفي معرض إجابته عن تجربة أول كتاب ألّفه وظروف التأليف، قال النعمي: دخولي إلى عالم الكتابة كان مدهشًا كذلك، فكل طريق ينحدر بي إلى ما هو مقدر لي.. ففي المرحلة الثانوية حصدت العديد من الجوائز. كنت أنال جائزة أدبية كل عام، أنا أعلم أني سيء ولكني أفضل الموجود، كل ما أريده ذلك الوقت هو مزيد من التقدير فقط، ويسمي أحدهم ابنه باسمي، فقد كانت هناك حرب على الزعامة بين أبناء عمومتي وخالتي من لديه أكثر شعبية والمزيد من الأتباع. في المرحلة الجامعية تغيرت المعادلة وقلبت الطاولة على الجميع، إذ امتلكت سيارة!.. وهي ما جعلت أسلوبي في الكتابة يرتقي إلى منزلته الثانية! هناك مسابقة وجوائز مالية، وأنا أحتاج سيارة ولدي حافظة ذهبية ليست هي هبة أو عبقرية وإنما أتت بالتدريب فقد كنت في تحفيظ للقرآن، وكان لدي صديق اسمه محمد الحاج يحفظ في اليوم عشر صفحات من القرآن، وبعد التدريب أصبحت مثله، فاشتركت في مسابقة للمساجلة وحفظت ثماني مائة بيت من الشعر وحصلت على المركز الثاني، وفي العام التالي أكملتها إلى ثلاثة آلاف بيت من الشعر وفزت بالمركز الأول. كل ما أتذكر أني كنت أنام في مكتبة الجامعة في الظهيرة لأقرأ في المساء أبتسم، أنا لم أتخيل أن في يوم سأكتب كتاباً كل ما كنت أريده هو المزيد من القراءة والاستمتاع بالحياة، ولكن وضعت نفسها قسرًا في الواجهة بالقراءة المتواصلة. «التائه» فلسفة وجودية: من أنا وماذا أريد من الحياة؟ حياتي أشبه بمراحلي القرائية التي صنعت كتبي، فمجوعتي القصصية الأولى (حروف على الماء) صور لشاب يبحث عن أدق اللحظات ليصنع منها عالماً مدهشاً، وكتابي الذي يليه (أعطني صورة لتفهمني) غناء لمئات قصائد الحب العباسية التي أحفظها، والروح الجميلة التي أعيشها ذلك الوقت، أما روايتي (التائه) فهي حياة شاب بسيطة ظاهرياً ولكن عمقها من الفلسفة الوجودية التي ستجبر قارئه على أن يتساءل من أنا وماذا أريد من الحياة. وفي رواية «سيد الفوضى» أني أزعم بقايا من عصا سليمان وصنعت بها قلمي، فأنا عندما أكتب أطلق شياطيني يسبحون في كل وادي، ولكن منهم من يأتي بخبر يقين استخرجت الشياطين من الجحيم، ويصنعون لي قلماً كعصا سليمان، فكل تفصيل فيها له عمق فلسفي أو نفسي أو عملي أو تاريخي، كتبتها بأفخم معنى وأرق لفظ، بتصوير سينمائي أتقن تفاصيله كأني في عالم موازي. من قرأها لا يخرج بعدها بسلام. وحول الكتب التي فقدها عن طريق إعارتها مع الأصدقاء، والتي يحتفظ بأكثر من طبعة لها أوضح الكاتب الروائي عادل النعمي: كتبي كنوزي في هذه الدنيا، لذلك لا أقبل أن أُعير كتبي لأحد لأن عليها ملاحظاتي التي دونتها على كتبي، وإذا ألحّ عليّ أحدهم في اقتناء كتاب فأنا في العادة أشتريه وأقدمه له كهدية. أما الكتاب الوحيد الذي أحتفظ منه بنسختين في مكتبتي فهو (المركب الفارغ) لأوشو، لأني قد مزقته من كثرة المطالعة فيه، فأنا أربط ما قرأته سابقاً من كتب باربة دي انجليس ومريام بروس، ديفيد هاملتون، وديفيد هاوكنز. وبيّن «النعمي» كونه عادة قارئاً قنوعاً، يقرأ ما يتوفر من كتب في الموضوع الذي يبحث عنه، لكنه مؤخرًا عندما بدأ يقرأ في «النقد السينمائي» لم يجد الكتب متوفرة إلا على الشبكة العنكبوتية، في رده على: الصعوبات التي واجهته عند شرائه الكتب.