قال جيروم باول رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إنه قلق بخصوص مستقبل اقتصاد بلاده بعد عقدين من الزمن بسبب ارتفاع نسبة نمو الديون وبالتالي ارتفاع خدمتها بحيث إنه وصف الوضع بالمقلق أمام اللجنة المالية بالكونجرس الأمريكي وقال إن الأطفال في حينها سينفقون الدولارات من الضرائب لخدمة الدين ولن يكون بمقدورهم أن يقتنوا ما يحتاجونه وهو إشارة إلى أن الضرر سيصل للأطفال لكن هذا التحذير يفتح الباب على أسئلة عديدة واحتمالات سلبية كثيرة فالمدة الزمنية التي حددها ليست بالبعيدة وإذا تحققت مخاوفه فسيكون الأثر كارثيًا على الاقتصاد العالمي وليس الأمريكي فقط. فالدين العام الأمريكي يبلغ حاليًا 22 تريليون دولار ويفوق بقليل الناتج الإجمالي الذي يقارب 21 تريليون دولار، ومن الواضح أن نمو الديون يفوق نمو حجم الاقتصاد فقبل عشرة أعوام كان الدين العام يقارب عشرة تريليونات أي أنه تضاعف خلال هذه المدة بينما كان الناتج الإجمالي حوالي 14 تريليون دولار أي نما بأقل من نمو القروض بالإضافة إلى أن الدين العام لم يكن يشكل أكثر من 59 % من الناتج الإجمالي، أما اليوم فهو يفوق 100 % بقليل، أما ديون الأسر الأمريكية فتخطت حالياً 14 تريليوناً أي أن نموها أيضاً سيحد من قدرتها على دفع الصرائب وستحتاج لبرامج دعم إذا تنامت ديونها أيضاً لكي تتمكن من الحفاظ على تأثيرها الاستهلاكي بالاقتصاد الأمريكي وهو ما يعني مزيداً من الديون السيادية لتمويل البرامج الاجتماعية ولذلك فإن مخاوف جيروم باول مجرد تنبيه استباقي لبلاده وللعالم من أزمات مالية واقتصادية قادمة عند الاقتراب من المدة التي حددها إذا لم تقم الحكومات الأمريكية الحالية والقادمة بوضع حلول للحد من مخاطر سرعة نمو الدين العام. فالمخاطر ستكون كبيرة على العالم، حيث إن الدولار هو عملة الاحتياط العالمية وجل الاستثمارات والتعاملات التجارية تتم بالدولار، بل واحتياطيات دول عديدة من أقصى الشرق لأقصى الغرب فماذا سيكون مصيرها وكيف سيتحمل العالم انهيار الدولار أو عدم قدرة أمريكا على سداد ديونها وكيف ستعالج مشكلة تراكم الديون فتغيير التصنيف الائتماني لأمريكا قبل عدة سنوات وهو الأول من نوعه منذ عقود طويلة ليس إلا مؤشراً لهزة بسيطة بالثقة بالدولار وما الخوف من تراكم الديون وانفجار فقاعتها بعد عشرين عامًا أو قبلها بقليل في أمريكا إلا بداية التلميح لصعوبات ستواجه أمريكا في هذه الفترة الزمنية وما بعدها وإلا لما كان أحد أهم الشخصيات الاقتصادية بالعالم ومن أكبر المؤثّرين فيه رئيس الفيدرالي الأمريكي يطلق تحذيره إلا لوجود شكوك حتى بالقدرة على إيجاد حلول انسيابية أو طبيعية فالخوف يكمن من انهيار قيمة الدولار مستقبلاً والابتعاد عنه وخصوصاً أن العملات الرقمية بدأت النظرة إليها تتغير فعشرات البنوك الألمانية طلبت من الحكومة السماح لها بالتعامل بالعملة الرقمية وهناك شركات تعمل على إطلاق عملات مشفرة مثل ليبرا التي تخطط فيسبوك لإطلاقها واعتمادها رسميًا، مما يعني أننا أمام معادلة دولية بدأت تتشكل بالاقتصاد العالمي وتتطلب قراءة دقيقة للمستقبل وتحوطًا دوليًا كبيرًا لأي مفاجئة قد تأتي من أمريكا ودولارها المثقل بالديون. الأيام دول ولم يذكر التاريخ أن إمبراطورية بقيت هي القوة الأولى بالعالم على مر الأزمان، ففي كل قرن أو أكثر تظهر دول عظمى جديدة تقود العالم سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا وحتى ثقافيًا ودائمًا الإشكالية تكمن بالحفاظ على القمة وليس الوصول لها ويبدو أن أمريكا تواجه مشكلة البقاء على القمة خصوصاً مع تنامي دور الصين وقدوم كيانات كبرى عالمياً منافسة لأمريكا مما يعني أن العقدين القادمين سيحددان من سيكون على قمة الاقتصاد العالمي وما هي العملة الاحتياط دوليًا فهل تنجح أمريكا بالحفاظ على المركز الأول أم تزيحها دول وتكتلات جديدة مثل الصين أو الاتحاد الأوروبي؟