أَحب القصة القصيرة جداً فلونها بواقع الإنسانية، ونثر في أزقتها حروف خرجت من صلب معاناتهِ مع القبول، والرفض إلى أن سُعد بمولدهُ الأول بعد ثلاث عشرة سنة من الكتابة، ومن المصادفات أن يكون لهُ ثلاثٌ وثلاثون سنة في حقل الكتابة، ولم يصدر لهُ إلى الآن إلا ثلاث مجموعات قصصية، ولم يُدع لمشاركة إلا من قبل ثلاثة أندية أدبية ثقافية! * ماذا يشكل لك عالم السرد ولماذا وقع اختيارك على كتابة القصة؟ - السرد يشكل لي عالم خاص خصب وفسيح، ودنيا ثانية أعيشها بأدق تفاصيلها في خيالي، وحلم جميل لا أحب الاستيقاظ منه. وسأخبرك بسر لأول مرة أعلنه، ولكن المقربين مني يعرفونه ! لأني لازلت حتى الآن أمارسه كغواية تفرض نفسها عليّ، وهو بدايتي كانت - ولا زالت تلازمني هذه البداية بين فينة وأُخرى - شعرية، ولكن العروض جعلتني أتحاشاه وأجعله كمتنفس فقط، واخترت القصة ليس لسهولتها كما يعتقد البعض، وإنما لقراءاتي الأولية لكتب نقدها، ولكبار كتابها، ولأني إنسان أعشق التحدي حتى مع نفسي، ولأني من أُمة: (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، واصلت وبقيت على هذا الاختيار. * كيف كانت فرحتك بمولدك القصصي الأول زامر الحي؟ - فرحتي كانت لا توصف، ولا يمكن أختزلها في وصف قصير الآن لدرجة أني لم أنم على مدى أربع وعشرين ساعة فرحاً بها. * هل أدت المؤسسات الثقافية الممثلة بالأندية الأدبية دورها في خدمتك في بداياتك؟ - أقولها وبكل صراحة: لم تقم المؤسسات الثقافية الممثلة بالأندية الأدبية بخدمتي في بداياتي في شيء، بل إنها كادت تنهيني قبل أن أبدأ، ولولا فضل الله أولاً وأخيراً ثم الأستاذ عمر طاهر زيلع، والشاعر أحمد إبراهيم الحربي، والقاص العباس معافا، لكنت انتهيت بسببها، ولو تحبين أوضح ذلك بشكل كامل؟ فعندي أدلة دامغة على عدم خدمتهم لي، والتسبب في إنهائي! * شغلت قصصك في مجموعتيك بالهم الإنسان من قضايا ومشاكل فهل ذلك دور القاص في كتاباته القصصية؟ - هي مدارس أدبية متنوعة، وللقاص أن يختار منها ما يناسب مبدأه، والهموم، والقضايا، والمشاكل الإنسانية هي المعين التي ينهل منها القاص أفكاره فيما يقدم للمجتمع من فن قصصي، وتريدين ردي الصريح عن هذا السؤال؟ نعم، يجب أن يكون دور القاص أن يقدم في كتاباته القصصية الهموم، والقضايا، والمشاكل الإنسانية، وأن يقدم في قصصه أشياء لها معنى بالسلب أو الإيجاب في الحياة، والمجتمع للعبرة، والتوجيه، وإلاَّ ما فائدة ما يكتبه. فقد كان دور الكُتّاب بعد (الثورة البلشفية)، هو توجيه العمال التوجيه الرسمي من خلال ما يقدمونه لهم من كتابات قصة، مسرح، رواية، مقال ، ولماذا نذهب بعيداً، وكل قصص القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، هي للعبرة، والتوجيه، وهذا مبدأي، والدور الذي مقتنع به للقاص. * لماذا زامرُ الحيّ؟ وهل واجهت صعوبة في انتقاء عنوان المجموعة؟ - لهذا العنوان - (زامرُ الحيّ) - بلا مبالغة، مائة حكاية وحكاية !، وطالما هذا اللقاء لقاء (الحصريات) سأحاول أحكي فيه أهم هذه الحكايات: بالإضافة إلى ما رديت به على السؤال الثالث هنا، فالعنوان مأخوذ من المثل العربي الشهير: (زامرُ الحيّ لا يطرب)، ووجود نص قصصي في المجموعة يحمل نفس العنوان، كانت بدايتي الفعلية لكتابة القصة القصيرة، ونشر ما أكتبه في الصحف المحلية في عام 1408ه/ 1986م. وفي عام 1414ه / 1992م، كانت عندي مجموعة قصصية كاملة، وفزت بالمركز الثاني بنص قصصي واحد منها في مسابقة محلية، وفي عام 1416ه/ 1994م، أعلن نادي جازان الأدبي عن مسابقة ثقافية للشباب، ومن ضمنها فرع مجاميع القصة القصيرة، وخصصت لها جوائز نقدية للفائزين بالمراكز الثلاثة الأولى، وميّزت الفائزان بالمركز الأول، والثاني بطباعة عملهما المقدم للمسابقة، وللفائز بالمركز الثالث الجائزة النقدية فقط. فقمت وتقدمت بمجموعتي القصصية للمسابقة، وكنت حينها ألتقي في (مهرجان الجنادرية) بكُتّاب كبار للقصة القصيرة مثل عمر طاهر زيلع، وخليل الفزيع، ومحمد الشقحاء، وعبدالعزيز الهويدي، ومن الوطن العربي سعيد الكفراوي، والطيب صالح، وعبدالوهاب الأسواني، وغيرهم الكثير مِن مَن تتلمذنا أدبيّاً على أيديهم، وكنت أقوم بقراءة نصوص مجموعتي القصصية عليهم، وبعرض نسخ منها على بعضهم، وكنت أجد منهم الاستحسان، والقبول، والتوجيه عليها. ولكن في عام 1417ه/ 1995م، وبعد مرور عام وأكثر من اشتراكي في مسابقة نادي جازان الثقافية لفرع القصة القصيرة، صدمتني نتيجة المسابقة حين ظهرت أنه تم حجب جوائز المركز الأول والثاني للمسابقة التي فيها طباعة المجموعة القصصية الفائزة ومنحي المركز الثالث ! ورغم ذلك لم أيأس، وقمت وقدمت مجموعتي القصصية الفائزة بالمركز الثالث لنادي جازان الأدبي من أجل طباعتها في عام 1418ه/ 1996م، ولكنهم رفضوا طباعة المجموعة، وطلبوا مني في خطاب رفضهم الرسمي: أن أقوم بطباعة المجموعة على حسابي، وأن أزودهم بنسخ منها لشرائها!. لم أحبط من رفض نادي جازان الأدبي لطباعة مجموعتي القصصية الأولى، ولا من رفض بقية الأندية الأدبية التي توجهت لها بعده مثل نادي الرياض الأدبي الذي رفض بخطاب رسمي طباعة المجموعة مثلهم، ونادي حائل، وأبها، والجوف، لم يردوا على طلباتي المقدمة لهم بطباعتها، لم أيأس واستمريت أكتب، وأنشر قصصي في الصحف المحلية، وبمساعدة بعض الأوفياء، وعلى رأسهم أستاذي القدير عمر طاهر زيلع، بدأت أؤسس لنفسي اسما، ومكانة في كتابة القصة القصيرة لحد العام 1427ه/ 2005م، وبعد مرور عشر سنوات من توجيه خطاب رفضهم الرسمي لي، وتكوين اسمي الإبداعي بالصحف، دعاني نادي جازان الأدبي لإحياء أمسية قصصية مشتركة، وكانت أول أمسية قصصية رسمية لي بالحياة. وكنا في الأمسية ثلاثة قصاص، اثنان من جازان، والثالث من منطقة أخرى، ولمست في هذه الأمسية اهتمام أعضاء نادي جازان الأدبي، والقائمين على الأمسية الزائد بالضيف الثالث المشارك معنا فيها على حسابي وزميلي بكل تفاصيل الأمسية القصصية. ومن وحيّ هذه الأمسية، وما تعرضت له سابقاً من أحداث ورفض وتجاهل، ولدت فكرة نص: (زامرُ الحيّ)، والذي جعلت منه عنواناً لمجموعتي القصصية الأولى، وأرجو أن أكون بهذه الإجابة قد وضحت بما فيه الكفاية السبب الذي بسببه لماذا اخترت: (زامرُ الحيّ)، عنوان لها؟! ولم ينتهي الأمر عند هذا الحد ! فقد وجدت تأييداً على العنوان الذي اخترته للمجموعة القصصية من العديد من أبناء المنطقة منطقة جازان بأنه عنوان يمثلهم بما يجدونه من المؤسسة الثقافية الممثلة بالأندية الأدبية في تلك الفترة الزمنية. وبعد كل هذه المعاناة والأسباب المحبطة والمثابرة على تخطيها أعترف الآن وبكل صراحة أقولها: نعم واجهت صعوبة في اختيار أن يكون: (زامرُ الحيّ)، عنواناً للمجموعة القصصية الأولى، وبالذات في قبول المؤسسة الثقافية له، فبعد مرور ثلاث سنوات من تلك الأمسية القصصية المشتركة الأولى، واستمراري في الكتابة والنشر بالصحف والدوريات الأدبية المختلفة، والمشاركة في فعاليات نادي جازان الثقافية بالحضور فقط، وأحياناً بالعضوية الإدارية المؤقتة في لجانه الفرعية، وبعد نهاية فعالية ثقافية بالنادي سألني الشاعر الإنسان أحمد إبراهيم الحربي، وكان حينها يرأس مجلس إدارة نادي جازان الأدبي، في حوار جانبي بعد الأمسية: أليس معك مجموعة قصصية جاهزة للطباعة والنشر؟ فقلت له: معي بدل المجموعة القصصية الواحدة اثنتان. فقال لي: جهز واحدة منها تكون حديثة، وقدمها للنادي، ولك وعد مني - بإذن الله ومشيئته - أنها تطبع وتنشر. فقمت وشرحت له معاناتي مع الأندية الأدبية، والقناعة التي اتخذتها بسبب المعاناة المريرة لي معهم، وختمت حديثي الودي له بأني لو قدمت للنادي مجموعتي القصصية للطباعة وتم رفض طلبي المقدم مجدداً فإني لن أدخل النادي الأدبي أبدا مدى الحياة!. ولكنه أقنعني بوعده بالتقديم، فقمت وجهزت مجموعة من أحدث نصوص قصصية كتبتها، وقدمتها للنادي تحت عنوان: (رسالة إلى خوف أمي)، النص الحادي عشر من المجموعة القصصية: (زمرُ الحيّ)، وقام (الحربي) مع مجلس الإدارة بإرسالها، ومتابعتها إلى محكمين مختصين للحكم عليها، وبعد فترة جاء ردهم عليها بموافقة المحكم الأول، وكان أكاديمي مقيم، وبرفض المحكم الآخر لطباعتها، وهو أكاديمي من أبناء جازان، وهنا تقرر إرسال المجموعة لمحكم ثالث ليكون رأيه الفيصل بطباعة المجموعة، أو رفضها. كان المحكم الثالث الأخير أحد أبناء جازان، وقاصا مبدعا، وبعد قراءته للمجموعة القصصية، وتوصيات الحكمين المقدمة عليها، طلب مقابلتي، وكان للشاعر حسن الصلهبي، عضو مجلس الإدارة السابق، ورئيس مجلس إدارة نادي جازان الأدبي حالياً، دور بارز في لقائي بالمحكم الأخير. وبعد عدة لقاءات، وجلسات بالمحكم حول المجموعة، عرف من خلالها المحكم - وهذا من حقه - أني أكتب القصة القصيرة عن وعي ومعرفة بفنها الأدبي، قام - المحكم - وأرشدني لعدة أمور لتعديلها في بعض نصوص المجموعة، ومنها طول عنوانها: (رسالة إلى خوف أمي)، الذي قدمتها به، وجعل من الملاحظات التي وجهني لها شرطاً في تقريره للموافقة على طباعتها، فقمت أسترجع مع نفسي كل هذه الأحداث، وكل ما حصل معي من معاناة في طريق طباعتها ونشرها، ووجدت نص: (زامرُ الحيّ)، أول نصوص المجموعة وفكرته محتواه هو الأنسب والأصدق لكل ما عانيته، فقمت واخترته ليكون عنواناً للمجموعة، ولي، ولجميع (زُمار) الحيّ مثلي بالحياة. * من 2009م إلى 2015م أليس ذلك فارق كبير بين إصدار مجموعتك الأولى ومجموعتك الثانية؟ - بالفعل هو فارق كبير، وكبير جداً، وله عدة أسباب من أهمها قضية فصلي التعسفي من العمل في عام 2005م، والذي صرت بسببه وحتى الآن عاطلاً عن العمل، وعاجزاً عن طبع ونشر مجموعاتي القصصية على حسابي الشخصي الخاص، وبسبب عدم دعم المؤسسات الثقافية الممثلة بالأندية الأدبية المساعد على طبع وإصدار النتاج الأدبي لمن هم في مثل ظروفي، وبالتالي ستة أعوام هي فارق كبير ومدة طويلة بين إصدار المجموعة الأولى والثانية لكل مراقب منصف لا يعلم بما مررت به من ظروف، وبالنسبة لي هي أهوّن لحلم وتحقق بعد صبر ومعاناة دامت ل13 سنة قبل إصدار المجموعة الأولى. * ما هي المعوقات والصعوبات التي واجهتك إلى أن تم لك صدور مجموعتك القصصية الثانية أصداء الأزقة؟ - كل ما ذكرته في السابق هي معاناة، ومعوقات، وصعوبات واجهتها إلى أن تم صدور مجموعتي القصصية الأولى: (أصداء الأزقة)، وبالفعل هي المجموعة القصصية الأولى، والتي صمدت معي في وجه حجب الفوز بالمركز الأول والثاني في مسابقة نادي جازان الأدبي الثقافية لفرع القصة القصيرة عام 1995م، وفي وجه رفض بعض الأندية الأدبية، وفي وجه تجاهل بعض الأندية لطلب طباعتها، وهي من فازت بعض نصوصها بجوائز المسابقات، وبالنشر في أغلب الصحف والدوريات الأدبية، وليست مجموعة: (زامرُ الحيّ)، التي جعلتها كل الظروف هي الأولى. وهنا أجدها الآن فرصة عظيمة مناسبة لتقديم جزيل الشكر، والامتنان، لنادي مكة الأدبي وجميع القائمين عليه بصفة عامة، وللجنة المطبوعات بالنادي على وجه الخصوص، وعلى رأسهم د. حامد الربيعي، رئيس مجلس إدارة النادي، و د. أمل الثقامي (الثقامية المبدعة)، والذين تعاملوا مع المجموعة القصصية (أصداء الأزقة)، على أنها عمل إبداعي فقط وليست عملا جاءهم عن طريق وسيط، ولم يكلفوني غير رسالة (إيميل) أرسلتها لهم عليه يوم أعلنوا على صفحتهم ب(الفيس بوك) عن رغبتهم لطباعة لكل من لديه عمل أدبي جاهز للطباعة، واختاروها وطبعوها وأصدروها مع مجموعة مطبوعات من بين أكثر من مائة كتاب تم تقديمها لهم، وبدون سابق معرفة شخصية لي بأحد منهم، ولم يكتفوا بذلك بل كانوا متابعين معي خطوة بخطوة حتى تمت مراحل طباعتها، وقدموني وإياها في حفل توقيع بهيج وراقي جداً مع مجموعة من الكتاب والمبدعين في مقر النادي وبعد إصدارها بعام في يوم القصة العالمي استضافوني مع زميلة لإحياء أمسية قصصية رائعة على مسرح ناديهم وأعجز بصدق عن شكرهم عن كل جمال غرسوه في داخلي فلهم مني، ومن كل منصف، كل الشكر والتقدير والاحترام. * تلون كتابتك ما بين القصة القصيرة والقصيرة جداً أين تجد نفسك بين ذلك العالمين الخارج من رحم عالم واحد؟ - أجد نفسي في كليهما - ولله الحمد - ولكني أجد نفسي أكثر في القصة القصيرة، وهذا الأمر عائد لوعيي بالقصة القصيرة، ومعرفة القاص في داخلي للشيء الذي يتناوله بالكتابة. * لمن يكتب زين؟ ولمن يقرأ؟ ومن يخاطب بفكره وأدبه؟ - أكتب للجميع بداية من الإنسان العامي البسيط مروراً بالمثقف ولحد الأكاديمي المتخصص بالسرديات، وأقرأُ كل ما يقع بين يدي للقراءة، وأخص بالقراءة أكثر المجاميع القصصية والروايات وكل ما له علاقة من دراسات وقراءات ونقد قديماً وحديثا للسرد، ونفس الشيء للشعر. وأخاطب كل من له رغبة للتفكر فيما أقدمه له من كتابات، وهنا يحضرني هذا الموقف الذي لمست منه أمرا هاما بالنسبة لي فيما أكتبه: فقد طلب مني أحد الأصدقاء نسخة من مجموعة (زامرُ الحي)، فذهبت بها له، وسلمته النسخة بحضور إنسان عامي يجيد القراءة يجلس معه، وانصرفت، وفي اليوم التالي جاءني صديقي يطلب نسخة أخرى من المجموعة، وحين سألته عن السبب؟ قال لي: إن الإنسان العامي الذي كان يجلس معه أخذ المجموعة، وقام يقرأُ فيها، ويوجه له الأسئلة عن محتوى قصصها؟ وفي الأخير أصر على أخذ نسخة المجموعة التي أهديتها له معه للبيت ويطلب من صديقي يطلب مني نسخة أُخرى له بديل عنها. والشيء الهام الجميل الذي لمسته من هذا الموقف هو: أن مجموعة قصص (زامرُ الحيّ)، التي أجبرت هذا الإنسان العامي على قراءتها والاحتفاظ بها لنفسه، ودعت القاص القدير أحمد إبراهيم يوسف، على قراءة تحليل إيحاءاتها، وجعلت من الروائي والمثقف العربي القدير الغربي عمران، يكتب عنها قراءة إعجاب بها، كل هذا هو أكبر تكريم مباشر ممكن يحصل عليه القاص في الحياة، وفي نفس الوقت هو مؤشر جميل وشعور لا يوصف للقاص بأنه كتب شيئا يستحق القراءة ووجد القبول المؤثر من جميع الأذواق. وهذا خبر حصري خاص بالمجموعة القصصية: (زامرُ الحيّ)، لقد نفذت طبعتها الأولى وطبعتها الثانية وجالس أفكر بشكل جدي بعمل طبعة ثالثة لها وكذلك طبعة رابعة منها مترجمة للغة الإسبانية بعد ما تواصلت معي دار نشر وترجمة وتوزيع إسبانية من أجلها متى ما تسمح لي الظروف لي بذلك. * في رأيك الكتابة بتفاصيلها تحمل جنون كاتبها؟ - نعم الكتابة بتفاصيلها تحمل بعض جنون كاتبها، وأجزاء كثيرة من روحه ووجعه وما هو مقتنع به. * مجموعة أصداء الأزقة جمعت كل الأزمنة في حياة القاص أحمد إسماعيل زين من سن الطفولة إلى لحظة صدورها فكأنها ذكريات منثورة بين القصص؟ - أنتِ الوحيدة يا (مسعدة) بهذا السؤال التي قرأتِ هذا النص - وكذلك بقية نصوص المجموعة - كما أردت له أن يصل للقارئ، فنص (أصداء الأزقة)، كتبته في عام 1994، ونثرتُ به ذكريات جميلة وعميقة جداً بين القصص، والأهم هو أني استشرفت فيه في ذاك الزمان أزمة جيل كامل يعيشها في الوقت الحالي، جيل لا يعلم أن له جذورا تغوص في عمق المكان، والإنسان بالوقت الحالي، جيل بأكمله يراد له أن ينتزع من جذوره للأسف. * ما هي نظرتك لواقع القصة القصيرة والقصيرة جدا؟ - تعيش القصة القصيرة، والقصيرة جداً، فترة انتعاش، ومنافسة شرسة مع الرواية، وصمود كالجبل في وجه كل منافسة لها. * ماذا استفدت من ملتقى القصة القصيرة، والقصة القصيرة جداً الأول بنادي الباحة الأدبي؟ وما هي الأهداف التي تحققت للقصة بعد الملتقى؟ - ملتقى القصة الأول بنادي الباحة الأدبي، والقائمين عليه، أعادوا للقصة القصيرة مكانتها التي لم تفقدها أبدا وتثبتوا مكانة خاصة للقصة القصيرة جداً، وزادوا به القصة القصيرة والقصة القصيرة جداً توهجاً ولمعانا، ولأمثالهم وأمثال القائمين على الأعمال في نادي مكة ترفع القبعات احتراما، وتوجه وتعلم البقية بالمؤسسة الثقافية المتمثلة بالأندية الأدبية للدور الأساسي المطلوب منها والذي من أجله تم تأسيسها وإنشائها بالمنظومة الثقافية الرسمية. * هناك من ينتقل من محراب الكتابة القصصية إلى فضاء الرواية أو العكس فماذا عن أحمد إسماعيل زين بعد إصداره لثلاث مجاميع قصصية؟ - بصراحة تم توجيهي من قبل نقاد، ومختصين، بالتوجه للرواية ورغبوني أكثر بقولهم الدائم لي بأني أمتلك المقومات اللازمة لكتابة الرواية لدرجة أنني بدأت أفكر بشكل جديّ في خوض تجربة كتابتها، ولكن ظروف البطالة الجبرية التي أعيشها، وتعكر المزاج الدائم بالركض اللاهث خلف لقمة العيش، ووفائي أولاً وأخيراً - للقصة القصيرة الفن الذي أجيده وأصدرت من خلاله ثلاث مجاميع قصصية لكل مجموعة منها مضمون وفكرة ورسالة جديدة ومختلفة عن الأُخرى لاتزال تقف حائلاً بيني وبين كتابة الرواية، وهناك مقياس في داخلي أتعامل به مع كل ما أكتبه وهو إذا لم يعجبني ما كتبته فإنه لا يستحق النشر. * في رأيك تختلف الكتابة القصصية بين الرجل والمرأة أم أن هناك قواسم مشتركة في الكتابة؟ - في رأيّ الشخصي الإبداع لا يفرق بين الرجل والمرأة في الكتابة الأدبية، ومن خلال تجربتي الطويلة الممتدة على مدى 33 عاماً من الكتابة وجدت أن هناك نماذج من الجنسين تفوقت على بعضها في الكتابة الإبداعية وفي أدق تفاصيل خصوصية الآخر، ولكن وجدت أن الكتابة الأنثوية تمتاز بالعاطفة وهموم الأنثى أكثر من الرجل، ووجدت أن هناك كتابات ذكورية تفوقت على الأنثى في كتابة عواطفها ونقل همومها. * ما تقيمك للأمسيات القصصية التي تقدم من قبل الأندية الأدبية وهل قدمت الجديد لخدمة الإبداع والمبدعين وماذا قدمت لك؟ - كنت وزملائي القصاص/ أحمد حديب، وعثمان حملي يرحمهما الله ، وأحمد القاضي، برئاسة الأستاذ القاص القدير عمر طاهر، حين كنا أعضاء في منتدى السرد بنادي جازان الأدبي، نحاول الابتكار في كل أمسية قصصية نقيمها في النادي بدعوة الأسماء اللامعة من الجنسين في كتابة القصة القصيرة، ونطعمها بالأسماء الواعدة في كل أمسية قصصية، ومن جميع مناطق المملكة، ونقيم الأمسيات تارة بمصاحبة الموسيقى الهادئة، وأُخرى بتوزيع صور النصوص القصصية المقروءة بالأمسية من كتابها على الجمهور الحضور للتفاعل معها، وكان ذلك خلال عامي 2005م، و2006م، وكنا نلمس التقدير لمجهوداتنا المقدمة مباشرة من خلال المشاركين بالأمسيات، ومن خلال الحضور الكثيف للأمسيات القصصية التي كنا نقيمها، وكان أغلب المشاركين في الأمسيات يخبرونا بكل صراحة بعد كل أمسية عن تميزنا فيما نقدمه من ابتكارات وتجديد عن بقية الأندية التي قاموا بإحياء أمسيات قصصية فيها. هذا كان في السابق - قبل أكثر من 14 سنة تقريباً - ومن واقع تجربة شخصية في منتدى السرد بنادي جازان الأدبي، والمعذرة لا أستطيع تقييم الأمسيات القصصية في بقية الأندية الأدبية الأُخرى من خلال تصريحاتهم الخاصة - والتي ربما تكون من باب المجاملة لنا - والسبب هو لأني لحد الآن، وبرغم مضي 33 عاما على تجربتي في كتاب القصة القصيرة، وإصداري لثلاث مجاميع قصصية، لم يقم غير ثلاثة أندية أدبية بتوجيه دعوة لي لإحياء أمسية قصصية بها هم نادي جازان الأدبي عام 2006 م وعام 2014م، ونادي مكة عام 2016م، وفي ملتقى القصة الأول بنادي الباحة الأدبي عام 2017م، وبالتالي يصعب عليّ الحكم على أمسيات الأندية الأُخرى القصصية، ولكن هناك حراكا ملموسا بالوقت الحالي ل(رواق السرد) في نادي جدة الأدبي، وبعض الفرق التابعة لجمعية الثقافة والفنون التي أسمع عنها ولم أشارك بها لأحكم عليها. أما ماذا قدمت لي؟ فقد قدمت لي فرصة اللقاء مع الزملاء كتاب القصة القصيرة والاطلاع والتعرف على جديدهم وتجاربهم الثرية، بينما وجهت لي دعوات لمهرجانات عربية عديدة للمشاركة بها في المغرب وشاركت بها عام 2013م، وتعرفت من خلالها على تجارب عربية جميلة، وكذلك دعيت إلى مهرجانات للقصة في الأردن ومنعتني ظروفي من المشاركة بها، ووجهت إليّ دعوات رسمية إلى مهرجانات للقصة القصيرة في العراق وسوريا واليمن ولكن ظروف الحرب القائمة بها حرمتني من تلبية الدعوات والمشاركة بها. * ما رأيك في الإعلام الثقافي وهل قدم ما يخدم الأدب والأدباء وعرض منتجاتهم الأدبية بالطرق المأمولة؟ - الإعلام الثقافي مقصر، ومقصر كثيراً، في حق الأدب والأدباء، ومقصر في عرض منتجاتهم الأدبية، والشواهد على ذلك عديدة، ولكني سأكتفي بذكر بعضها، اختفاء بعض الملاحق الثقافية، وتقليص الصفحات الثقافية بالصحف المحلية هو تقصير من الإعلام في حق الأدباء، وكذلك الأماكن المخصصة لمنتجات الأندية الأدبية في معرض الكتاب الدولي بالرياض هو تقصير، وتجاهل الأمسيات والملتقيات الثقافية هو تقصير التقصير للإعلام الثقافي في حق الأدب والأدباء والمنتجات الأدبية. * بما أن الرواية هي سيدة المشهد الثقافي كيف ترى اهتمام دور النشر بنشر القصة؟ - أرى اهتماماً كبيراً لدور النشر العربية الشهيرة بنشر القصة القصيرة بشكل موازيّ للرواية، وهذه الرؤية خرجت بها من خلال زيارتين متفاوتتين لمعرض الكتاب الدولي في الرياض، الأولى في عام 2010م، كضيف على وزارة الثقافة والإعلام، والأخرى في عام 2015م، كمندوب مبيعات لنادي جازان الأدبي، وكنت خلالها أمر على دور النشر، وألمس اهتمامها بالقصة القصيرة وأجد بعض دور النشر تخصص مجموعة قصصية لكل ثلاث روايات تطبعها. أما معرض جدة الدولي للكتاب فحتى الآن لم أحصل على شرف حضوره. * ما رأيك في القراءة التي كتبت عن مجموعتك القصة زامر الحي؟ - بكل صراحة أعتز بها كثيراً، وأعتبرها وسام فخر وتكريم على صدري، ول(زامرُ الحيّ) المجموعة القصصية، وكاتبها لصدقها، ولكونها دون مصالح ترتجى لمن قام بها، فالقراءة الأولى كتبها القاص القدير أحمد إبراهيم يوسف، وهو بمثابة الأستاذ الذي تعلمت منه فن كتابة القصة القصيرة، والأُخرى لكاتب عربي قدير هو الغربي عمران، الذي ألتقيت به وأهديته المجموعة في مهرجان المغرب للقصة القصيرة ولم يجدبه لها غير الإعجاب بها، وأجدها فرصة مناسبة لتقديم الشكر والتقدير والامتنان لهما عليها. * كيف ترى مشاركة المبدع والمثقف السعودي خارجياً؟ حدثنا عن مشاركاتك في ذلك؟ - مشاركتي الخارجية كانت في المهرجان العربي الثالث للقصة القصيرة جداً في مدينة الناظور بالمملكة المغربية عام 2013م، وكانت المشاركة فرصة للقاء بأدباء ومثقفين من العالم العربي، وأدباء ومثقفين كبار لهم مكانة على الخريطة الأدبية العربية والعالمية، وفرصة من خلال المشاركة، واللقاءات الجانبية لتعريفهم بما نبدعه وننتجه من أدب، ومعرفة آخر ما أنتجوه منه، ولو لم تكن إلاَّ هذه الفائدة الوحيدة من المشاركة الخارجية للمبدع والمثقف السعودي لكانت كافية. وقد أذهلني أنهم في كل دورة من دورات المهرجان يكرمون رائداً من رواد مدينتهم، وأن من يقوم بالمهرجان هو شخص واحد - د. جميل حمداوي - ويشاركه فيها مجموعة أدباء ومثقفين من أبناء مدينة الناظور، والمجلس البلدي خدمة منهم لمدينتهم حتى جعلوا منها قبلة للقصة القصيرة جداً، وهذا هو دور المثقف الحقيقي تجاه منطقته ومجتمعه والنواة المؤدية لخدمة وطنه. ورجعت من المشاركة بعلاقة صداقة أدبية وطيدة مع كل من التقيتهم في المهرجان، وبسؤال عريض وحائر في داخلي وهو: لماذا لا يكون لدينا ونحن أصحاب الإمكانيات الأفضل منهم مهرجاناً للقصة مثلهم؟ ولماذا لا تقوم المؤسسات المالية الكبيرة كالبنوك بدورها الفعال بتأسيس ودعم وتمويل مهرجانات للقصة القصيرة وفي جميع مناطق المملكة مثلهم؟ وختاماً: كنت أتمنى أيّ سؤال عابر عن مجموعتي القصصية الثالثة: (من حكايا الجدة)، الصادرة عام 2018م، والتي سخرت فيها القصة الشعبية المحكية وكذلك الأسطورة الشعبية في أسلوب القصة القصيرة لحفظ ما تيسر منها من الضياع الذاكرة ولفتح المجال لكل راغب في تناول هذا الشيء المنسي. وقد تناولتها الكاتبة هدى توفيق بالقراءة التحليلية الجميلة.