مقتل الإرهابي الإيراني قاسم سليماني خلط أوراق المواجهة بين دولة الملالي الكهنوتية والولايات المتحدةالأمريكية، بشكل لم يتوقعه الإيرانيون، وأكاد أجزم أنهم لم يحسبوا له حسابًا؛ فيبدو أنهم كانوا شبه متأكدين أن الرئيس الأمريكي ترامب لن يتخذ منحى تصعيديًّا ضدهم، وأن ظروف الانتخابات الأمريكية ستكون بمنزلة العقبة الكأداء التي ستحمي عربداتهم وعملياتهم الإرهابية في المنطقة، خاصة في العراق حيث يعيثون به فسادًا منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، إلا أنهم اكتشفوا فجأة أن حساباتهم كانت خاطئة، وأن الصبر الأمريكي على تمرداتهم وتنمرهم قد سقط إلى غير رجعة؛ فجاءت عملية استهداف أهم قياداتهم الإرهابية قاسم سليماني ثمنًا باهظًا لهذه الحسابات الخاطئة، وغير المتوقع تبعاتها بشكل جيد. مقتل سليماني هو بالنسبة للإيرانيين حادثة مدوية، فاجأتهم على حين غرة، كما أنها فاجأت العالم أجمع، ولاسيما أن هذا الرجل بمنزلة العقل المدبر لجميع خطط إيران التوسعية، إضافة إلى أنه محل ثقة الولي الفقيه؛ فهو بالنسبة له أهم من كان ينفذ مؤامراته الإمبريالية، وقد شكّل (عصابات) مافوية في كل الدول التي تسيطر إيران على عواصمها، وهو - في تقديري - الرجل الثاني بعد خامنئي في هيكل السلطة في طهران، بل هو عمليًّا أقوى من رئيس الجمهورية نفسه، ولا يكترث به؛ لذلك فمقتله يشكل هزيمة حقيقية للخامنئي، لن يستطيع تعويضها بسهولة. ولا أعتقد أن قدرة الإيرانيين على الرد متاحة رغم تهديداتهم وجعجعاتهم، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المشكلة بالنسبة للإيرانيين ليس الرد في حد ذاته، وإنما في ما بعد الرد من قِبل الأمريكيين؛ لأن إيران دولة أنهكتها العقوبات الاقتصادية من الداخل، وليس في مقدورها تحمّل المزيد؛ فأوضاعها الاقتصادية الآن في أسوأ حالاتها منذ أن أنشأ الخميني جمهوريته، وأي تصرف غير محسوب كالاعتداء على السفارة الأمريكية في بغداد مؤخرًا سيكلفهم على المستوى السياسي فضلاً عن الاقتصادي تكاليف قد تتطور وتتفاقم لتنقلهم إلى أثر بعد عين، خاصة أن الأمريكيين -على ما يبدو- قد حسبوا حساباتهم جيدًا، وهم على أتم الاستعداد للذهاب بعيدًا في مواجهة الملالي فيما لو تجرؤوا وتجاوزوا الخطوط الحمراء، ولا أعتقد أن هذه الحقيقة لا يدركها الإيرانيون؛ لذلك فهم سيكتفون على الأرجح بالجعجعة والتهديد والإرجاف، ليس إلا، رغم أني أتمنى من كل قلبي أن يقوموا بأي رد على الأمريكيين؛ لأن ذلك سيكون حتمًا بداية النهاية لنظام متهور كهنوتي مغامر ومجنون، ولا علاقة له بهذا العصر. موقف الولي الفقيه الآن هو بكل ما تحمله الكلمة من معنى (مُزرٍ)؛ فقد أوقع نفسه بعد محاولته اقتحام السفارة الأمريكية في بغداد بين المطرقة والسندان فعلاً لا قولاً، كما انكشفت القوة الحقيقية لجمهورية الملالي كما لم تنكشف من قبل، واتضح لمناصريها قبل مناوئيها أن هذا الكيان المتخلف القادم من تلافيف الماضي السحيق ما هو إلا قطعة من أثر، لعبت فيها عوامل التعرية دونما حياة، وأن جبروته وقوته المزعومة ما هي إلا كذبة صدقها الإيرانيون قبل أن يصدقها غيرهم. وليس لدي أدنى شك أن نهاية الغول الإيراني قد أزفت بالفعل، كما أن قدرته على الصمود والمقاومة بعد هذه الحادثة التي مرغت أنفه في الوحل شبه معدومة، إلا إذا تخلى عن أحلامه الجنونية لإعادة إمبراطورية كسرى أنو شروان إلى الحياة من جديد. إلى اللقاء