1 - انعزال الفلاسفة والمفكرين في أبراجهم العاجية جعل العلوم الاجتماعية متأخرة كثيراً عن العلوم الطبيعية.. وذلك أن مهمة العلوم الاجتماعية أن تنزل إلى الواقع المتغير وتكتشف قوانينه.. بينما الفلاسفة رأوا في ذلك نزولاً وضِعَةً لا تليق برجل الفكر.. فلا يجب أن يتسفل المفكر ويشغل نفسه بما يفعل الناس أو يفكرون به من أمور طارئة تتغير وتتبدل باستمرار! 2 - كثير من فلاسفة اليوم يرون أن أرسطو لم يفعل خيراً للبشرية بهزيمته ودحره لفكر السفسطة.. وعزل الفلسفة عن الواقع حتى أصبحت نخبوية يهتم بها الملوك والسلاطين والتجار.. وأصبحت حقاً محصوراً على أفراد محدودين استفادوا منها منحاً وعطايا دون اهتمام بهموم وشجون الناس الحقيقية. 3 - يرى ابن خلدون أن الفرد من العامة أكثر حظاً في النجاح من المفكر والفيلسوف.. وذلك أن العامي يكيف نفسه مع الواقع كما هو دون اللجوء إلى قياسات منطقية أو نظامية.. ونظرة ابن خلدون تلك يثبتها التاريخ.. فكل المفكرين والفلاسفة القدماء كانوا فاشلين في حياتهم.. لا يختلف عنهم كثيراً المعاصرون من المفكرين.. مما يثبت أن هناك فرقاً كبيراً بين منطق الفكر ومنطق الواقع.. فقد صعد فكر المفكر إلى برج عاجي بينما بقي جسده يعيش على أرض الواقع.. فأصبحوا مزدوجي الشخصية.. ففشلت حياتهم. 4 - من مشاكل المفكر المنطقي أنه يبني افتراضات منطقية استناداً على ملاحظات سابقة.. بينما العامي يبني افتراضاته المنطقية على ملاحظاته الفورية الحاضرة.. كما يرى فلاسفة اليوم أن المنطق وفق الفلسفة «الأرسطوية» هو منطق المعرفة النامية.. وهو منطق يصلح للهجوم والدفاع لكنه لا يصلح للاستكشاف. 5 - حتى يستطيع المناطقة العيش أصبحوا أصحاب شخصيتين.. يتقمصون إحداهما عندما يفكرون.. ويتقمصون الأخرى حينما يعملون.. وغفلوا عن التناقض والمفارقات التي تَصْدُر عنهم.. فقد اعتادوا على ذلك منذ طفولتهم وأصبحوا ذوي شخصية مزدوجة من حيث لا يعلمون.. وأصبحت تجد رجال الدين والمال يسرقون ويتصدقون ويفسقون ويتعبدون.. كل ذلك يقترفونه دون أن يشعروا بفارق كبير.