أتذكر حين كنت أسكن العليا في مطلع الألفية كان جاري كوريًّا جنوبيًّا، يعمل في مجال الاتصالات، لا تفارق محياه الابتسامة، كان ودودًا، وحين يفوز المنتخب السعودي في بطولة أو حتى مباراة يرسل لنا هدية صغيرة معبِّرة، حتى لو كانت نتيجة المباراة خسارة منتخب بلاده، وخروجها من نهائيات أمم آسيا. وهذا هو محور الرياضة، من حيث التشجيع والمؤازرة، الابتسامة عند الخسارة، والتواضع عند الفوز. أما ما يحدث لدينا من تعصب وكراهية وحزن وبكاء وفرح هستيري، انتقل من المدرجات إلى منازل العائلات، والبرامج الرياضية التلفزيونية، فهو أمر يجب ضبطه، والتحكم في توجهات هذه البرنامج التي تدار من الأندية الرياضية، إن لم تكن من رابطة الجماهير المتعصبة! كثير من الأُسر والعائلات هجروا بعضهم بعضًا لأسباب التعصب الرياضي، وازداد الأمر سوءًا مؤخرًا مع وسائل التواصل الاجتماعي التي تستحق بجدارة مسمى «التنافر الاجتماعي»؛ فعقب كل مباراة تبدأ مقاطع الفيديو والسخرية والشتائم تنهال على أجهزة جوالاتنا المسكينة، حتى تكاد تنفجر من غوغاء البشر وانفعالهم المجنون. لن نحاسب الجماهير؛ فهي في النهاية جماهير؛ فيها الغوغائية والفوضى، لكننا نحاسب الشخصيات العامة، من اللاعب على المستطيل الأخضر، الذي يجب ألا يستفز الجمهور الرياضي بتصرفاته، حتى مقدم البرنامج وضيوفه المحللين الذين يتحدثون إلى الملايين، ولا ينتهي حديثهم عند حدود البرنامج، بل تتناقل وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع سخريتهم الممجوجة، وكلماتهم العبثية، التي لا يحكمها وعي ولا ثقافة، ولا شعور حقيقي بالمسؤولية، لدرجة أن المشاهد في داخله يتمنى أن ينتهي كل شيء عند «صافرة الحكم»، أو أن يكون التحليل راقيًا ومهذبًا، أسوة بتهذيب الرياضة للنفس، لا تشذيب و(تهبيب) كما يقول إخوتنا المصريون!