أصدرت منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) تقريرها السنوي عن التوقعات المنتظرة في مجال اقتصاد البترول على المستوى العالمي ورؤيتها المستقبلية لهذا الاقتصاد حتى سنة 2040م: (2019 World Oil Outlook 2040 Executive Summary)، وقدمت هذا التقرير للرأي العام في إطار ندوة عامة عقدت في مقر المنظمة في فيينا خلال شهر نوفمبر 2019م. وقد راعت الرؤية المستقبلية التي أعدها خبراء المنظمة كافة المتغيرات المتوقعة والمتعلقة بإنتاج النفط الخام، وحاجة الأسواق العالمية لهذه المادة الإستراتيجية على ضوء الزيادة السكانية المتوقعة، آخذة بعين الاعتبار آليات المحافظة على البيئة والمسعى الدائم لتقليل حجم الانبعاثات الغازية المضرة بالبيئة والحاجة للحدّ من الانحباس الحراري، ومدى اللجوء إلى مصادر الطاقة المنافسة كالغاز المسيل، والبديلة كالطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وغيرها.. وخلص التقرير إلى أن أهمية النفط بالنسبة للاقتصاد العالمي لن تتراجع عن مستواها الحالي، بل ربما سيزيد الطلب على النفط تبعا للمتغيرات السكانية والاقتصادية التي سيشهدها العالم خلال العقدين القادمين.. وفيما يلي موجز مختصر لهذا التقرير الهام: الزيادة السكانية العالمية الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ستزيد عدد سكان العالم إلى أكثر من 4 مليارات نسمة بحلول عام 2040.. من المتوقع أن يرتفع عدد سكان العالم بنحو 1.6 مليار، من حوالي 7.6 مليار في عام 2018 إلى 9.2 مليار في عام 2040؛ ومن المتوقع أن يأتي معظم هذا النمو السكاني من البلدان النامية، وخاصة من الشرق الأوسط وأفريقيا. كما من المتوقع أن يرتفع عدد سكان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بمقدار 78 مليون نسمة، معظمهم من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في القارتين الأمريكيتين. كما من المنتظر أن يتباطأ النمو السكاني الكلي خلال فترة التنبؤ هذه، بينما يتوقع أن ينمو عدد السكان في سن العمل في العالم (الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاماً) بما يقل قليلاً عن 900 مليون شخص على المدى الطويل.. ومن المتوقع أن تظل حصة هذه الشريحة من سكان العالم ثابتة نسبياً، حيث ستنخفض قليلاً من 56 % في عام 2018 إلى 64 % في عام 2040. (جدول 1) النمو المتوقع للناتج المحلي العالمي من المتوقع أن يبلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بين عامي (2018 و2040م) 3.3 % في السنة تقريباً، مدفوعا بشكل أساسي بالبلدان النامية.. سيكون نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي مدفوعاً بشكل أساسي بالبلدان النامية، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى تحسين إنتاجية العمل من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للبلدان غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي بنسبة 4.5 % سنوياً على المدى المتوسط، في حين أن متوسط النمو الاقتصادي المتوقع في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يبلغ 1.8 % سنوياً. وعلى المدى الطويل سيصبح هذا المعدل 4.2 % في الدول النامية و1.7 % في الدول الصناعية. ومن المتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي العالمي بين عامي 2018 و2040 بمعدل 3.3 % في المتوسط، مع تباطؤ وتيرة نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة المتوقعة، نظراً لانخفاض النمو الاقتصادي المتوقع على المدى القريب والمتوسط، وكذلك الاتجاه طويل الأجل للاقتصاديات الناشئة مثل الصينوالهند التي ستصل إلى مرحلة النضج في السنوات الأخيرة من الفترة المتوقعة. (جدول 2) استمرار ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي في البلدان الآسيوية سوف يحول مركز الجاذبية الاقتصادية إلى الشرق.. استناداً إلى معدل القوة الشرائية لعام 2011 م، من المتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 117.4 تريليون دولار في عام 2018 إلى أكثر من 237 تريليون دولار في عام 2040 . وسوف تستحوذ دولتا الصينوالهند معا على 40 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2040، في حين أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ستمثل 32 % فقط، وهو انعكاس عظيم على نمط التوزيع الحالي. وعلى الرغم من حصول تحولات إقليمية كبيرة في الاقتصاد العالمي، فإن متوسط دخل الفرد ليس من المنتظر أن يشهد تغييرات كبيرة. إذ من المتوقع أن تظل بلدان الأمريكيتين في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، المنطقة التي لديها أعلى ناتج محلي إجمالي خلال فترة التنبؤ بأكملها، تليها بلدان آسيا وأوقيانوسيا وبلدان أوروبا الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. من المحتمل أن يكون لدى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا أدنى ناتج محلي إجمالي للفرد الواحد، ومن المتوقع أن تكون المنطقة الوحيدة حيث سيبقى متوسط الدخل أقل من 10.000 دولار للفرد في عام 2040. (جدول 3) موضوع انبعاث الغازات المضرة بالبيئة ستستمر سياسات الطاقة في التركيز على تخفيض الانبعاثات الضارة على الرغم من صدور بعض الإشارات المتباينة من صناع السياسة.. يأخذ التقرير سياسات الطاقة المعمول بها حالياً بعين الاعتبار، مع الاعتراف بطبيعتها الانتقالية والتطور المحتمل مع مرور الوقت. تركز سياسات الطاقة التي تم سنها مؤخراً بشكل أساسي على التدابير الرامية إلى خفض الانبعاثات. وسوف يستمر استبدال الفحم بالغاز الطبيعي وستظل مصادر الطاقة المتجددة في قطاع توليد الطاقة جوهر السياسات والمناقشات. كما تهدف العديد من السياسات إلى الحدّ من استخدام النفط وخاصة في قطاع النقل.. ومن الأمثلة على ذلك تشديد معايير الاقتصاد في استهلاك الوقود للشركات (CAFE)، ومعايير الرقابة على آليات خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (CO2) في وسائط النقل البري وتحسين الأنظمة في قطاعي الملاحة البحرية والطيران، واستبدال الوقود في قطاع السكك الحديدية بالكهرباء، والتوجه لفرض ضرائب إضافية على تذاكر الطيران في العديد من البلدان. التقدم التكنولوجي ونظام الطاقة العالمي سيوفر التقدم التكنولوجي خيارات إضافية في نظام الطاقة العالمي.. التطور السريع تكنولوجيا التنقل الكهربائية سيؤدي إلى زيادة كبيرة في استخدامها، ولكن من المتوقع أن تشهد محركات الاحتراق الداخلي مزيداً من التحسينات وتظل القوة المحركة الرئيسية لغالبية سيارات الركاب، والمركبات التجارية خلال الفترة المنظورة.. إضافة إلى ابتكارات كبيرة متوقعة في قطاع الطيران، بما في ذلك تطور محركات الطائرات. كما أن التوسع في استخدام الغاز الطبيعي السائل (LNG) في وسائط النقل البحري سوف يؤدي إلى خفض نسبة الانبعاثات الضارة. وقد تم إحراز تقدم ملحوظ في تقنيات توليد الطاقة المتجددة، ولكن الطاقة الكهروضوئية (PV)، وطاقة الرياح من المرجح أن تستمر معاناتها بسبب عامل القدرة المنخفضة. كما تستخدم الطفرة النفطية بشكل مكثف تكنولوجيا المعلومات (IT)، إضافة إلى أن صناعة النفط تعتمد مفاهيم مبتكرة للغاية في مجال معالجة البيانات وتفسيرها بواسطة الذكاء الاصطناعي (AI)، مما سيؤدي إلى تعزيز كفاءة هذه الصناعة بشكل ملحوظ. من المتوقع أن يزداد الطلب العالمي على الطاقة الأولية بمقدار 72 مليون برميل في اليوم في الفترة حتى عام 2040.. من المتوقع أن يزداد الطلب العالمي على الطاقة من 286 مليون برميل من المكافئ النفطي يوميا (mboe / d) في عام 2018 إلى أكثر من 357 مليون برميل من المكافئ النفطي يومياً في عام 2040، بمعدل نمو يبلغ حوالي 1 % سنوياً. إذ من المتوقع أن يزداد الطلب على الطاقة خلال هذه الفترة في البلدان غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي بحوالي 75 مليون برميل في اليوم، في حين يقدر الطلب في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بنحو 3 مليون برميل في اليوم. وترتبط اختلافات نمو الطلب الإقليمي هذه بالفوارق في التركيبة السكانية، ومستويات الكفاءة، وسياسات تغير المناخ، وعوامل أخرى في مختلف البلدان والمناطق.. ومن المتوقع أن يمثل نمو الطلب على الطاقة في الهندوالصين لوحدهما حوالي 50 % من نمو الطلب على الطاقة في المنطقة غير التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. (جدول 4) ويتضح مما تقدم ذكره بأن الطلب على مصادر الطاقة الأولية وعلى رأسها النفط ومشتقاته لن يتراجع في المستقبل، رغم كل التوقعات المتشائمة المستندة إلى زيادة نسبة الاعتماد على مصادر الطاقة البديلة في الدول الصناعية استجابة إلى متطلبات الانبعاثات الضارة، وضغط الرأي العام باتجاه المحافظة على البيئة خفض الحراري وغيرها من العوامل، حيث أن الزيادة السكانية ومكافحة الانحباس الكبيرة وخاصة في دول الاقتصادات الناهضة ودول العالم الثالث، ستزيد الحاجة إلى مصادر الطاقة الأولية وفي مقدمتها النفط ومشتقاته والغاز الطبيعي بشكل مطرد حتى سنة 2040م، وفقاً لتوقعات الخبراء الذين قاموا بإعداد هذه الدراسة.