مرت فترة طويلة جرى فيها تناول التاريخ المحلي بطريقة يغلب عليها التسطيح وعدم التعمق في البحث عن الحقائق والتدقيق في الروايات والخروج بالنتائج التي تقرب الحدث وتقدم لنا فائدة علمية وتاريخية. ورغم ما أصاب الدراسات التاريخية من تقدم كبير على مستوى العالم الأمر الذي جعل منها إحدى وسائل التطور والتخطيط للمستقبل إلا أن الدراسات التاريخية لدينا مازالت لا ترواح مكانها من خلال الطروحات المبسطة التي تصل بعض الأحيان إلى درجة السذاجة وإن كان هذا لا يعني وجود دراسات معمقة تحسب لأصحابها ما قدموه من جهد مميز في البحث والتنقيب ثم التحليل المعمق والوصول إلى نتائج تبدو لنا مناقضة لما عرفناه وقرأناه عبر فترة طويلة. ماذا ينقص تاريخنا المحلي؟ ينقصه الوثيقة المحلية وقد كررت الحديث مرات ومرات كثيرة ومازلت أطمع أن أجد آذاناً صاغية من الجهات ذات العلاقة بالإسراع في الكشف عن الوثائق التي تحتفظ بها والتعريف بمحتواها وتسهيل تداولها إذ ما فائدة أن تكون هناك ملايين الوثائق التي تتوزعها هيئات ومؤسسات ومراكز علمية في المملكة دون أن تتاح المعلومات عنها ثم السماح باستخدامها وتوظيف معلوماتها للكتابة التاريخية. وعندما أقول ملايين الوثائق فأنا أعني ذلك بمعنى الكلمة، فهناك ملايين من الوثائق التي لاتزال مهملة في ارشيفات مؤسسات حكومية ومراكز بحثية ولدى أسر ولدى أفراد من هواة جمع الوثائق والمخطوطات. إن الزمن يمضي ولا زال موضوع الاستفادة من الوثائق يرواح مكانه دون أن نجد عملاً جاداً يخرجها من الظلمات إلى النور. إنني من خلال معرفة بسيطة أستطيع القول إن هناك كنوزاً من المعلومات في تلك الوثائق قد تقلب التاريخ، فمتى سنصل إلى مرحلة الاتاحة التي هي حق من حقوق الباحثين لازال في طور الأخذ والرد حتى اليوم؟