أحيا شعب أذربيجان يوم 12 ديسمبر من هذا الشهر الذكرى السادسة عشرة لوفاة زعيمه القومي ومؤسس دولته الحديثة حيدر علييف. ومن خلال هذا المقال أود أن ألقي الضوء على أبرز جوانب حياة الزعيم التاريخي، والشخصية الراسخة في ذاكرة الشعب الأذربيجاني. وُلد حيدر علييف في 10 مايو 1923 في مدينة ناختشيفان في أذربيجان التي تُعتبر - بحق - الحاضنة التي أنجبت لأذربيجان الأدباء والمفكرين والمعماريين الذين أثروا التاريخ الأذربيجاني بالعلم والمعرفة ومعطيات الحضارة. وقد تخرج من دار المعلمين الابتدائية، وعندما بلغ السادسة عشرة من عمره ذهب إلى باكو، والتحق بمعهد الصناعة الأذربيجاني؛ ليصبح معماريًّا، لكن الحرب العالمية الثانية أبعدته عن المعهد لفترة زمنية، مثلت مرحلة صعبة من حياته. تخرج حيدر علييف من كلية التاريخ بجامعة أذربيجان الحكومية، إلى جانب حصوله على شهادة التخصص في مجال عمله في جهاز أمن الدولة الأذربيجانية، وتم تعيينه في عام 1964 بمنصب نائب رئيس لجنة أمن الدولة. وفي عام 1967 شغل منصب رئيس لجنة أمن الدولة لدى رئاسة الوزراء في جمهورية أذربيجان، ومُنح رتبة لواء، وشكل ذلك حدثًا تاريخيًّا لأبناء الشعب الأذربيجاني كافة؛ فلم يسبق أن تم تعيين شخصية أذربيجانية في مثل هذا المنصب إبان حكم الاتحاد السوفييتي. وفي يوليو 1969 تم انتخاب حيدر علييف سكرتيرًا أول للجنة المركزية للحزب الشيوعي الأذربيجاني. ومنذ تلك الفترة أصبح قائدًا لجمهورية أذربيجان بموجب الأنظمة والقوانين المتبعة في ظل الحكم السوفييتي. وقد استمر في قيادة الجمهورية حتى عام 1982. وفي ديسمبر عام 1982 انتُخب حيدر علييف عضوًا للمكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي، وعُيّن في منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء في الاتحاد السوفييتي. وقد شكَّل ذلك نقلة نوعية كبيرة في تدرجه السياسي، وأصبح يشغل منصبًا كبيرًا ومهمًّا في الحزب، وبعد ذلك تم انتخابه عضوًا للقيادة العليا للحزب من بين 21 عضوًا. ولقد شكل انتخاب أول أذربيجاني للمكتب السياسي حدثًا مهمًّا في تاريخ الشعب الأذربيجاني. وبعد أحداث دامية، نتجت من مقتل عشرات الأبرياء في مدينة باكو ليلة العشرين من يناير عام 1990، حضر حيدر علييف إلى مقر البعثة الأذربيجانية في موسكو، وأدلى ببيان احتجاجًا على الوحشية التي ارتكبتها القوات السوفييتية، وطالب بمعاقبة منظمي ومنفذي هذه الجريمة الجبانة ضد الشعب الأذربيجاني. غادر حيدر علييف الحزب الشيوعي احتجاجًا على سياسة القيادة السوفييتية، وعاد في يوليو عام 1990 إلى أذربيجان، وتم انتخابه رئيسًا للمجلس الأعلى لجمهورية ناختشيفان ذات الحكم الذاتي، ونائبًا لرئيس مجلس السوفييت الأعلى لجمهورية أذربيجان. حينما كان حيدر علييف في مسقط رأسه (مدينة ناختشيفان) عقب استقالته من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي احتجاجًا على النهج السياسي الذي اتبعه الحزب لبَّى نداء الشعب الأذربيجاني، وتولى زمام الحكم مهما كلفه الثمن، وذلك في 15 يونيو عام 1993 الذي يعد يوم النجاة للشعب الأذربيجاني. وبعد وصول حيدر علييف لدفة الحكم أُوقفت الحرب مع أرمينيا، وأجبر الجانب الأرميني على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وجرت تحولات جذرية على السياسة الخارجية لأذربيجان، وحددت أذربيجان مكانتها في منظومة العلاقات الدولية، وبدأت الاعتماد على الاستراتيجية الجديدة في مجال السياسة الخارجية، واستطاعت خلال فترة وجيزة بناء نظام ديمقراطي قائم على التعددية السياسية، وخطت خطوات واسعة نحو تطبيق مبادئ اقتصاد السوق الحُر على نظامها الاقتصادي. كما أنه في عام 1995 تم إقرار دستور جمهورية أذربيجان عن طريق إجراء استفتاء عام، وأُجريت في البلاد انتخابات برلمانية ديمقراطية. وفي عام 1994 توصل حيدر علييف لإبرام عقد القرن مع الشركات الدولية العابرة للجنسيات الذي تضمن تنقيب واستخراج ونقل البترول والغاز الطبيعي الأذربيجاني من بحر قزوين إلى الدول الأوروبية عبر خط أنابيب النفط باكو - تبيليسي - جيهان، إضافة إلى خط أنابيب الغاز الطبيعي باكو - تبيليسي - أرضروم؛ وهو ما قاد إلى تدفق الاستثمارات الهائلة في الاقتصاد القومي التي تقدَّر بخمسين مليار دولار أمريكي؛ الأمر الذي أسهم في القضاء على الترسبات الهيكلية المتوارثة من الاتحاد السوفييتي، وبناء مؤسسات الدولة من خلال الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الشاملة التي أثرت في نهاية المطاف على تحسين حياة المواطنين، ورفع مستواها. ومن جهة العلاقات الدولية سارع حيدر علييف إلى إقامة علاقات الصداقة والتعاون مع دول العالم بشكل عام، والعالم الإسلامي الذي تعد أذربيجان جزءًا لا يتجزأ منه، وتشاركه الروابط الدينية والتاريخية والثقافية والمعنوية، بشكل خاص، ولاسيما الدول العربية التي تأتي المملكة العربية السعودية في مصاف أولى دولها المعترفة باستقلال جمهورية أذربيجان. تخلت البلاد عن الاقتصاد المخطط للحقبة السوفييتية، وتحولت إلى اقتصاد السوق الحُر، وتم اتخاذ المعايير اللازمة لتطبيع الوضع السياسي بطابع الديمقراطية في مجمل البلاد. وكخطوة أولى في هذا المضمار تم إقرار قانون الأحزاب السياسية، ووقّعت أذربيجان على المعاهدات الدولية للحقوق المدنية والسياسية «والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية»، بما في ذلك المستندات الدولية القانونية بشأن «حقوق المرأة السياسية» و»وضعية المرأة». توفِّي الرئيس حيدر علييف في عام 2003 عن عمر يناهز 80 عامًا، وأذربيجان اليوم اعتمادًا على رؤية وإرث حيدر علييف، وتحت قيادة إلهام علييف، بلدٌ ينمو بديناميكية مع معدلات نمو اقتصادي سريع. وقد حولت الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية الثابتة للرئيس إلهام علييف، وقيادته الحكيمة، وحكمه الرشيد للبلاد، وسياسته الخارجية النشطة، أذربيجان إلى دولة رائدة على الصعيد الإقليمي، وشريك يعتمد عليه في العلاقات الدولية. وعلى الصعيد الإنجازات الاقتصادية تقدمت أذربيجان 11 مركزًا في تقرير التنافسية العالمي لعام 2019 الذي صدر مؤخرًا عن المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يقيس القدرة التنافسية للدول من خلال 12 محورًا، يضم كل منها عددًا من المؤشرات الفرعية، ويركز على الثورة الصناعية الرابعة كمسار لتطوير القدرة التنافسية للدول؛ لتصبح ال58 عالميًّا من أصل 141 دولة، والأولى بين بلدان رابطة الدول المستقلة. كما تحسن موقف أذربيجان في مؤشر الابتكار العالمي. ولن ينسى الشعب الأذربيجاني إنجازاته في مجال العمران وبناء المراكز الصناعية العملاقة الحديثة التي لا مثيل لها في دول الاتحاد السوفييتي السابق. لقد أدرك حيدر علييف أن الاستثمار الحقيقي يكمن في فئات الشباب؛ فهم قادة المستقبل، والثروة الحقيقية لأي أمة؛ ومن هنا كانت من أهم أولوياته تأمين التعليم للشباب، وتمثل ذلك في إنشاء المعاهد والجامعات المتقدمة في أذربيجان. وقد أصبحوا الآن علماء وأساتذة، يسهمون في نهضة بلادهم.