راهن سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على قيمة أرامكو السعودية منذ اليوم الأول الذي أعلن فيه إمكانية طرحها للاكتتاب العام. أجزم بأن تقييم الشركة بتريليونَي دولار بُعيد إعلان رؤية المملكة 2030 عام 2016 جاء وفق دراسات مستفيضة، وتقييم مالي دقيق، يمكن الاعتماد عليه كمرجع مقارن للتقييمات المستلمة حين الطرح الرسمي. رسمت نهاية عام 2019 الخاتمة الرائعة للاكتتاب، أو ما يطلق عليه مرحلة قطف الثمار، والرد على المرجفين بأرقام التقييم والتغطية والتداول. مرحلة مخاض لم تخلُ من الأمل والألم، والتحديات، والنجاحات التي تنسب للقيادة في رؤيتها الاستراتيجية، وقدرتها على تحقيق الأهداف المرسومة، ولكل من شارك بإيجابية في ملف الطرح. لم يأتِ افتتاح السهم على النسبة القصوى بسعر 35.20 ريال من فراغ، بل هو ترجمة لثقة المتداولين في الشركة، واعتقادهم بأحقية أرامكو لتقييم أعلى مما اتخذته المؤسسات المالية. في الغاب تعكس مرحلة التداول القيمة العادلة للسهم. وبالرغم من حجم الطرح الكبير، وعدد الأسهم المتاحة في يد الأفراد، البالغة مليار سهم؛ ما يمكن أن يؤثر سلبًا على حركة التداول بسبب البيوع المتعجلة لتحقيق الربح السريع، إلا أن قوى الشراء عززت مكاسب السهم على النسبة القصوى. نجاح اكتتاب وإدراج أرامكو يجب ألا ينسينا بعض الدروس، وأهمها الثقة بالله أولاً، ثم برؤية القيادة التي تُبنى دائمًا على الدراسات العميقة وتقييم المكاسب والسلبيات المتوقعة، واتخاذ ما فيه خير البلاد والعباد.. وهو درس يفترض أن يعيه كل مواطن ومسؤول أيضًا؛ فقادة المملكة أكثر حرصًا على مستقبل اقتصادها، واستقرارها، وتحقيق مصلحة ورفاهية مواطنيها. ومن الدروس المهمة الإيمان بالقدرات الوطنية في مقابل الاستشارات الأجنبية، وهذا لا يعني الإقصاء بل المزج بين الخبرات الأجنبية والوطنية، بما يحقق التوازن الأمثل الذي يحول دون استغلال المنظومة الاستشارية من أجل توجيه القرارات المتخذة لتحقيق مصالح أطراف خارجية. فأبناء الوطن أكثر حرصًا على أمنه ومصلحته ومستقبله، ويشكِّل وجودهم صمام أمان للمخرجات الاستشارية؛ لذا تقاتل شركات الاستشارات الأجنبية لإقصاء الكفاءات السعودية، أو ضم من يعتقدون بإمكانية التأثير عليهم، والإحاطة برأيهم وفق رؤيتهم الخاصة. ومن العِبَر أيضًا إدارة ملف الاكتتاب إعلاميًّا؛ فعملية الطرح من العمليات المعقدة التي يجب أن تُستثمر فيها جميع الإمكانيات لتحفيز المستثمرين، وبخاصة الأفراد الأكثر استهدافًا من قِبل الحكومة، على الاكتتاب وفق رؤية مالية وإعلامية مُحكمة. أعتقد أن ملف أرامكو تُرك لشركات غير ملمة بالسوق المحلية، والمجتمع السعودي، والمؤثرات المحيطة؛ وهو ما سمح بارتفاع أصوات المشككين ورسائلهم وشائعاتهم التي أثرت سلبًا في شريحة الأفراد، قبل أن يتم تدارك بعض الأمر لاحقًا. أختم بأهمية الثقة بالقيادة، والوطن والمواطنين؛ وهذا يقودني إلى ثقة الحكومة بالسوق المالية السعودية، وقدرتها على احتضان أضخم اكتتاب في العالم، وإدراج أكبر شركة عالمية؛ وهو ما أسهم في التركيز عليها، وإقصاء الأسواق العالمية من عملية الإدراج.. وهو قرار استراتيجي حكيم، يحقق الأمن الاقتصادي، ويوفر الحماية التامة للشركة، ويعزز قيمة السوق السعودية وقدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية مستقبلاً.