كلما سنحت الفرصة في الصباح الباكر، خاصة في هذه الأجواء المنعشة والجميلة، قطعت المسافة على قدمي سيرًا من مقر عملي في البطحاء شمالاً، وسلكت شارع الفرزدق ووصولاً إلى طريق الجامعة، وقبيل الوصول إلى نهاية طريق الجامعة يقع على اليمين منزل الشيخ حمد الجاسر (1328- 1421) وهو منزل قديم مكون من دورين، شيد فوق ربوة عالية -أرجح أنه بني في أوائل الثمانينيات الهجرية- وتبدو من بعيد نوافذه الخضراء الخشبية القديمة، ويتميز بموقعه الجميل، والقريب من جامعة الرياض- سابقًا- وقريب أيضًا من المطار القديم، ومن فندقي اليمامة وزهرة الشرق، ومن مقر الوزارات الحكومية، ومن مكتبة دار الكتب الوطنية، ومن إذاعة الرياض، وكانت هذه الأماكن المهمة نائية وتقع في أطراف مدينة الرياض آنذاك، وكانت هناك مشقة في الوصول إليها. وكلما مررت بهذا المنزل ورأيت موقعه الجميل تمنيت لو أن وزارة الثقافة مشكورة بادرت بشراء هذا المنزل من الورثة بعد ترميمه وتحويله إلى متحف يليق باسم ومكانة الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله-، مثلما فعلت بعض البلدان العربية حينما حولت بيوت بعض أعلامها إلى متاحف تزار ويسافر من اجلها، والأمثلة كثيرة مثل: متحف رامتان، ومتحف أحمد شوقي، ومتحف أمين الريحاني، وأخيرًا متحف نجيب محفوظ. لقد أصبحت الحاجة ملحة في سرعة إقامة متحف باسم حمد الجاسر، يضم مكتبته الخاصة وأوراقه ومتعلقاته الشخصية، وحبذا لو قسم المتحف إلى عدة اجنحة: جناح يتعلق بكل الكتب والمجلات والصحف التي طبعت في مطابع الرياض- بطبعاتها الأولى الأصلية- ليتعرف الزائر على تلك المطبوعات، ومراحل الطباعة في بداياتها في نجد قبل 6 عقود، وإذا توافر عرض عقود الاتفاق على طباعة تلك الكتب، وجناح يضم مكتبة الشيخ الجاسر بعد أن تجلد مجموعاتها أفخم تجليد، وتوضع داخل خزائن زجاجية، وجناح يضم كل مطبوعات دار اليمامة، وكل إعداد مجلة العرب، ومجلة اليمامة- مجلة وصحيفة أصل- ومكاتبات الجاسر مع ولاة الأمر لإصدار اليمامة والعرب، وجناح يضم كل ما يعثر عليه من متعلقات الجاسر، بداية من مكتبه الخاص، وعصاه واقلامه ونظاراته وحقيبته وكروته وبطاقاته الخاصة، وما تلقاه من رسائل الأدباء والمثقفين، والأساتذة أعضاء مجامع اللغة العربية في الوطن العربي، إضافة إلى الدروع التذكارية وشهادات الشكر والتقدير، ومن أهمها شهادة فوزه بجائزة الدولة التقديرية في الأدب. وجناح خاص بالصور التي تجمعه بالأدباءالعلماء ورجالات الصحافة، وأيضًا صور لرحلاته الخاصة. فهل تستجيب وزارة الثقافة لهذا الاقتراح وتحوله إلى واقع ملموس، ونرى متحف حمد الجاسر قريبًا في المدينة التي أحبها وخصها بكتاب قيم يتحدث عن أطوارها عبر التاريخ؟ ** **