في ذاكرة خارجية، وفيما أنا أقوم بدور التاجر المفلس الذي يفتش في دفاتره القديمة، تعثرت بكتاب اسمه (أرجوكم لا تسخروا مني)، وجدته من ضمن عدة كتب، كتبت على ملفها الأصفر (هدايا قيمة). لم يطل تذكري وأنا التي بدأت أشكو من ذاكرتي المثقوبة لكثرة المهام (أقول لكثرة المهام لأنفي أنها مثقوبة من بدء، وتربية للأمل القادم من أنها ستعود جميلة كما عهدتها). تذكرت قصة عنوان (هدايا قيمة). كنت مولعة بحضور دورات عمادة التطوير في جامعتنا (جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن) منذ عام2014 لاختيار هذه العمادة دورات تواكب المرحلة، وترضي فيّ روح المدربة، والعضو الذي يجنح للتجديد، وفي دورة (التعليم المتمازج) كانت المدربة راضية عن عمل المتدربات وقالت لكن هدية قيمة ستتذكرنني بها، وطلبت منا تحميل ملفها (الهدية) على ذاكرة خارجية، وفعلنا ثم انتهت الدورة وسرقتنا الحياة. وفي ليلة من الليالي التي كنت أفتش فيها في ملفاتي الإلكترونية القديمة تعثرت بهذا العنوان، ولم أفلته حتى أنهيته. صافحني الإهداء الذي أغراني -رغم مشاغلي- أن أقرأ هذا الكتاب الذي عرفت فيما بعد أنه واحد من أهم الروايات السامية التي قدمت خدمة عظيمة للمسؤولين في أمريكا. كان الإهداء أول عتبات الغواية، تقول فيه الكاتبة: «هذا الكتاب نتاج محبة أهديه إلى من بكوا أنفسهم حتى الرقاد، لأنهم كانوا فقط مختلفين ! كما أنه احتفاء بالمنبوذ في داخل كل واحد منا، ومحاولة متواضعة لنشر التسامح والتفاهم والتقبل». هذا الكتاب رواية سيرية لروائية أمريكية مغمورة تدعى (جودي بلانكو) لم تصدر إلا كتابين، أشهرها للعالم هذا الكتاب الذي عنونت به مقالي، فقد ترجم لعدة لغات، واحتل قائمة الأكثر مبيعًا، حتى صار يُدرّس في العديد من المدارس والجامعات الأمريكية، لأنه تجربة حقيقية لكاتبة تعرضت في صغرها للنبذ والتنمر مذ كانت في المرحلة الابتدائية حتى الثانوية. هذه الرواية السيرية فتحت أعين الأهالي والمعلمين على أسرار، وممارسات لا يعرفونها تحدث لأطفالهم في المدارس، وعندما ترجمت هذه الرواية إلى العربية احتفى بها البعض وأسموها (إنجيل مكافحة البلطجة). بودي لو تلتفت وزارة التعليم لمثل هذه الكتب الملهمة، وتنشئ لجنة ثقافية خاصة تعتني بالاطلاع على مثل هذه الكتب التي تسلط الضوء على ما لا يراه المسؤول والأهل لنشر الوعي بين الطلاب والمعلمين للقضاء على ظاهرة التنمر في المدارس التي قد تنتهي بالقتل والعياذ بالله كما حدث ويحدث في المدارس والجامعات. ** **