سقطتِ الأندلس، وبكى حاكمها الأخير مُلكًا مضاعاً، وسارت أودية الحُزن مقتلعة أشجار الزيتون من كلّ قلب، وارتفعت أصوات الشعراءِ رثاءً لممالك سادت ثمّ بادت، وما زالت موشّحةُ السقوطِ مسموعة في كلّ فؤاد. ثمَّ تجلّى حُب الأندلسِ والحسرة عليها بالكتابة عنها: رصدًا تاريخيًا، وتوثيقًا جغرافيًا، وتتبّعًا لأعلامها، وعزفًا أدبيًا مصبوغًا بالحنين. وكان الأستاذ الدكتور: عبدالله بن علي ثقفان ممَّن عاشت أرواحهم في دنيا الأندلس، وارتسمت على معالمهم ألوان الحُزن، وتلوّنت حروفهم بالوفاء لأمّةٍ خالدةٍ في قلوب من يحبّها، إذ أخلصَ للأندلس وأعلامِها، فقرأ عنها وعنهم، وكتب لها ولهم. وإنَّ حُزنه على الأندلس قد بعثَ الحُبَّ من مرقده. وتجلّى الحُزن في مختاراته الشعرية التي أنشدها في لقاء معه ببرنامج (عالمهم)، في قناة الثقافية السعودية، المنشور ب(اليوتيوب) في: 10-10-2013م. ومن هذه المختارات: الأبيات التي تمثَّلها عبد الرحمن الداخل (ت172ه)، حين رأى نخلةً وتذكّر المشرقَ وأهله، فقال: وبيتُ المعتمدِ بن عبّاد (ت488ه)، وما فيه من صورة للبكاءِ، والسجنِ، والقيود: واختار من شِعر ابن اللبانة (ت507ه)، مافيه نوحٌ، ومسيرٌ، وحُداء: ثم اختار بيتًا لابن جبير الأندلسي (ت612ه)، الذي فيه غصّة من فراقِ الوطن، وبيان للسقم والشحوب: أما قصيدةُ أبي البقاء الرُّندي (ت684ه)، فكانت سببَ تعلّقه بالأندلس: وأحبَّ قصيدةَ لسانِ الدين ابن الخطيب (ت776ه)، بما فيها من شجنٍ، وتأمُّلٍ في المصير: والمتأمّل في مختاراته يرى لوحةَ الحزن، وغابةَ الألم، وأزقّةَ الفجيعة، لكنّها مختارات بنى بها قصرَ الوفاءِ للحضارةِ الأندلسية، فبحثَ بإخلاص، وكتبَ بصدق، وحاضرَ بأمانة. إذ ألّف في الأدب الأندلسي أكثر من اثني عشر كتابًا، منها: (المجالس الأدبية في الأندلس) و (ظاهرة الانتماء في الأدب الأندلسي) و (الأدب الأندلسي بين حقيقته ومحاولة اغتياله) و (الأدب التاريخي في الأندلس من القرن الخامس إلى نهاية القرن السابع الهجريين) و (الأدب الموركسي- قراءة في المتاح-) ويراه من أهم كتبه. وقال عنه أحد المغرّدين: «كتابٌ برَعَ مؤلِّفُه الدكتور عبدالله ثقفان في جمع معلومة وافرة حول الموركسيين». (المغرد قيس: 26-12-2012م). ورأيُ الأستاذ الدكتور: عبدالله ثقفان في كتابه بأنّه (من أهمّ كتبه)، دليلٌ صادقٌ على حزنِهِ الشديد الذي بيّنته مختاراته، فالموركسيون قد طردوا، والمختارات ترسم الحزن، والكتب تخطُّ الوفاء. وأحسب أنّه الأندلسيُّ الأخيرُ؛ استشعارًا في حُبِّهِ الصادقِ للأندلس، كأنه من أهلها، ثمّ حزنه عليها إحساسًا بأنّها قطعةٌ منه، وبعد ذلك وفاؤه لها كأنها أُمٌّ رحلَت، وبقي بارًّا بها، متذكّرًا خيرها، وهو في هذا كلّه يصنع ثلاثيةً من (الحُبّ، والُحزن، والَحرف). فحبُّه نفحُ طيب، وحُزنُه مُغربٌ في حلى المغرب، وحرفُه ذخيرةٌ في محاسن أهل الجزيرة. ** **