انتهجت صحيفة النيويورك تايمز منهج سقراط «تكلم حتى أراك» في الكشف عن شخصية المتحدث، لكن هذه المرة عبر تغريدات الرئيس الأمريكي، الذي أدمن التغريد، حتى بانت وظهرت صورته الحقيقية للجمهور، لتكون التغريدة حاسمة في الكشف والإفصاح، لذا «غرد حتى أراك»، الأحرى أن تقال في زمننا هذا للبحث عن الحقيقة بلا زخارف مفتعلة. قدمت النيويورك تايمز عملا تحليليا مميزا في رصد وتحليل تغريدات الرئيس الأمريكي، الذي أدمن التواجد في تويتر، واستخدامه كأداة سياسية فعالة في التفاعل مع الجمهور، حيث جندت الصحيفة صحافة البيانات، للكشف عما وراء التغريدات، منذ توليه الرئاسة وحتى منتصف شهر أكتوبر الماضي. المميز في التقرير الصحفي استخدام فريق العمل للبيانات المتاحة عبر حساب ترامب وتحليلها كميا ونوعيا، بعد إجراء 50 مقابلة مع المقربين من الرئيس من المسؤولين السابقين والحاليين، وموظفي تويتر، للكشف عن استخدامات رئيس أمريكا لهذه الأداة السياسية الهامة، كما عمد الفريق لاستكشاف اهتمامات الرئيس وسلوكياته في التغريدات، التي أفصحت عن كيفية استغلال ترامب للمنصة الحيوية لممارسة سلطته. الصحيفة في تحليلها استخدمت تحليل المحتوى الكمي، والمنهج النوعي في البحث عن إجابات أكثر عمقا عبر مقابلة المقربين لشرح وتفسير الأرقام والتكرار في طرق الموضوعات المتعددة عبر حسابه، بل عمدت الصحيفة للتواصل مع البيت الأبيض للحصول على تعليقات على الاستنتاجات التي توصل إليها التقرير، وطلب مقابلة الرئيس، لكنها لم تتلق ردا على طلبها. وصفت الصحيفة استخدام ترامب لتويتر بالهجومي، فهو ينتظم في توجيه الانتقاد لأعدائه، والهجوم على خصومه في غالبية تغريداته. خصص ترامب 4.469 تغريدة ضد الديمقراطيين والمؤسسات الإخبارية، فيما وجه 851 تغريدة ضد الأقليات العرقية، ويميل الرئيس غالبا للتغريد في الصباح الباكر، أو في وقت لاحق مساء، عندما يتحرر من مستشاريه ويخلو بنفسه. يوضح التحقيق أن الرئيس الأمريكي ينتهج التكرار، للتأكيد على أجندته السياسية، كموضوع الهجرة وبناء الجدار الحدودي مع المكسيك، حيث كشف عن 1159 تغريدة تتمحور حول هذه الموضوعات، يليه موضوع التعرفة الجمركية ب521 تغريدة. كما امتدح الرئيس الديكتاتوريين أكثر من مائة مرة، كاشفا عن إعجابه بالطرق الديكتاتورية لا الديمقراطية! تويتر بالنسبة لترامب أداة سياسية فعالة في إدارة السياسة الخارجية والداخلية، فعلى المستوى المحلي حول حسابه بتويتر لمكتب إداري للموظفين في البيت الأبيض، حيث اعتاد الموظفون من فريقه على تلقي أخبار الاستغناء عن الخدمات عبر حسابه. ترى الصحيفة أن تويتر يشكل شبكة البث للواقع السياسي «الحقائق البديلة» التي ينشرها في أوج سخطه وهجومه على الإعلام الأمريكي، حيث دأب على نشر نظريات المؤامرة والمعلومات المزيفة والمحتوى المتطرف التي تزيد من قاعدة شعبيته. كما لاحظت الصحيفة تزايد وتيرة التغريد وتضاعفها لثلاثة أضعاف خلال شهر أكتوبر، بسبب موقف الديمقراطيين وإجراءات الدعم العلني لعزله، حيث يستخدم تويتر كمنصة سياسية للدفاع عن سياسته، وتعزيز تواصله مع مؤيديه المخلصين. وصفت مستشارة البيت الأبيض كيليان كونواي في مقابلة سابقة عن هوس الرئيس الأمريكي بتويتر حيث أوضحت أنه يحتاج للتغريد كحاجتنا للطعام، فترامب لا يشبهه أحد في استخدامه لتويتر، فهو ينام ويصحو على تويتر. يكشف التقرير عن محادثات غير رسمية قام بها مساعدو الرئيس بتأخير بث التغريدات لمدة 15 دقيقة، في محاولة لتكييف المنصة، ولتجنب الإحراج والكوارث في حساب ترامب، لكن سرعان ما تخلوا عن الفكرة بعد الاعتراف بالمخاطر السياسية إذا ما تسربت الفكرة إلى الصحافة وإلى رئيسهم. وأخيرا.. تغريدتك تكشف عن شخصيتك وعنك الكثير، فأنت تختبئ خلف تغريدتك، وتغريدتك تكشف أكثر عما تستر.. تفصح أكثر عما تخفي عنك وعن شخصيتك..