إن غياب تعليم العلوم باللغة العربية من أبرز وأهم المشكلات التي تواجه نظام التعليم في العالم العربي برمته، وتعمق معاناة كل من اللغة نفسها، ومعاناة أهلها في معركتهم من أجل اللحاق بركب التقدم العلمي والتكنولوجي، وذلك بسبب أننا لا نعلم طلابنا العلوم البحتة والتطبيقية من طب وهندسة وفيزياء ورياضيات ومحاسبة وتجارة وإدارة.. إلخ، إلا في القليل النادر وعلى استحياء! مع العلم بأن الدعوة المخلصة لتعليم العلوم بالعربية تستند إلى دواع موضوعية مقنعة؛ من مثل الآتي: 1- العلاقة الوثيقة بين اللغة والفكر؛ والإنسان الذي يتعلم بلغته يكون أقدر على التمثل والإدراك والتحصيل الواعي، والتمكن من تصور الأشياء والحكم عليها ونقدها، وإنشاء علاقات جديدة بين مفرداتها، وإنتاج قيم علمية على أساس من إدراكه وإبداعه. 2- تحقيق روح الانتماء والمواطنة؛ لما تمثله اللغة من رو ح الهوية الثقافية، وما تقوم به من تعميق لهذه الروح في نفس صاحبها. 3- حق العربي في التعلم بلغته؛ وهذا حق مشروع لا يحق لأحد منعه، أو المجادلة فيه. 4- قدرة العربية على استيعاب العلوم والتعبير عنها وإنتاجها؛ بدليل النجاح الباهر لتجاربها السابقة. 5- ضعف المتعلم باللغة الأجنبية: حيث نجد ضعفا في بنية شخصية المتعلم العلمية نتيجة ضعف مستوى التعليم أساساً في المراحل المختلفة التي يمر بها الطالب؛ فإذا أضفنا -بإصرارنا على تعليم أبنائنا العلوم بلغة أجنبية- إلى هذا الضعف العام حاجزاً (لغوياً غريباً) يتطلب من المتعلم جهداً كبيراً ليحقق فيه مستوى (ما) وهو في الغالب لا يتجاوز المستوى الجيد في أحسن الأحوال؛ بسب عوامل كثيرة من مثل ضعف المتعلم، والمعلم -في أحيان كثيرة- وصعوبة اللغة الأجنبية بالنسبة للناطق بغيرها؛ فإننا إنما نصر على أن نفوِّت الفرصة أمام طلابنا ودارسينا ومجتمعنا لتحقيق فضاء علمي معرفي متقدم ينطلق في رحاب التفكير العلمي المطلق مستفيداً من رحابة الأدوات الفكرية الرحبة في لغتهم الوطنية. 6- تعليم المواطن بلغته، يؤدي بشكل تلقائي إلى تحقيق نتائج مؤكدة؛ منها: أ- توطين التفكير العلمي، والإبداع التقني؛ لأن التفكير باللغة الأم يكون أشمل وأكمل وأعمق، وبالتالي فنحن بإتاحة الفرصة للمواطن لأن يتعلم بلغته ويفكر بلغته، نطلق له ولفكره العنان لأن ينطلق في الفضاء الرحب بلا حدود وبلا قيود! ب- توسيع دائرة المتعلمين للعلوم الطبيعة والتطبيقية في مجتمع المتعلمين بخاصة، وفي المجتمع بعامة نتيجة الإنتاج الأدبي للمحتوى العلمي باللغة العربية، وصيورة تداوله وسهولة الحصول عليه، ويسر قراءته وفهمه لدي الجميع؛ مما يؤسس أرضاً خصبة. ج- التقدم العلمي المتوقع حصوله، نتيجة توطين التفكير العلمي والمعرفي والتقني والإبداعي، سيؤدي بالمجتمع والوطن إلى تقدم اقتصادي وإنتاجي، وإيجاد فرص عمل غير محدودة، وستزداد هذه الفرص باطراد، بزيادة المتعلمين العلميين بلغتهم العربية؛ لأن الجميع سيتحدثون بلغتهم العلمية العربية، وسنحقق اقتصاد المعرفة من أوسع أبوابه، وبكل منافعه؛ لأن البيئة العملية هي نفسها البيئة اللغوية، كما هي الحال في ألمانيا واليابان وكوريا، على سبيل المثال. من هنا فإن الاستراتيجية المنشودة يجب أن تجعل من هذا العنصر (الحيوي المهم) أساساً جوهريا تقوم عليه الاستراتيجية وتسعى لتحقيقه، بكل عزيمة وإصرار. وكما قال الدكتور صادق، في بحث له: «.. فإذا أردنا حماية اللغة العربية فلابد من العمل الدؤوب في سبيل التقدم العلمي والثقافي، حتى (تكون العربية لغة العلوم والرياضيات والطب) مرّة أخرى كما كانت سابقاً..» (د. صادق عسكري؛ هل اللغة العربية في خطر حقا؟ كتاب المؤتمر الثاني للغة العربية، المجلد الرابع ص 294، بيروت- المجلس الدولي للغة العربية، جمادى الآخرة 1434ه مايو 2013م، ص293، 294) وهنا يرجع الدكتور إلى أصل المسألة وأسها، وهو الحل اللغوي بوصفه جزءًا من حل مشكلات واقع الإنسان العربي والأمة! وللحديث صلة