للنساء دورٌ فعَّال في المجتمع، ولا سيما في حياة الرجال؛ فقد شغلن أدواراً مهمة عبر العصور التاريخية، وعملن على تسيير دفة الحركة السياسية مما أحدث أبلغ الأثر. وفي تاريخنا السعودي نماذج عدة تزخر بها صفحاتنا، منها الجوهرة بنت فيصل بن تركي آل سعود التي تنتمي إلى أسرة العلم والأدب في تاريخ نجد؛ فوالدها الإمام فيصل بن تركي ثاني حكام الدولة السعودية، وجدها لأمها الشيخ عبدالعزيز بن حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر أحد علماء نجد في القرن الثالث عشر الهجري/التاسع عشر الميلادي، ولقد اختلفت الروايات في تحديد ميلادها فمنهم من يقول إنه في عام 1270ه/1854م، وآخر يقول إنه في عام 1267ه/ 1851م، وقد حظيت الجوهرة بعناية والدها الذي تزوج بأمها سارة آل معمر بعد عودته من مصر عام 1295ه/1843م خلال تواجده في سدوس قبل أن يدخل للرياض، ولقد اجتمعت جميع هذه المزايا التي أثرت على شخصيتها حيث ألمت بالتاريخ والسير وحفظ القرآن الكريم ومعرفة الاستنباطات الفقهية والسنة النبوية، والحرص على جمع الكتب ووقفها في سبيل العلم، على سبيل المثال نسخة من كتاب «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» لابن القيم الجوزيه، وقد دون عليه النص التالي: «وقفته الفقيرة إلى الله سبحانه الجوهرة بنت الإمام فيصل بن تركي على ما ينتفع به من المسلمين لوجه الله تعالى. فمن بدله بعدما سمعه، فإن أثمه على الذين يبدلونه، إن الله سميع عليم. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم. جرى ذلك في 1318ه»، وتزوجت من طلال بن عبدالله بن رشيد أمير حائل خلال الفترة من 1262ه/1847م إلى 1283ه/ 1866م، ولم تنجب له أبناء، فلقد توفي طلال في عام 1283ه/1866م، ثم تزوجت مرة أخرى من سعود بن جلوي بن تركي، وقد شهدت الصراع بين أخوتها بعد وفاة والدها عام 1282ه/1865م؛ فلم تثن تتابع ظروف الفقد من عزيمتها، بل عملت على لَمِّ الشمل وتوحيد الصف ونبذ الفرقة بين الإخوة، ولم تكتفِ بذلك فكانت تُرسخ في نفس الملك عبدالعزيز ركائز الحكم حيث كانت تردد على مسامعه: «لا تكون عظمة بيت ابن سعود غاية مساعيك، إن عليك أن تجاهد لعظمة الإسلام، إن قومك لفي أمس الحاجة إلى قائد يرشدهم إلى طريق النبي الكريم، وإنك أنت ستكون ذلك القائد»، وكانت لكلماتها تلك أعظم الأثر على نفس الملك عبدالعزيز، ومما يدلل على ذلك ما نقله محمد أسد على لسان الملك: «لقد بقيت كلماتها هذه وما تزال في قلبي دائماً»، كما يذكر ممد جلال كشك دورها قائلاً: «حملته عمته الرسالة، ولقتنه وهو طفل مسؤولياته، في إعادة ملك آل سعود، وفي نشر الإسلام». ومن خلال الأحداث تتجلى مواقفها البارزة، ففي أعقاب معركة المليداء عام 1380ه/1891م آثرت البقاء في الرياض على مغادرتها إلى الكويت مع أخيها الإمام عبدالرحمن، وخلال الفترة كانت تقيم معها ابنة أخيها سارة بنت الإمام عبدالله بن فيصل؛ فتولت رعايتها، وقد زوجتها للملك عبدالعزيز أثناء قدومه إلى الرياض عام 1318ه/ 1901م، وقد كان منزلها مفتوحاً لأفراد أسرة والدتها؛ فعندما أصيب عبدالرحمن بن معمر في هجوم عبدالعزيز بن متعب بن رشيد على الرياض عام 1321ه/1903م قصد منزلها بحكم أنه من خوالها آل معمر، كما تولت الجوهرة مهمة تثقيف النساء في قصره، وتعليمهن التنشئة الإسلامية الصحيحة اتجاه العائلة وتربية الأطفال بوصاية من الملك عبدالعزيز لإدراكه بغزارة علمها، وكما كان لخبرتها، وسعة إدراكها أن تصبح ممن يستشيرها الملك عبدالعزيز في تدبير شؤون البلاد، وكانت محببة لدى الملك بأن يجعل زيارته لوالدته مقرونة بزيارتها التي كانت تحرص أشد الحرص على زيارة أرحامها ومنهم زيارة أخيها الإمام عبدالرحمن والد المؤسس، ولم تتوقف عجلة جهودها هنا فحسب، بل تعداها ذلك إلى الأعمال الخيرية منها على سبيل المثال لا الحصر أن الجوهرة أحدثت للمقبلات على الزواج وقفاً لزينة العروس بتجهيز أدوات الزينة والحناء والطيب والديرم، حيث إن أغلب النساء آنذاك يفتقرن لمثل هذه الأدوات، ولم تقتصر على ذلك بل أوقفت وقف مسقاة ماء بجوار منزلها بالقرب من سور دخنة، وهكذا عملت الجوهرة على تحمل المسؤوليات في تثقيف نساء القصر، والوقوف إلى جوار الملك بإسداء النصح في سبيل تحقيق المراد، وبالفعل عاصرت أحداث توحيد المملكة العربية السعودية على يد ابن أخيها التي كانت تدعمه بكل ما تستطيع، وفي عام 1354ه/1935م انتقلت الجوهرة إلى جوار ربها تاركة أعظم الأثر في سطور التاريخ. ** **