منذ سنوات ليست بالقليلة، والأغنية العربية «بمفهومها الشامل» تعاني من شلل كامل، وعقم شديد في إنجاب الأصوات الجديدة، أو حتى أغنية مكتملة الأركان. ومنذ سنوات طويلة وهناك برامج تقول إنها تُعنى بالمواهب الفنية في الأغنية، تحت مسميات عدة، لكن لم يظهر لنا اليوم أي فنان أو فنانة نعقد عليه الأمل بإكمال مسيرته الفنية. بالإمكان أن تكون مشهوراً، لكنك «كفنان» يصعب عليك هذه الأيام أن تتحول إلى «نجم شباك» يتتبعك الجمهور ويذهب إلى أي مكان تذهب إليه أو يقتني أعمالك الجديدة. أتحدث عن الأغنية العربية في كل مكان، ففي مصر لا يوجد سوى فنانين أو ثلاثة هم نجوم حقيقيون، في بلد فاق عدد سكانه ال100 مليون إنسان. كذلك الحال في الخليج، وبقية الدول العربية، وحين تسأل كيف ولماذا، تتفرع الإجابات وتتشعب، ثم تتوه. أشعر اليوم بأن الأغنية العربية في مرحلة «التيه» وفقدت لونها وطعمها وحالتها وحركتها، وأصبحت «كسيحة» وركدت مياهها، وأنت تعلم كيف تتحول المياه إذا توقفت عن الجريان. كيف كانت شركات الإنتاج تخطف فناناً من شركة منافسة، وكيف كان نص شعري ينتقل من ملحن لآخر، بعد أن كان في أحضان فنان شهير، كيف كانت المعارك الفنية التي أنتجت أجمل الأعمال. اليوم، بات الجميع أصدقاء، ودخلوا مدينة «أفلاطون» ودخلت الأغنية إلى غرفة مظلمة، ونحمد الله أن أرشيفها لم يدخل معها في هذه الغيبوبة الجماعية. لاحظوا كيف يغني الفنان أغنيته الجديدة على المسرح التي طرحها قبل عدة أشهر، ثم كيف يغني من أرشيفه القديم، الأولى يغنيها من الورقة أمامه، والثانية من قلبه، ثم لاحظوا كيف يتفاعل الجمهور مع كلتا الأغنيتين. قبل عدة سنوات كتبت عدة مقالات بعنوان «انحطاط الأغنية»، واستشعرت هذا الخطر، بفعل البعض، واليوم يراه الجميع أمام أعينهم، في وقت حتى الصحافة الفنية تراجعت بشكل مخيف، ولم يعد هناك إلا قلّة قليلة (راحت للحج والناس راجعة). بالأمس القريب، قال فريق لجنة التحكيم والعاملين على برنامج the voice»، إن أكثر من 120 صوتاً سيذهلون الجميع بأصواتهم الجميلة، وسيتنافسون لنيل اللقب، هذا جميل، ولكن أين ستذهب هذه ال «أصوات» الخارقة بعد خروج كل واحد منهم، من دائرة المنافسة؟، بالتأكيد إلى بيوتهم. أما الفائز، قسيحصل على هدايا مادية، وألبوم يطرح في السوق، ثم يعود إلى ما كان عليه، ما لم تحدث معجزة، ويتحول إلى نجم «شباك» يذهب إليه الجمهور في كل حفلة يقيمها، ويقتني أعماله. اليوم باتت النجومية تهبط من السماء، ولم يعد أحد من هؤلاء يتدرج في عمله، مثلما فعل كافة نجوم الأغنية العربية الكبار، بات طريقهم اليوم مليئاً بالورود، نجوميتهم صنعوها في شهرين، فيما احتاج بعض الكبار إلى 20 عاماً، حتى يجد الواحد منهم مقعداً في صفوف النجوم.