شكَّلت معامل بقيق لتكرير النفط هدفًا ثابتًا لجماعات الإرهاب خلال العقدين الماضيين، بالرغم من اختلاف مرجعياتهم وعقائدهم التي يؤمنون بها. ويرجع السبب في ذلك إلى ما يمثله المجمع النفطي من أهمية قصوى لصناعة النفط، إذ يعالج ما يقرب من 70 في المائة من النفط السعودي؛ وهو ما يجعله محورًا لصناعة النفط العالمية، وليس السعودية فحسب. وهو ما شدَّد عليه سمو وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز الذي أكد أن «هذه الهجمات لا تستهدف المنشآت الحيوية للمملكة فحسب، وإنما تستهدف إمدادات البترول العالمية، وتهديد أمنها؛ وبالتالي فهو يمثل تهديدًا للاقتصاد العالمي». وبالرغم من سيطرة أرامكو السعودية على حريق معملَي بقيق وخريص الناتج عن الهجوم الإرهابي، وتأكيد سمو وزير الطاقة أن توقف عمليات الإنتاج سيكون بشكل مؤقت، وسيتم تعويض جزء من الانخفاض من خلال المخزونات، وإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موافقته على استخدام نفط الاحتياطي الأمريكي الاستراتيجي لتعويض نقص الإمدادات العالمية، إلا أن أسعار النفط سجلت ارتفاعًا حادًّا مع فتح الأسواق يوم أمس الاثنين؛ إذ قفزت العقود الآجلة لخام برنت بنسبة 19 في المئة لتصل إلى 71.95 دولار للبرميل، وهو الارتفاع التاريخي الأول المسجل في الأسواق الآسيوية؛ ما يؤكد أهمية النفط السعودي في منظومة الطاقة العالمية، وتأثيره المباشر على اقتصادات الدول الصناعية، والنمو والعالمي. تعتبر المملكة بحجم إنتاجها، وطاقتها الإنتاجية الفائضة، واحتياطياتها النفطية، «بنك النفط المركزي العالمي»، ومن الطبيعي أن يتأثر أمن الطاقة والاقتصاد العالمي كنتيجة مباشرة لأي استهداف يتعرض له قطاعها النفطي؛ ما يستوجب تعامل المجتمع الدولي مع التهديدات التي تعرِّض أمنه للخطر، وفي مقدمها الإرهاب الإيراني الذي لم يجد الردع الحازم بعد. سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان شدد على أن «للمملكة الإرادة والقدرة على مواجهة هذا العدوان الإرهابي والتعامل معه». وقد نجحت المملكة في حماية منشآت النفط من الهجمات الإرهابية خلال العقدين الماضيين، منها الهجوم الإرهابي الذي استهدف مجمع بقيق النفطي العام 2006. ولكن ماذا عن دور المجتمع الدولي في تحقيق أمن الطاقة، وحماية الاقتصاد العالمي؟ تحتفظ المملكة بما يقرب من 200 مليون برميل من النفط الخام في مخازنها الموزعة في بعض الدول، منها اليابان والصين وهولندا، ولديها القدرة على تأمين احتياجاتها الداخلية؛ ما يعني أن الضرر الأكبر في تعثر إمدادات النفط سيطول بشكل مباشر الدول الصناعية التي لم تبذل جهدًا في مواجهة الإرهاب الإيراني. لا يمكن تحقيق أمن الطاقة واستقرار أسواقها والاقتصاد العالمي بمعزل عن ردع الإرهاب الإيراني الذي تجاوز جميع الخطوط الحمراء، وكأنما حصل على حصانة دولية وحماية من العقاب. رُبّ ضارة نافعة، وما حدث لمعامل بقيق وخريص النفطية يمكن أن يستثمر في مواجهة إرهاب الدول وردع إيران ووكلائها في المنطقة، وهو أمر يحتاج إلى جهود سياسية وقانونية وإعلامية مكثفة، تقود إلى تجفيف مستنقع الإرهاب الآسن، وحماية المنطقة من ويلات الدمار ومهددات أمن الطاقة والاقتصاد العالمي.