في القرن الأول الميلادي شهد العالم تشييد أحد أهم رموز الإمبراطورية الرومانية، إنه الكلوسيوم، ذلك المسرح والمدرج الروماني الشهير والشبيه بالملعب، بقاياه موجودة بإيطاليا حتى الآن كرمز دال على العبقرية الهندسية الرومانية. بالتأكيد شاهدت فيلم «المصارع» الشهير؛ إذ استعرض الفيلم أحد أدوار مبنى «الكلوسيوم»، وهو قتال المصارعين، بجانب أدوار أخرى، كالاستعراضات والفعاليات الملكية والسباقات.. كل هذا في إطار مدرج منحوت، يتسع ل50 ألف متفرج! شيء شبيه جدًّا حدث في «جازان»! بداية مع بطولة كرة هي بطولة «أمير منطقة جازان».. حشد جماهيري، وأصداء وصلت لحسابات السوشيال ميديا الشهيرة.. ماذا يحدث؟ إن البطولة بالكامل بجماهيرها تُلعب في «تحفة معمارية».. منحوتة وسط الجبال التي تسمى في منطقة «جيزان» الجبلية ب»جبال الحشر». كيف طوع أهالي جيزان صخور الجبال لعمل هذه التحفة؟.. إنها قصة أخرى! والثابت الآن أن المملكة العربية السعودية بهذا العمل عندها أول ملعب منحوت في الصخر في العالم. شاهدتُ استادات كثيرة حول العالم، كان أكثرها إدهاشًا استاد مقام على قمة إحدى الجزر الجبلية في النرويج، ولكنه مبني من الألف إلى الياء، لكن ملعب جازان تم نحته في الصخر من البداية للنهاية، حتى مدرجات الملعب مقامة بنظام رائع بطاقة استيعابية كبيرة. وغير هذا فإن فرص استغلال هذا الملعب في أنشطة التسويق الرياضي وإقامة الفعاليات الرياضية كبيرة نظرًا لطبيعته، وظروف بنائه، وانفراد المملكة بوجوده على أرضها. الاستاد إحدى أهم أدوات الاقتصاد الرياضي. الأندية الأوروبية فهمت ذلك، والسنوات الحالية هي سنوات «البنية التحتية» بلا منازع! تشيلسي يبني ملعبه الجديد بنصف مليار دولار، ليفربول يطور ملعبه، أرسنال كذلك، توتنهام، ريال مدريد يبني سانتياجو برنابيو آخر، وبرشلونة يبني «نيو كامب نو»، بعد أن قاد هذه المرحلة بايرن ميونخ الألماني ببناء تحفته «أليانز أرينا»؛ إذ يعتبره الألمان سر قوة البايرن المالية، وسبب تسيده الكرة الألمانية. لماذا يحظى الاستاد بهذه الأهمية؟ لأنه القاعدة والبداية لممارسة الرياضة؛ فلا تكون إلا به؛ لذلك السنوات القادمة لا بد أن تكون سنوات «طفرة البنية التحتية»، بداية بملف استادات الأندية الأربعة الكبار الذي بدأ بشراكات وتمويل بنكي الموسم الماضي، ثم باقي الأندية السعودية، إضافة لوجود 5 استادات بمواصفات عالمية حتى الآن بطول وعرض المملكة، أهمها استاد الملك فهد الدولي بسعة 70 ألف متفرج، وبتكلفة 510 ملايين دولار، واستاد الجوهرة المشعة بجدة بسعة 60 ألف متفرج، وتكلفة 533 مليونًا. عودة لجازان الجميلة، وقصة كفاح في بناء استاد المنطقة؛ ليكون مشروعًا بهذا الحجم. بدايته كانت فكرة «جامحة» قليلاً، لا ننكر! ولكنها نجحت في رأس «محمد بن حربان الحريصي»، وهو أحد أهالي جيزان من جيل «الطيبين» كبار السن.. الأمر الذي ينفي فكرة «الديناصورية» المرتبطة بكبار كثيرين، كانوا سببًا في مشاكل كثيرة للأندية والرياضة السعودية؛ فالحريصي «كبير سنًّا».. لكن فكرته «جريئة» و»ثورية»! تناسب شابًّا جامح الخيال..كبير سنًّا وهِمَّة أيضًا.. فالجزء الأصعب دائمًا هو نقل الفكرة من حيز «العقل» إلى حيز «الواقع».