يلاحظ المتابع للفكر الإنساني المنشور اهتماماً واسعاً بكتب السير والتراجم، وهو اهتمام ينبع من رغبة الإنسان في التعرف إلى الآخر واكتساب خبرات وتجارب تفيد في حياته. وقد أسعفني الحظ فكتبت مجموعة من الأعمال التي تدخل في هذا المجال، ووجدت نفسي في أحيان كثيرة أعيش حياة المترجم له أو المكتوب عنه خاصة من شغفت بشخصياتهم، ولعل هذا الشغف هو من أسباب نجاح الأعمال التي نالت شهرة واسعة لأنها كتبت بمزاج يتناغم مع صاحب السيرة. ومن خلال عملي في كتابة السير والتي نشرت في كتب مستقلة ودوريات علمية أشعر أن المنهج الذي يعتمد على سرد ما كتب عن صاحب السيرة في مدونات منشورة هو نمط من التجميع قد يؤدي بقارئه إلى الملل، إذ لابد من البحث في الوثائق والمخطوطات والتعامل مع الرواية الشفهية إن كان صاحب السيرة قريب عهد بنا. ومن ثم تمحيص الناتج ومقارنته وطرح افتراضات تملأ الفراغات إن وجدت، كل ذلك للخروج بمادة تشد الانتباه وتدفع إلى القراءة بشوق مما يؤدي إلى الاقتراب من شخصية صاحب السيرة المكتوب عنه. ولن أتردد في القول إن هناك مجموعة ممن كتب السيرة التي أنتجت في المملكة في الآونة الأخيرة كانت تسير وفق المنهج الذي أشرت إليه، فحازت الإعجاب ونالت الشهرة وقدمت الفائدة. إن تاريخنا المحلي المعاصر في حاجة ماسة إلى التعامل مع سير شخصيات أسهمت في البناء ما يحمد له في مجتمعها، شريطة أن تكتب بطريقة تنبض بالحياة.