تحت عنوان «الحياة العلمية في مدينة الرياض (1240 - 1309ه/ 1824 - 1891م) دراسة تاريخية»، قدم الباحث راشد بن محمد بن عساكر أطروحته لنيل درجة الدكتوراه في قسم التاريخ بكلية الآداب في جامعة الملك سعود. والعساكر معروف من فترة مبكرة بالاهتمام بكل ما يخص تاريخ مدينة الرياض وما حولها من مدن وقرى فقد سبق وأن صدر له كتاب توثيقي للمساجد القديمة في مدينة الرياض، وكتاب آخر عن مساجد الدرعية وأوقافها توج هذا الكتاب بتقديم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود. وعودا على رسالة الدكتوراه التي قدمها العساكر وأشرف عليها الدكتور المؤرخ عبدالله بن محمد المطوع أستاذ التاريخ الحديث بجامعة الملك سعود. يقول العساكر في مقدمته لهذا الكتاب في تحليل عميق لمدينة الرياض ولماذا يهتم بتوثيق الجانب العلمي فيها في تلك الفترة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، أما بعد: فقد كثرت الدراسات التي عنيت بالتاريخ السياسي للمملكة العربية السعودية في أدوارها الثلاثة، لكن الموضوعات الحضارية، لم تعط حقها من البحث والدراسة، ومنها مدينة الرياض؛ بسبب ندرة المصادر، وشح المعلومات حول هذه الموضوعات. والمتابع للتاريخ الحديث يجد أن سقوط الدولة السعودية الأولى عام 1233ه/ 1818م، أدى إلى تدمير عاصمتها الدرعية؛ ولذا نجد أن الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود عند تأسيس الدولة السعودية الثانية اتخذ مدينة الرياض عاصمة للدولة وقاعدة للحكم، وشهدت بذلك تحولاً كبيراً، وأصبحت مركز الثقل السياسي والإداري والاقتصادي، وأكسبها هذا التحول مكانة كبيرة في المنطقة، وضاعف من أهميتها. وتشير المصادر التاريخية إلى ظاهرة سكانية كان لها دور في تشكُّل المدينة، تمثلت في نزوح أعداد كبيرة من سكان الدرعية وبعض المدن والأقاليم النجدية إليها، والاستقرار فيها؛ خصوصاً بعد سقوط الدرعية، وقد أسهمت الهجرة في التركُّز البشري في هذه المدينة، ونتج عن ذلك تأثير وتأثٌّر في هويتها، ونظام حياتها، وتفاعلاتها الأمنية والسياسية والعمرانية. وقد كان لهذا الوضع المستجد آثار مهمة في النهضة العلمية، من حيث التنوع والتوسع والتغير وتعدد المراحل، ومع أهمية هذا التعدد والتنوع؛ فإن دراسة الجوانب العلمية، وما يرتبط بها من جوانب أخرى لم تحظ بالدراسة والبحث المفصل وفق وثائق جديدة، ومخطوطات نادرة، مدعومة بالمقابلات الشخصية. ومن ثم فإن أدبيات تلك الحقبة التاريخية ووثائقها تشير إلى أن الرياض أصبحت في عهد الدولة السعودية الثانية مركزاً علمياً مهماً، نتيجة وجود عدد من العلماء البارزين؛ إضافة إلى عودة بعض العلماء ممن هجر الدرعية بعد سقوط الدولة السعودية الأولى، وقد أدى ذلك إلى نشاط الحركة العلمية، وازدهارها، وعلو مكانتها، وأصبحت عامل جذبٍ لطلاب العلم؛ وهو ما أثر في مسيرة التعليم والنهوض، به، وعدت مدينة الرياض المركز العلمي الأول في عصر الدولة السعودية الثانية، وأدى ذلك إلى إقبال طلاب العلم إليها؛ إضافة إلى ما كان يلقاه العلماء والطلاب من دعم وتشجيع من قادة الدولة، ومن تجارها الموسرين في هذه المرحلة التاريخية. وكان من أبرز مظاهر الحركة العلمية في مدينة الرياض في هذه الحقبة الزمنية حركة التأليف العلمي التي تعددت أوجهها وأسماؤها، والتي كان من لوازمها ظهور المكتبات العلمية فيها، نظراً لحرص العلماء وطلاب العلم، وبعض الأمراء من الأسرة المالكة، على اقتناء الكتب والمخطوطات ووقفها. وقد نال العلماء مكانة رفيعة على مستوى الدولة والمجتمع، وأصبحوا قوة اجتماعية مؤثرة داخل مجتمع مدينة الرياض، وكان لهم حضور فاعل في العمل والمشاورة مع أصحاب القرار من قادتها السياسيين، وأسهموا في صناعة بعض الأحداث المحلية والإقليمية، سواء أكان في النواحي السياسية، أم الاجتماعية، أم الاقتصادية أم العمرانية. وعلى هذا الأساس فقد جاء اختيار عام 1240ه/ 1824م بداية لهذه الدراسة؛ إذ إن هذا العام شهد قيام الدولة السعودية الثانية، واتخاذ الرياض عاصمة لها، وقد أدى هذا التحول إلى اكتساب مدينة الرياض أهمية خاصة، وبروزها في كثير من الجوانب الحضارية، وخاصة في مجال الحياة العلمية. وينتهي الإطار الزمني لهذه الدراسة في عام 1309ه/ 1891م، وهو تاريخ سقوط الدولة السعودية الثانية. مما سبق تتضح أهمية مدينة الرياض على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والحضاري المرتبط بها، يضاف إلى ذلك أن هذا الموضوع يعني بالنواحي العلمية، ويدرسها دراسة مستفيضة، مستقصيًا جوانبها كلها، ابتداءً من مرحلة الكتاتيب -التي تعد أولى مراحل التعليم-، مروراً بالتطورات التي شهدها هذا الجانب، ورصد المؤسسات التي كان لها دور في النهضة العلمية، كالمساجد والمكتبات، وستكشف أيضاً عن سمات الحياة العلمية وميادينها، مع السعي إلى التعمق في دراسة المراحل المتقدمة، والإلماح إلى الخلافات الناشئة بين علماء الرياض وغيرهم، والتطرق إلى الخلاف بين أبناء الإمام فيصل بن تركي وموقف علماء الرياض منه، والآثار المترتبة عليه، وأثره في الحياة العلمية في هذه المدينة. ويزيد من أهمية هذه الدراسة توافر أعداد كبيرة من الوثائق والسجلات الخاصة بالمحاكم الشرعية التي تتجاوز ألفي وثيقة، وتتضمن كثيراً من المسائل الحضارية، التي سيتم الإفادة منها في دراسة علماء المدينة، وكتّابها، وطلاب العلم بها، ونسّاخها؛ إضافة إلى توافر كثير من الوثائق والمؤلفات المخطوطة المتعلقة بالجوانب العلمية، والمراسلات، والردود التي جرت بن العلماء، كما وقف الباحث على أكثر من عشر مكتبات علمية، لم يكشف النقاب عنها حتى إعداد هذه الدراسة، كان لها دور إيجابي في حركتها العلمية، مستنداً إلى بعض التقارير والمخطوطات التي عثر عليها، والتي لها صلة مباشرة بهذا الجانب؛ حيث تتناول في مجموعها العام تفصيلات مهمة وجديدة. ونظراً لأهمية موضوع الحياة العلمية في مدينة الرياض في تلك الحقبة الزمنية، وما يتسم به من جدة وأصالة، فقد رأى الباحث أهمية دراسته وطرحه بصورة شاملة، وتفصيلية وعميقة وفق منهجية علمية تتناسب مع أهميته، والتي من المتوقع أن تسفر عن معلومات علمية نادرة خاصة بهذه المدينة يمكن توظيف مضامينها في متن هذه الرسالة التي اخترت لها عنوان: (الحياة العلمية في مدينة الرياض (1240ه-1306ه/ 1824-1891م: دراسة تاريخية). وهي الدراسة العلمية الأولى - بحسب علم الباحث - التي تتناول الحياة العلمية في مدينة الرياض في عهد الدولة السعودية الثانية، ويؤمل الباحث أن تشكل هذه الدراسة إضافة علمية جديدة لتاريخ المملكة العربية السعودية. وهدف هذه الدراسة هو التعرف على مراحل التعليم في مدينة الرياض، والوقوف على طرقه، وطبيعة الحياة العلمية والدينية، وأساليبها، وأثر المكانة العلمية لعلمائها؛ لأنها أصبحت مركزاً لإعادة نشر الدعوة الإصلاحية؛ إضافة إلى معرفة أبرز الأسر العلمية فيها، ودور المدارس ومعرفة الحلقات التعليمية في المدة الزمنية المحددة في هذه الدراسة، والإشارة إلى عوامل ازدهار التعليم في مدينة الرياض. وتهدف أيضاً إلى معرفة أهم المكتبات العلمية، وتأسيسها، وأبرز محتوياتها، ومعرفة تراجم علماء المدينة، وقضاتها، وطلاب العلم فيها، وبيان موقف علماء الرياض من الفتنة الداخلية بين أبناء الإمام فيصل بن تركي بعد وفاته عام 1282ه، والآثار المترتبة على ذلك. هذا ما ذكر العساكر في مقدمته، وأما ترتيب الرسالة فقد قسمها العساكر إلى فصول خمسة ،وفي كل فصل عدة موضوعات. فقد جاء الفصل للحديث عن مراحل التعليم ومؤسساته في مدينة الرياض تلك الفترة حيث تحدث عن التعليم بمراحله الأول والمتوسط والمتقدم. وفي الفصل من هذه الرسالة تحدث العساكر عن المكانة العلمية للرياض، وعن مكانة قضاة الرياض وكذلك العلماء. وفي الفصل الثالث ناقش العساكر موضوعا مهما يكثر السؤال عنه ألا وهو موضوع تواصل علماء الرياض مع العالم الإسلامي، فكان الحديث بتوسع عن العلوم والفنون المتداولة في الرياض تلك الفترة، وعن المؤلفات والكتب التي قدمها علماء الرياض. وعن تواصلهم مع علماء العالم الإسلامي. وأما الفصل الرابع فقد كانت رائحة الورق والمخطوطات ظاهرة فيه، فهو الفصل المخصص للحديث عن المكتبات العلمية في مدينة الرياض. فكان الحديث هنا عن أبرز المكتبات - وما دان الحديث عن المكتبات والكتاب، فمن الطبيعي أن يكون الحديث عن تملك الكتاب وإعارته. وأما الفصل الخامس فقد خصصه الباحث العساكر للحديث في موضوعات الساعة آنذاك وتعامل علماء الرياض معها. فتحدث الباحث عن أثر الأوضاع السياسية والأمنية على الحياة العلمية وموقف علماء الرياض منها، وتحدث عن مرحلتين مهمتين وكيف تعامل علماء الرياض معها. وقبل أن يختم العساكر رسالته كان من الطبيعي أن يتحدث في تأثير الوضع السياسي والاضطراب الأمني على الحالة العلمية. بعد ذلك وصل العساكر إلى كتابة خاتمة عمله، ليتبعها بملاحق مهمة مع قائمة للمصادر والمراجع التي اعتمد عليها في كتابه، وليكون مسك الختام ملخصات الرسالة باللغتين العرية والانجليزية. وقد جاء اختيار العساكر لهذا الموضوع عن الرياض ثم الكتابة لنيل درجة الدكتوراه فهو امتداد لتاريخ مميز عن الاهتمام بالرياض وما حولها، كان محط وثناء ومتابعة الكثير لما يقدمه العساكر من جهد.