عبدالعزيز بن سعود يدشّن عددًا من المشروعات ومركزًا تاريخيًّا لحرس الحدود بمنطقة الجوف    وزير الداخلية يواسي في وفاة الشيخ أحمد الخريصي    عبدالعزيز بن سعود يلتقي أهالي منطقة الجوف    11 شكوى يوميا بهيئة السوق المالية    السعودية تتصدر سوق القهوة ب 5100 علامة تجارية    "هيئة الترفيه" تتوج ثلاثة فائزين بمسابقة "ابتكارات الترفيه"    أوروبا تندد بحظر أميركا منح تأشيرات لشخصيات من القارة    ثورة الخوارزميات الرحيمة    الرئيس الفلسطيني يعلن برنامج إصلاح وطني شامل    موسكو ودمشق تناقشان التعاون العسكري    تركيا: طائرة رئيس الأركان الليبي أبلغت عن عطل قبل تحطمها    الإصابة تغيّب حمدالله ثمانية أسابيع    "كلاسيكو" الاتحاد والشباب يشعل الجولة 11    "خيسوس": قدمنا أداءً مميزاً رغم التوقف الطويل    النصر يسحق الزوراء بخماسية    الشتاء والمطر    مدير تعليم الطائف يتفقد مدارس شقصان وبسل    الصالحاني يضع أسس البداية عبر «موهبتك لا تكفي»    معرض «وِرث» ينطلق في جاكس    «النسر والعقاب» في ترجمة عربية حديثة    مرحوم لا محروم    النيكوتين باوتشز    مؤسسة كأس العالم للرياضات الإلكترونية توقّع مذكرة تفاهم مع "غدن"    مركز الملك عبدالعزيز للخيل العربية الأصيلة يطلق حملة "أصالة نرعاها"    واشنطن وكييف تقتربان من أرضية تفاهم لإنهاء الحرب    العثور على مسجلات طائرة تحطمت في تركيا    هياط المناسبات الاجتماعية    القبض على (3) باكستانيين في جدة لترويجهم (3) كجم "حشيش"    العالمي علامة كاملة    القيادة تهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى الاستقلال    مساعدات إنسانيّة سعودية جديدة تعبر منفذ رفح متجهة إلى غزة    سفير المملكة في جيبوتي يسلّم درع سمو الوزير للتميّز للقحطاني    أمانة القصيم تصادر 373 كيلو من المواد الغذائية الفاسدة خلال الربع الأخير للعام 2025م بمحافظة الرس    30 مليار ريال مبيعات التجارة الإلكترونية في أكتوبر الماضي    فيصل بن بندر يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة جمعية "مكنون" لتحفيظ القرآن الكريم بالرياض    كلية الطب بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تحتفي ب50 عامًا من العطاء في يوبيلها الذهبي    الجوازات تصدر 17.767 قرارا إداريا بحق مخالفين لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    «قصاصات المطر»… الشعر بوصفه ذاكرة مفتوحة على التأمل    البرلمان الجزائري يصوّت على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي    رعى «جائزة مدن للتميز»..الخريف: الصناعة السعودية ترتكز على الابتكار والاستثمارات النوعية    اطلع على سير العمل في محكمة التنفيذ.. رئيس ديوان المظالم: تفعيل المبادرات الابتكارية في مفاصل «التنفيذ الإداري»    10.5 مليون ريال إيرادات السينما السعودية في أسبوع    روح وريان    خربشات فكر    فلكية جدة: النجوم أكثر لمعاناً في فصل الشتاء    أقر القواعد الموحدة لتمكين ذوي الإعاقة بالخليج.. مجلس الوزراء: الموافقة على قواعد ومعايير أسماء المرافق العامة    موجز    مسجد القبلتين.. شاهد على التاريخ    تأكيد على أهمية دور لجان الصداقة البرلمانية.. آل الشيخ ورئيس النواب الماليزي يبحثان تعزيز العلاقات    «فايزر» تعلن وفاة مريض بعد تلقيه دواء لعلاج سيولة الدم في تجربة    القيسي يناقش التراث الشفهي بثلوثية الحميد    الضحك يعزز صحة القلب والمناعة    المشروبات الساخنة خطر صامت    نجاح أول عملية للعمود الفقري بتقنية OLIF    فلتعل التحية إجلالا وإكبارا لرجال الأمن البواسل    الكلام    أمير جازان يستقبل رئيس جامعة جازان الدكتور محمد بن حسن أبو راسين    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين.. وزير الدفاع يقلد قائد الجيش الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عتبات فكرية «القول الفلسفي» - 5 -
نشر في الجزيرة يوم 06 - 04 - 2019

لاشك أن المعرفة القديمة بنيت على القول الفلسفي إذ مثّل قاعدة البيانات الأولية للأسلوب التحليلي أو المحتوى الفهمي لتفاصيل الكليات.
لكن مع تعدد وتنوع مصادر المعرفة وتوسع آليات الفحص والإدراك لم يعدّ القول الفلسفي يحتل صدارة إنتاج المعرفة؛ لأن قيمة الفلسفة تعتمد على المجهول، وكلما تقدم الإنسان في العلم المُدرك بالبراهين الحية تراجعت قيمة الفلسفة.
ارتبط القول الفلسفي باعتباره مصدر إفهام وتوضيح بمسائل الغموض
والإبهام، وهو ما جعله مختص بالإشكاليات الوجودية الذي يعجز العقل البشري في مستواه العادي من إدراك ماهياتها وتفاصيلها.
فقد برزت قيمة القول الفلسفي في ظل المتاهة الفكرية للإنسان الأول التي واكبت اكتشافاته الذاتية لقوالب الوجود، والتي أحاطها غموض المُنشِئ والعلل والكيفية.
وهذه المهمة لممارِس القول الفلسفي الأول، أحاطت العقل البشري على مدى تاريخه بوصاية فكرية حتى اليوم لم يستطع التحرر منها، وهذه الأبوية الفلسفية لاشك أنها تُشير إلى عدة أمور منها:
*سيادة الشك، إن الجدلية الشكية هي التي تغذي دائما القول الفلسفي.
لقد سبقت الفلسفة الأديان، وهو ما جعل القول الفلسفي معادلا للدين كمصدر معرفة، وجعل الفلسفة هي المعنية في المقام الأول بتقديم الإجابة المفسرة لسؤال الغموض والإبهام، الذي يدور حولهما الشك.
ومن هنا أصبح القول الفلسفي هو «معرفة السؤال» الذي أدخل المتلقي في ثنائية الشك واليقين.
لكن في حقيقة الأمر أن القول الفلسفي لم يسع إلى تقديم إجابة لسؤال الشك بالمجهول أو عدم الفهم؛ إنما كان يعتمد على تشريح تفاصيل السؤال بحيث يزيد من متاهة العقل البشري، تلك المتاهات التي تولّد أسئلة أخرى وهكذا تدخلنا الفلسفة إلى سلسلة من الأسئلة الجدلية اللامنتهية.
لاعتقادها بأن القيمة في المعرفة تستقر في الكيفية التي توسع دائرة الشك من خلال منظومة توليدية للأفكار والمفاهيم والطرائق والأساليب وباعتباره تلك الكيفية المرسخّة للشك كطريقة تفكير هي أساس المعرفة وليس اليقين كمعادل لأحادية لا تشجع على سؤال المعرفة.
وهذا الشتات المعرفي للمتلقي قد يكون مقصودا من ممارِس القول الفلسفي لاستدامة ربط ذلك المتلقي بقيمة القول الفلسفي كمصدر وحيد للمعرفة، وهي استدامة تقتضي من ممارس القول الفلسفي بترسيخ أسباب الشك ووسائطه؛ لأنه أساس المنظومة التوليدية.
*غياب الحقيقة الثابتة، إن سعي القول الفلسفي إلى استمرار باب الشك مفتوحا باعتباره مصدرا للجدلية المغذية للمنظومة التوليدية، كانت نتيجته الحتمية -وفق حاصل التبعية- غياب تشكيل الحقائق، وهو ما أضره هو إذ أعاق تمثيله لخطاب في ذاته.
فالقول الفلسفي لا يعمدّ إلى إنتاج حقائق والعمل على ترسيخها، لاعتماده على استراتيجية «توليد الاحتمالات»؛ لأن هذه الاستراتيجية هي الأقرب إلى طبيعة التحليل التوليدي؛ إضافة إلى أن الاحتمالات تحقق لذلك التحليل النماذج المختبرية المثالية للتجريب التحليلي.
ولذا يتجنب القول الفلسفي إنتاج حقيقية تغلق مداه المعرفي.
وبلاشك أن هذا التعمد في تغييب آليات مرسخة لصناعة الحقائق أضر بالمتلقي واستقراره الفكري والحياتي.
فالحقيقة ليست مجرد «التعريف بماهية طبيعة أمر ما وأهميته وقيمته وأثره».
إنما هي أكثر من ذلك على مستوى حياة المتلقي والمجتمعات؛ لأنها ترتبط بالقيم والأخلاق، أو أقرب للتوضيح لأنها هي التي تؤسس المنهج التربوي للشعوب، وحدود الهوية والأصالة، وتمرد القول الفلسفي على تأسيس حقائق أضر باستدامته كمصدر معرفة.
*العداء للقول الفلسفي؛ مما أضرّ شعبية القول الفلسفي هو مسعاه الدائم إلى إنكار حدّ معقول للثابت، وهذا الإنكار يُشجع على ممارسة تفكيك الوحدة الفكرية للمجتمعات ويساهم في تأجيج خلاف منطق المخالفين.
تتشكل المجتمعات والشعوب من خلال الهوية الفكرية وهو ما يعني الاتفاق الجمعي على حدود معرفية لماهيات الأشياء، وأي اختلاف في بنية تلك الهوية أو إدخالها في منظومة متاهة المنطق يعني تفكيك لتلك الوحدة وفتنة معرفية تضرّ بهوية المجتمع، فمن الضروري أن تكون هناك ثوابت يتفق عليها الجميع محاطة بحصانة مبررة غير قابلة للتحليل المنطقي.
لكن هذا المسار غير معترف به في القول الفلسفي؛باعتبار كل شيء قابل للتفكيك و التحليل سواء أكان حاملا لإيجابية المنطق و سلبي المنطق، وهذا الفرق بين الفلسفة ما قبل الأديان السماوية والفلسفة بعد ظهور الأديان.
لكن هذا الفرق لم يؤثر على منهج القول الفلسفي، وعدم التأثير بالإضافة إلى تقليدية أدواته هو الذي أدى إلى «موت الفلسفة» مع تطور الفكري الإنساني وانتقاله من طور المعرفة إلى طور العلم.
عندما ظهرت الأديان السماوية حملت معها الكثير من الثوابت الفكرية والتي أقرت بدورها الحدّ المعرفي وما يتضمنه من سؤال، وهذا المنهج الديني رسخ أولوية اليقين على الشك، وهي أولوية تتعارض مع أولوية القول الفلسفي القائمة على الشك.
وهو ما يفسر لنا تحريم رجال الدين سواء المسلمين أو المسيحيين للقول الفلسفي باعتباره المشجع على الإلحاد، والتعدي غير محمود على أسرار الميتافيزيقية الإلهية
ووسائطها.
إن إخضاع الوحدة الفكرية لتعدد المناطق تقود المجتمعات إلى حرب فكرية؛ لأن الفلسفة قائمة على منطق الممارِس، وهو منطق لا يمكن التزامه بالموضوعية ومصلحة الجماعة، أو بنية علمية قائمة على براهن نفعي، بل منطق يسعى إلى إثبات ذاته الفكرية كما يعتقده هو ووفق منطقه التحليلي.
هذه الإباحة الكلية للوحدة الفكرية للجماعة تُدخل المجتمع في فوضى عقدية تُسرّع بالقضاء عليه كما حدث لليونان والرومان قديما.
فوجود حد معقول من الثوابت المحصنّة من القول الفلسفي هي التي تحفظ الشعوب من الفناء، وهذه حقيقة تاريخية.
وعندما أدركت الشعوب خطورة القول الفلسفي على وحدة بقائها هجرته حتى أُعلن موته معرفيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.