ماهو الفرق بين جائزة تمنح للكتاب الأكاديمي أو المدرسي وأخرى للكتاب الثقافي؟ ماهي فلسفة الجائزة الثقافية؟ أهمية استيعاب مفهوم الثقافة والتفريق في تصنيف ماهو ثقافي وماهو أكاديمي أو تعليمي، يسهم في بناء فلسفة ورؤية لجوائز الكتب الثقافية، التي تنطلق من أهداف ثقافية. كأمثلة؛ لا تمنح البوكر لمؤلف يخبرنا كيف نكتب الرواية أو منهج في تعليم الرواية ولا تمنح نوبل لمؤلف مقررات تدريس الآداب أو راصد نظريات الآداب وإنما تمنح لمؤلف أو منتج ثقافي يضيف أفكاراً ورؤية تتجاوز التقليدي أو المألوف وتقدم تنويراً يتجاوز الكتب المدرسية، وأحياناً يتحدى السائد والرسمي. مهمة الثقافة التنوير وتناول الأسئلة الشائكة ثقافياً ومجتمعياً وسياسياً. الثقافة هي حرية الفكر والتجريب والآراء الجريئة خارج الصندوق بينما الأكاديميا محكومة بأطر منهجية تخصصية ضيقة ومحددة. الثقافة تطرح وتحلق بالأفكار والأكاديميا تحلل تلك الأفكار وتدرسها وفق أدواتها العملية التخصصية. المثقف يكتب القصيدة والأكاديمي يحللها وينقدها وفق أدواته المنهجية. تلك أبجديات تقود إلى ملاحظاتي حول جوائز وزارة الثقافة السعودية وغياب أية فلسفة أو شخصية فكرية أو كارزما ثقافية لها، واعتبار قيمتها المادية هي الأساس للسعي نحو الفوز بها وليس الرمزية والمعنى الثقافي. الجائزة منحت لكتب أشبه بمناهج أكاديمية أو تعليمية تقليدية مكانها قاعات الدرس، وهذا الأمر ليس مستغربا في ظل هيمنة الفكر الأكاديمي عليها؛ وفي ظل إدارة بيروقراطية تخشى مجابهة الأسئلة الصعبة فتركن للأسهل وتهتم بالحفل كعمل إداري لا علاقة له بالمفاهيم الثقافية التنويرية؛ وفي ظل الاعتماد على ترشيحات الناشرين التي تنطلق من مسوغات ترتبط بالعلاقات العامة والمكاسب المادية. كمشروع ثقافي مع تحفظنا على مكونها المالي وآلية توزيعه - كتبت عن ذلك مقالا بتاريخ 7 مارس 2018م- بدت الجائزة في دورتها الأولى معقولة حين منحت لرواية تتحدث عن قيادة المرأة ولكتاب حول الفن وآخر حول التحولات الجيوسياسية وهي جميعاً مواضيع عبرت عن جرأة في تبني مواقف تنويرية متقدمة في وقتها ولم تكن مجرد كتب مدرسية. لكنها انحرفت بشكل كبير، ورأيناها تقدم لكتب مدرسية أو أعمال ثقافية دون مسوغات فكرية واضحة. أي جائزة يجب أن تعلن فروعها وشروطها الثقافية قبلها بعام إلا جائزة وزارة الثقافة تقبل جميع الكتب وبعدها تقرر الجوائز بشكل يفتقد الشفافية في آلية اختيار فروع الجائزة وآلية تحكيمها. رصدت الجائزة مبلغ 100 ألف لشراء كتب من الناشر، ولوحظ شراء الكتب ووضعها في مستودعات الوزارة - كتب جائزة عام 2012 وزعت العام الماضي للأفراد، كيفما اتفق! الناشر يهتم للجوائز لترويج اسمه ومنتجه الجاذب للمؤلف والقارئ والناقد، لكنه هنا يهتم بالحصول على المبلغ المادي المباشر من الوزارة، وهذا الأمر يسهم في خلل الترشيحات وأغلبها يأتي عن طريق الناشرين وليس عن طريق مؤسسات ثقافية محايدة ومستقلة! طبعاً للوزارة الحق في تفنيد الآراء الناقدة للجائزة، لكن وجهة نظري هي ضرورة إعادة النظر في كافة تفاصيلها، بما ذلك إعادة تأسيسها من الصفر وفق رؤية ثقافية تتجاوز مجرد الماديات إلى القيم والمعاني والفلسفة التي تحملها.