باستطاعة البيانات التفصيلية أن تكشف معلومات استثنائية حول الاستخدامات التي تطبقها إيران في الآونة الأخيرة، وزيارة حسن روحاني للعراق تحمل سيلاً من الأسئلة، فهل تعتبر هذه الزيارة سياسية لفك خناق التحالف الأمريكي وإيجاد منفذ عبر العراق؟ وليست لتوطيد العلاقات الاقتصادية والسياسية كما قيل، ووسيط مؤتمن لربط المصالح المشتركة بين الدول الإقليمية، وذلك لن يكون سوى خلق دائرة تتمركز في قلبها تخدم مصالحها فقط. لن يجدي التركيز على مثل هذه الحقائق وتجاهل خطر النظام الإيراني وحجم الضرر الذي ألحقه بالعواصم العربية في ظل اتفاقيات مع أجندة تعمل في الداخل ذات شعارات وعناوين مضللة تعزز لملالي طهران دورهم على أرض العراق، وليس ثمة من جديد في مثل هذه المواقف وخطاب روحاني حمل رسالة واضحة أهمها اللعب على وتر الدين والطائفية والحث على ظهور أحزاب وطوائف جديدة لقوله: «علاقتنا مع العراق دينية تعود لآلاف السنين...». لو نحينا هذه العوامل جانباً، لا بد أن نذكر دائمًا أن الشعوب العربية هي الهدف، ودفعهم إلى حياة اليأس والاضطهاد والفقر والعجز وتدمير آمالهم وسرقة ثرواتهم النفطية، كقوة متحكمة في خيوط اللعب السياسية، كل هذا وغيره قليل من كثير يحمله روحاني حيث اجتمع في كربلاء مع رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، والأسبق نوري المالكي، ورئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، ومن ثم تسلم الجانب الإيراني القسط الأول من ديون الغاز والكهرباء على العراق، وقدره نحو 200 مليون دولار كما أعلنوا، وهو في الحقيقة عشرات المليارات من الدولارات. وقد قال المبعوث الأميركي الخاص بإيران، برايان هوك، في تصريح لقناة «الحرة» الأميركية إن «من المهم أن يتساءل العراقيون عن دوافع زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العراق». وأضاف هوك أن «الحكومة الإيرانية لا تضع الإيرانيين على سلم أولوياتها، فلماذا سيضع روحاني رفاهية الشعب العراقي على سلم أولوياته؟». لقد أصبحت هذه السياسة مدمرة ولم تكتف بإثارة الصراعات على أرض العراق وما خلفته من نهب وحرق وقتل، ولم تتخذ السلطات الموالية لطهران خطوات حاسمة لمواجهة هذا الخطر الداهم، واليوم يعززون لهم الأسباب والدوافع، وستظل وصمة الإرهاب باقية في تاريخ النظام، وتتكرر طالما أنه سيضع بغداد في مستنقع العقوبات. لا شك في أن المشهد السياسي العام هو تحقيق مكاسب اقتصادية إيرانية دون مقابل من المسؤولين العراقيين وتنازل بغداد عن مصالحها لصالح طهران في أفق ضبابي جنى منها انتقادات واسعة لهذه الزيارة، وما هي إلا ترجمة فورية للتوغل الإيراني في العراق. في الوقت الذي يعد حجم التبادل الاقتصادي اللامتكافئ بين البلدين حيث تدفع العراق المليارات بينما تبادلها إيران ببضائع رديئة ومخدرات يتم إغراق السوق العراقي بها. لنتجه أخيراً إلى الخطأ الفادح وهو استمرار التعاطي والتبادل مع نظام طهران من الدول العربية، فقد أصبحت إيران وتركيا بعد الثورات تتغذيان على الصراعات ومحورهما الأساسي هو الشرق.