منطقة الحدود الشمالية تضع السعودية ضمن أكبر الدول المنتجة للفوسفات عالمياً    ماذا تقدم بيضة واحدة أسبوعياً لقلبك ؟    «الصناعات العسكرية» تعرض ابتكاراتها في «آيدكس 2025»    تزامنت مع تباشير التأسيس.. الاختبارات بالثوب والشماغ    لمسة وفاء.. زياد بن سليمان العرادي    عبدالله المعلمي.. صوت العقل والرزانة في أروقة الأمم المتحدة    المملكة صانعة السلام    وزير الداخلية ونظيره اللبناني يبحثان مسارات التعاون الأمني    وزير الداخلية والرئيس التونسي يستعرضان العلاقات والتعاون الأمني    في الجولة الأخيرة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي يواجه الغرافة.. والنصر في ضيافة بيرسبوليس    في انطلاق الجولة 22 من دوري" يلو".. الجبلين في ضيافة الزلفي.. والعين يواجه البكيرية    2 % معدل التضخم في المملكة    هيئة العقار تشارك في «ريستاتكس الرياض»    حين يصبح الطريق حياة...لا تعطلوا الإسعاف    ضبط 5 وافدين في جدة لممارستهم أفعالا تنافي الآداب العامة في مراكز الاسترخاء    الاحتلال يواصل الاقتحامات وهدم المنازل في الضفة    تكريم الفائزين بجائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز في دورتها ال 12    قصة برجس الرماحي    تكريم المبدعين    تراجع مفهوم الخطوبة بين القيم الاجتماعية والتأثيرات الحديثة    عيد الحب.. بين المشاعر الحقيقية والقيم الإسلامية    10 مسارات إثرائية لتعزيز تجربة قاصدي الحرمين في رمضان    التعامل بحزم مع الاعتداء على «اليونيفيل».. السعودية تدعم إجراءات لبنان لمواجهة محاولات العبث بالأمن    تحذير من أجهزة ذكية لقياس سكر الدم    النفط ينهي سلسلة خسائر «ثلاثة أسابيع» رغم استمرار مخاوف الهبوط    المملكة العربية السعودية تُظهر مستويات عالية من تبني تطبيقات الحاويات والذكاء الاصطناعي التوليدي    وزير الاقتصاد: توقع نمو القطاع غير النفطي 4.8 في 2025    يانمار تعزز التزامها نحو المملكة العربية السعودية بافتتاح مكتبها في الرياض    الشيخ السليمان ل«الرياض»: بعض المعبرين أفسد حياة الناس ودمر البيوت    «سلمان للإغاثة» يدشن مبادرة «إطعام - 4»    أمير الشرقية يرعى لقاء «أصدقاء المرضى»    الحجامة.. صحة وعلاج ووقاية    محمد بن ناصر يدشّن حملة التطعيم ضدّ شلل الأطفال    يوم «سرطان الأطفال».. التثقيف بطرق العلاج    ملّاح داكار التاريخي.. بُترت ساقه فامتدت أسطورته أبعد من الطريق    الرياض.. وازنة القرار العالمي    "أبواب الشرقية" إرث ثقافي يوقظ تاريخ الحرف اليدوية    مسلسل «في لحظة» يطلق العنان لبوستره    عبادي الجوهر شغف على وجهة البحر الأحمر    ريم طيبة.. «آينشتاين» سعودية !    الترمبية وتغير الطريقة التي ترى فيها السياسة الدولية نفسها    الملامح الست لاستراتيجيات "ترمب" الإعلامية    بيان المملكة.. الصوت المسموع والرأي المقدر..!    القادسية قادم بقوة    يايسله: جاهزون للغرافة    الحاضنات داعمة للأمهات    غرامة لعدم المخالفة !    منتدى الاستثمار الرياضي يسلّم شارة SIF لشركة المحركات السعودية    الأهلي تعب وأتعبنا    أمين الرياض يحضر حفل سفارة كندا بمناسبة اليوم الوطني لبلادها    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل العام لدولة الكويت    بموافقة الملك.. «الشؤون الإسلامية» تنفذ برنامج «هدية خادم الحرمين لتوزيع التمور» في 102 دولة    أمير نجران يكرّم مدير فرع هيئة حقوق الإنسان بالمنطقة سابقاً    "كبدك" تقدم الرعاية لأكثر من 50 مستفيدًا    جدد رفضه المطلق للتهجير.. الرئيس الفلسطيني أمام القمة الإفريقية: تحقيق الأمن الدولي يتطلب دعم مؤتمر السلام برئاسة السعودية    عدم تعمد الإضرار بطبيعة المنطقة والحياة البرية.. ضوابط جديدة للتنزه في منطقة الصمان    استمع إلى شرح موجز عن عملهما.. وزير الداخلية يزور» الحماية المدنية» و» العمليات الأمنية» الإيطالية    عبدالعزيز بن سعود يزور وكالة الحماية المدنية الإيطالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحياة الفطرية في العصر البلاستيكي
اليوم العالمي للحياة الفطرية (2019م)
نشر في الجزيرة يوم 13 - 03 - 2019

يحتفل العالم سنوياً في الثالث من شهر مارس باليوم العالمي للحياة الفطرية، وقد اختير هذا التاريخ من قبل الجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة خلال اجتماعها الثامن والستين في ديسمبر من عام 2013م، ويرجع اختيار هذا اليوم لأنه يوافق تاريخ توقيع اتفاقية التجارة الدولية بالأنواع المهددة بالانقراض من الحيوانات والنباتات البرية والمعروفة باتفاقية «سايتس CITES *»، كما تم اختيار سكرتارية اتفاقية سايتيس لإدارة هذه الفعالية مع الدول الأعضاء بالاتفاقية، ويهدف هذا الاحتفال إلى نشر الوعي للحفاظ على الحياة الفطرية وموائلها (بيئاتها)، وفي كل عام يتم اختيار موضوع للاحتفال، وفي هذا العام (2019م) تم اختيار شعار: «لنحمي الكائنات البحرية في الأعماق من أجل البشرية وكوكب الأرض»، كما ركز القائمون على الأيام البيئية لهذا العام على موضوع أثر النفايات البلاستيكية على البيئة، ولمشاركة العالم في هذا اليوم والتعريف بالأثر الضار للبلاستيك، أحببت أن أتحدث في هذه المقالة عن تأثير النفايات البلاستيكية على البيئة والحياة الفطرية من خلال سرد قصتي مع نادلٍ بمطعم والماصات البلاستيكية.
النادل والماصات البلاستيكية
بدأت القصة عندما توجهنا لمطعمٍ لبناني بخانة المطاعم بمبنى الأوبرا بالكويت للاحتفاء بنجاح ورشة العمل للقوائم الحمراء والتي أقامتها الهيئة العامة للبيئة بدول الكويت، تزامناً مع اليوم العالمي للحياة الفطرية، وقد استقبلنا النادل على باب المطعم ورحب بنا بلهجة لبنانية جميلة، ليجلسنا على طاولة بمدخل المطعم لنحصل على الدفء في هذه الأجواء الباردة وليتيح لنا الفرصة لنرى ما يدور في ساحة مبنى الأوبرا ونشاهد نافورة الماء وهي تتطاير في السماء وتتراقص مع النغمات الموسيقية الشرقية والغربية والتي تعمل لمدة لا تزيد عن الدقيقة كل نصف ساعة.
قدم لنا النادل كتيبات لقائمة الطعام، ونحن بدورنا سلمناها لمستضيفتنا من الهيئة العامة للبيئة الأستاذة شريفة السالم لتختار لنا الطيب من الطعام ولنستمتع نحن بالأجواء ورقصات الماء بالهواء المتناغمة مع إيقاعات الموسيقى للمطرب الكويتي نبيل شعيل أشعرتنا بوجودنا بالكويت، أرض الخير والكرم والناس الطيبة. وبينما مضيفتنا تنظر للقائمة طلب منا النادل اختيار العصائر الطازجة، فاختار كل منا ما يناسبه وقلت بلهجتي الحجازية «لو سمحت جيب العصير بدون مصاصات البلاستيك»، ذلك رغبةً منا أن نسهم ولو بالقليل للحفاظ على البيئة من خلال تخفيف استهلاكنا للبلاستيك.
لكن طلبنا هذا غير حال نادل المطعم فتحولت وقفة الوقار المعروفة لدى من يعمل في هذه المهنة عند محادثة الزبائن، إلى حالة من هستيريا الضحك، كيف لا! وقد تعود أن يصرخ عليه الزبائن لعدم جلبه لكميات أكثر من الماصات البلاستيكية فوق حاجتهم، بل إن البعض يطلب منه جلب عدد يزيد عن عدد العصائر حتى يتذوق الجميع كل ما يطرح على الطاولة من المشروبات، حاول أن يسترجع حالته الطبيعية ويسألنا مرة أخرى من خلال إماءة رأسه وكأنه يقول أمتأكدون أنتم!.. فأجابه جميع من على الطاولة بكلمة واحدة «بدون ماصات بلاستيكية»، فعادت إليه حالة الضحك الهيسترية، وابتعد عنا وهو يترنح من الضحك ليعود مرة أخرى وقد جلب العصائر بوقت قياسي لم نكن نتوقعه، وقبل أن يوزع علينا العصائر قدم إلينا خمساً من الماصات البلاستيكية وهو في حالة من الضحك، عل أحدنا يرجع عن هذا الأمر، ولكنا أصررنا على موقفنا فما كان منه إلا أن قدم لنا العصائر وأصوات ضحكاته المتلاحقة ونظرات الدهشة والاستغراب على مُحياه ولسان حاله يقول من هؤلاء الغرباء؟ ولماذا يرفضون بشدة استخدام الماصات البلاستيكية؟.
لقد أكد لنا هذا الموقف كم نحن بحاجة لزيادة برامجنا التوعوية التي تبين خطورة النفايات البلاستيكية، ليس على البشرية فحسب ولكن أيضاً على البيئة والأنظمة المكونة لها والموائل البحرية والبرية، وما تحويه من حياة فطرية، وبينما ضحكات النادل تتردد بأرجاء المطعم، توجهت أنظار المجموعة على الطاولة صوبي وكأنهم قد اتفقوا مسبقا أن أقوم أنا بالشرح للنادل عن أسباب رفضنا للماصات البلاستيكية، وتقديم وجهة نظرنا في التعامل مع المنتجات البلاستيكية؟ ولماذا علينا أن نقلل قدر المستطاع من استهلاكنا لهذه المنتجات؟.
حجم النفايات البلاستيكية بالبيئة
لم تكن مهمتي سهلة فلا أعلم إن كنت قادرا على شرح ذلك للنادل البسيط، ولكني تسلحت بوجود خبراء من الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN)، وعلى رأسهم مديرها الإقليمي بالشرق الأوسط الدكتور هاني الشاعر على الطاولة ليقدم لي الدعم عند اللزوم، فاستعنت بالله وطلبت من النادل الاقتراب مني لأبرر له رفضنا لاستخدام الماصات البلاستيكية، فقلت له وأنا أتحزم بخبرتي في التدريس: تعرف يا خويا أن البلاستيك هو من أكثر المواد المستخدمة بالعالم وفي مجالات عديدة، وحجم إنتاج العالم السنوي من البلاستيك يصل لأكثر من 300 مليون طن، ومعظم هذه الكمية المستخدمة لأغراض بشرية تستخدم لمرة واحدة فقط، وتترمى بعدها بالبيئة والمصاصات البلاستيكية هذه من بين النفايات البلاستيكية، نظر إلي بعينه الجاحظة وابتسم وقال: طب شو ما فهمت..، فاسترسلت بالحديث قائلاً: وهذه المواد البلاستيكية التي ترمى بالبيئة لا تتحلل بسرعة، بل تبقى لسنين طويلة حيث تقدر فترة تحللها من 20 إلى 500 عام، كما أنها تنتقل للبيئة بسهولة ويعم أثرها السلبي على النظم البيئية بشكل عام، مما يسبب تهديداً خطيراً للحياة الفطرية خاصة البحرية، وتقدر دراسة علمية منشورة أن كمية النفايات البلاستيكية التي تستقبلها البحار والمحيطات سنوياً حوالي ثمانية أطنان، وأن هناك خمسة تريليون قارورة بلاستيكية ضمن النفايات موجودة بالبيئة لم يتم التخلص منها لصعوبة تحللها فعليك تخيل تراكمها بالبيئة البحرية وأثره على الكائنات البحرية وكذلك على الإنسان.
لم يمهلني النادل لأكمل حديثي ليستأذن لجلب الوجبة الرئيسية وذهب مبتعداً وأحسبه لن يعود ليستمع إلى محاضرتنا عن أضرار البلاستيك، عندها تدخل د. هاني وقال أتعلم يا أبو فيصل! إن النفايات البلاستيكية ظهرت بكميات بسيطة في الفترة بين عام 1950م الجزيرة 1970م، ومع دخول عام 1990م تضاعفت هذه النفايات ثلاث مرات عما كانت عليه من قبل، ولم يأتي عام 2000م حتى زادت أكثر وبدأت تُظِهرْ آثاراها الخطيرة على البيئة، ويقدر الباحثون أن ما نسبته 60 % من النفايات المنتجة من عام 1950م هي نفايات بلاستيكية ينتهي المطاف بها بالبيئات الطبيعية، والنظم البيئية يصعب عليها التخلص منها، وإذا علمنا أن حوالي 99 % من النفايات البلاستيكية تم إنتاجها من مواد كيميائية مصدرها النفظ والغاز الطبيعي والفحم وهذه أغلبها مصادر غير متجددة، ونسبة ما يتم إعادة تدويره من النفايات البلاستيكية تصل فقط إلى 9 % فقط، وأن هناك حوالي 12 % يتم التخلص منه عن طريق الحرق، أما الباقي والذي تصل نسبته تقريبا حوالي إلى 79 % فهي ترمى بالبيئات الطبيعية.
أتعلم يا د. هاني أن دراسة في منطقة أبحر بمدينة جدة أشارت أن 75 % من نفايات المتنزهين هي نفايات بلاستيكية، وأن كمية النفايات التي تم استخراجها من قبل غواصين من أمام الواجهة البحرية بكورنيش جدة العام الماضي وصل لأكثر من خمسة أطنان من النفايات.
أخرج حديثنا هذا مستضيفتنا خبيرة اتفاقية سايتس بالعالم العربي أ. شريفة السالم من حديثها الجانبي عن الأطعمة مع خبيرة الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة المنهمكة في تذوق المقبلات الشرقية من حمصٍ وتبولة وكبة وما أدراك ما الكبة... لتخبرنا عن اهتمام المنظمات والهيئات الدولية الحكومية منها وغير الحكومية بهذا الموضوع، فقد ذكرت لنا أن هناك قرارات عديدة صدرت من قبل بعض الاتفاقيات الدولية المهتمة بالحياة الفطرية تتعلق بموضوع النفايات البلاستيكية بالتحديد، وتطالب معظم هذه القرارات حكومات الدول للعمل مع الاتفاقيات الدولية البحرية لتقيل أثر النفايات البلاستيكية على الكائنات البحرية ومنها القرار 9-6 من اتفاقية الطيور المائية المهاجرة بين أفريقيا وآسيا وأوروبا، كذلك قراري اتفاقية الأنواع المهاجرة رقم 4-10 الجزيرة 30-11 واللذان يشيران إلى أهمية تعاون الدول مع الجهات الدولية والإقليمية لتقليل النفايات وأثرها على البيئة البحرية.
أثر النفايات البلاستيكية على الحياة الفطرية
ارتفعت أنغام الموسيقى وبدأت نافورة الماء بالتراقص فانْكَفَأ الجميع بتناول المقبلات اللبنانية اللذيذة من حمصٍ ومحمرةٍ وأطباق لا أعرف اسمها لكن لا يمكن أن أنسى طعمها للذاذتها، وما هي إلا لحظات حتى داعبت أنوفنا رائحة الشواء المنبعثة من أطباق اللحوم المشوية التي بدأ النادل بوضعها بين أيدينا، وما أن انتهى من ذلك اقترب من مجلسي على الطاولة وبلهجته اللبنانية وجه لي حديثه قائلاً: احكي لكان شو إصيتكو مع البلاستيك؟، نظرت إليه وقلت في نفسي ربما هذه فرصة لأعطي لمعدتي وقتا لهضم تلك المقبلات الشهية، ولم أحسب حساباً لأطباق المشويات، نظر الجميع باتجاهي كاتمين ضحكاتهم، وحال لسانهم يقول أكمل ما بدأته، فاستعنت بالله وطلبت من النادل الاقتراب من مجلسي على الطاولة.
بدأت حديثي مع النادل وعيون الجميع ترمقني فقلت له: أتعلم يا أخي العزيز أن هناك ثمانية ملايين طن من البلاستيك تصب بالبحار والمحيطات سنويا، وهي تمثل حوالي 90 % من النفايات التي تصب بالبحر، حتى الأنهار الكبيرة حول العالم لم تسلم من هذه النفايات، كما أنها سبب في سد مجاري الصرف الصحي وهذا يزيد من تراكم المياه داخل المدن وتعطل السير وفق كل ذلك تزيد البرك الناتجة من هذه الانسدادات مصرفات مياه الأمطار من انتشار البعوض والذباب مما يزيد من نسبة الإصابة بالأمراض المعدية. كما أن بعض هذه النفايات تطفو على سطح المياه وتحملها الأمواج بعيداً وسط البحر فتحسبها الحيتان والأسماك غذاء فتلتهمها ويتسبب ذلك في نفوقها، وقد سجلت مجموعات متفرقة من الحيتان والأسماك والسلاحف البحرية والطيور نافقة على شواطئ العالم بسبب هذه النفايات، والتي تشكل الماصات البلاستيكية جزءاً من هذه النفايات. كما تفيد دراسة قامت بها هيئة البيئة والمحميات الطبيعية بأمارة الشارقة (الإمارات العربية المتحدة) ونشرت في مجلة علمية متخصصة بالتلوث البحري أن 86 % من السلاحف الخضراء المهددة بالانقراض والتي وجدت عالقة أو ميتة، ابتلعت مخلفات بحرية تكون معظمها من البلاستيك، وتضمنت الحبال، والنسيج، والأعواد القطنية، والأكياس البلاستيكية المنسوجة والعادية، والخيوط، والخطافات، والشِبَاك، والفخاخ المخصصة لصيد الأسماك، كما غلب اللون الأبيض أو الشفاف على المخلفات التي ابتلعتها تلك السلاحف، نتيجة عدم قدرتها أحياناً على تمييز البلاستيك الأبيض أو الشفاف واعتقادها بأنها قناديل البحر.
ولا يتوقف خطر النفايات البلاستيكية عند هذا الحد، لكن هناك البلاستيك ذو الأحجام الصغيرة، ويعرف بالميكروبلاستيك وهو نوعان: ميكروبلاستيك أولي، والآخر يعرف بالميكروبلاستيك الثانوي، بالنسبة للأول (الميكروبلاستيك الأولي): فهو ينتج من تحلل بقايا النفايات البلاستيكية الكبيرة نتيجة تفاعلات فيزيائية وكيميائية وبيولوجية لتكون لدائن صغيرة بحجم النانو وهذه النوعية خطيرة جداً للإنسان والحياة الفطرية الأخرى، وقد وجد هذا النوع من الميكروبلاستيك في خياشيم الأسماك بالبحر الأحمر، حتى أنواع من براغيث الماء (حيوانات قشرية تنتمي لرتبة المفصليات)، لم تسلم من هذه النفايات البلاستيكية فقد وجدت داخلها، ولازلت أتذكر التقرير العلمي لقناة البي بي سي (BBC) البريطانية والتي أشارت إلى وجود بلورات بلاستيكية في القناة الهضمية لأنواع من الأسماك الصغيرة والتي تتغذى عليها أسماك وطيور، مما يؤدي إلى انتقالها إلى هذه الكائنات الفطرية.
أما الميكروبلاستيك الثانوي فهو: عبارة عن لدائن صغيرة الحجم أقل من 5مم والناتجة من غسيل المنسوجات وكذلك من الأدوية والرعاية الصحية، ومواد غسيل الوجه والجسم، والتي تنتقل جميعها عبر مجاري الصرف لتصل إلى محطات معالجة المياه ومنها إلى الأودية والأنهار لتصل للبحر لتدخل في النظام البيئي البحري ومنها للأسماك لتصل في نهاية المطاف إلى الإنسان والحياة الفطرية البحرية، مما يؤدي إلى إصابات بأمراض خطيرة تؤدي لا سمح الله للوفاة.
وتتأثر الكائنات الحية بالبلاستيك من خلال بلعها له أو تشابك أجزاء من أجسامها بها فتعيق حركتها، ويمكن أن يؤدي بلع القطع الكبيرة إلى تراكمها في قناتها الهضمية لعدم قدرتها على هضمها، مما يقلل من حجم القناة الهضمية المتاح للغذاء الصحيح، مما يمكن أن يجعلها تموت من شدة الجوع، كما أن وجود قطع حادة بالقناة الهضمية قد يؤدي إلى جرح أو قطع بالقناة الهضمية مما قد يؤدي إلى نفوق هذه الحيوانات. بالإضافة لذلك فقد يؤدي تحلل بعض هذه المواد البلاستيكية إلى تحلل مواد سامة داخل جسم هذه الحيوانات مثل فثالاتيس (Phthalates)، البروميناتيد فلام ريتاردانيتز (Brominated flame retardants)، وغيرهما من المواد السامة ذات التأثير الخطير على الإنسان والحياة الفطرية، ومنها مادة البيسفينول أو ثنائي الفينول «ب ب أيه» التي تحاكي هرمون الأستروجين الأنثوي وهي من أكثر المكونات البلاستيكية خطورة حيث تعيق عمل الغدد الصماء مما يؤدي إلى تغيرات هرمونية خطيرة، وقد أظهرت دراسة معملية على حوالي 115 حيواناً، أن ما نسبته 81 % من هذه الحيوانات ظهر عليها تغيرات سلوكية واضحة حتى تلك التي تعرضت لأدنى مستوى من ال»ب ب أية.
لم أكمل جملتي حتى وقف النادل وتغيرت تعابير وجهه وانقلبت تلك الضحكات الهستيرية إلى غضب مخلوط بحزن وبدأ يضرب يده متحدثاً بصوت عالٍ بلهجته اللبنانية يا خيي شو هالحكي، أنا عمري ما أووست على نملة، ومن تحت رأس هالمصاصات البلاستيكية أتلنا كل إشيء.. لك بلاها خَلَصْ ما بِدْنَا مصاصات.. ما بِدْنَا مصاصات، وذهب مبتعداً وهو يتمتم.. ما بدنا مصاصات.. بلاها.. ما بدنا مصاصات.. بلاها..، وقبل أن يختفي داخل مطبخ المطعم التفت إلينا وقال يا خي.. شو هالحكي ذا زمن البلاستيك.
كيف نحمي أنفسنا من العصر البلاستيكي؟
لم نتمالك أنفسنا من الضحك من تصرف النادل لكنه أصاب فيما قال، فعلماء الجيولوجيا قد ذكروا أنه من كثرة النفايات البلاستيكية يمكن أن تمثل طبقة جيولوجية تدل على هذا العصر، وهذا يجعلنا نطلق مجازاً على عصرنا الذي نعيش فيه بأنه العصر البلاستيكي، خاصة مع زيادة اعتماد البشرية على الأدوات البلاستيكية، فنفايات عزائمنا تزخر بكميات هائلة من البلاستيك، حتى مواشينا التي نأكل لحومها لم تسلم من البلاستيك، كذلك الحيوانات البرية أخذت نصيبها وفقد سجل نفوق الكثير منها نتيجة ابتلاعها للنفايات البلاستيكية، وقد سجلت دراسة على المها العربي وغزال الريم أسباب نفوق أعداد منهما يرجع بسبب أكلها للبلاستيك، ولازلت أتذكر ذلك المها العربي التي وجد بداخل أحشائه قرابة خمسة كيلو جرامات من البلاستيك.
الحقيقة أن موضوع النفايات بشكل عام والنفايات البلاستيكية بشكل خاص من المواضيع التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في برامج التنمية، ونتأمل الكثير خاصة بعد أن أدرج موضوع النفايات ضمن إستراتيجية البيئة بالمملكة، والتي تأخذ بالاعتبار برامج التدوير للنفايات كذلك تطوير مواقع النفايات لتكون مثالية وصحية ويقل تأثيرها على البيئة والحياة الفطرية، ومع انتشار فكرة السياحة بالمناطق المحمية ربما علينا التذكير لأخذها بالاعتبار فلربما يغفل عنها مطورو المحميات لتشمل برامج تطويرية لمرامي النفايات حول المدن والقرى المجاورة للمناطق المحمية، وليس فقط بالمدن الكبيرة حتى لا تتأثر الحيوانات البرية بهذه المحميات. بالإضافة لذلك يجب أن تتضمن خطة التنمية حول المناطق المحمية برامج توعوية طويلة المدى، لخفض استخدام البلاستيك، ولربما آن الأوان أن نعود لحمل أغراضنا بالزمبيل الذي كنا نستخدمه قديماً. كذلك ربما يجب على الجهات العلمية والبحثية زيادة الدراسات والأبحاث لتطوير مواد قابلة للتحلل، والحمد لله فالعالم يعمل بشكل جدي لتحقيق ذلك، حتى في وطني الحبيب فهناك علماء وباحثين يمكن أن يحدثوا النقلة لإيقاف تمدد طبقة العصر البلاستيكي.
** **
- مستشار بالهيئة السعودية للحياة الفطرية
- عضو هيئة التدريس بقسم الأحياء، كلية العلوم، جامعة الطائف
- عضو اللجنة العلمية الاستشارية لمذكرة التفاهم للمحافظة على الطيور الجوارح والبوم المهاجرة بين أفريقيا وأوروبا وآسيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.