توفي الحسن بن الهيثم في عام (1039/430) وهو عالم فذ في تاريخنا الحضاري وقد برع ابن الهيثم في علم البصريات الذي يعد اليوم من فروع علم الفيزياء، وهو يتناول الدراسات المتعلّقة بالضوء وانعكاسه وشعاعه وما يرتبط به من صناعة العدسات (المرايا) وتكوين الصورة، ويتجلى علمه في كتابه الموسوعي (المناظر) وبينما أخذت البعض رياح العاطفة بعيداً فزعموا أن ابن الهيثم هو الذي اخترع الكاميرا وأنه أسماها (القمرة) نسوا أن الاختراعات لا تنبت فجأة كالفطر، بل تأتي نتيجة لتراكم عدة تجارب مضنية عبر زمن طويل ومسار شاق، ومنطق تقدم العلم يقول لنا إنه لا بد من قطع مسافة زمنية طويلة بين النظرية وتطبيقاتها التي هي الاختراع الذي يبنى على تظافر جهود عدة علماء ومخترعين ليخرج الاختراع على يد أحدهم يوماً ما. ومن هنا لا بد أن نحدِّد الدور الذي ساهم به ابن الهيثم في الوصول إلى اختراع الكاميرا الذي حدث بعده ب 8 قرون. لقد تحدث ابن الهيثم في كتابه (المناظر) عن تصحيح للنظرية القديمة القائلة: بأن العين تبصر الأشياء بواسطة الضوء الخارج منها. فبين خطأها وقرّر أن العين آلة إبصار ترى الأشياء بالضوء الساقط عليها من مصدر خارجي كالشمس والقمر وغيرهما، وبنى على هذا الاكتشاف المبدأ العلمي الذي تقوم عليه عملية التصوير الضوئي (الشمسي) الذي لم ينجح تماماً إلا في عام 1827م، وكان ابن الهيثم قد أبدع في رصد وتحليل ظاهرة طبيعية تتمثَّل في دخول شعاع الضوء من ثقب في باب البيت وانعكاسه على الجدار المواجه، وقال إنه كلما ضاق ذلك الثقب تركز الضوء وأنار بفاعلية أكثر، وراقب ابن الهيثم ووصف الضوء المتكون على جدران البيت وأرضيته وتحدث كذلك عن مواصفات السطح المعتم (الكثيف) والفعّال الذي ينعكس عليه ذلك الضوء القادم من خارج البيت إلى داخله عبر ذلك الثقب، وقال إن الشعاع يستمر مستقيماً لا يقطعه إلا جسم معتم وأن الجسم المناسب لانعكاس الضوء يجب أن يكون صفيحاً صقيلاً من الفضة، وهي ذات مواصفات اللوح الذي استخدمه الفرنسيان نيبس وداجير في تجاربهما على التصوير الضوئي بعد 8 قرون. وفي وقت لاحق وبعد قرون وعبر ترجمة كتاب (المناظر) لابن الهيثم إلى اللغات اللاتينية واللغات الأوربية الحيّة اقتبس مخترعي أوربا نظريات ابن الهيثم من كتابه ذاك واستلهموا دراساته للضوء ومواصفات الثقب والسطح المستقبل للضوء ... إلخ. فنجحوا في تصميم جهاز بدائي سمي (الصندوق ذا الثقب) وهو جهاز يشبه جهاز البروجكتر لعرض الصور المعتمة وهذا (الصندوق) هو السلف المباشر لما نعرفه اليوم بالكاميرا، والفرق بين الصندوق والكاميرا هو قدرة الكاميرا على حبس الصورة النافذة مع الضوء عبر ذلك الثقب الصغير، بينما في الصندوق نحصل على تلك الصورة المنعكسة ولكن لا يمكن الاحتفاظ بها. وفي هذا السبيل أجرى الإيطالي ليونارد دافنتشي تجاربه على (الصندوق ذا الثقب) قرابة عام 1500م معتمداً على ترجمة كتاب المناظر لابن الهيثم، وفي عام 1660م طور الإيرلندي روبيرت بويل دراسات ابن الهيثم على الصورة الضوئية بتطبيقها على ذلك (الصندوق)، ثم جاء الألماني جوهان تزان عام 1685م وطور جهود بويل، ولكن هذه التجارب لم تنجح في حبس الصورة المتكونة داخل (الصندوق) والاحتفاظ بها. حتى جاء الفرنسي (جوزيف نيبس) وأجرى تجاربه على ذلك الصندوق فنجح عام 1827م في حبس الصورة الداخلة إلى ذلك الصندوق من الثقب على لوح من الفضة مطلي بالزفت (القار)، وحصل على أول صورة ضوئية شمسية في التاريخ البشري. ثم بعد وفاة نيبس أكمل مواطنه لويس داجير تجاربه بواسطة (الصندوق) على لوح من فضة مطلي باليود فحصل على صورة ضوئية شمسية أفضل عام 1837م. وبهذا ندرك تماماً أن ابن الهيثم لم يخترع الكاميرا كما يزعم البعض، بل يعود له الفضل في وضع المبدأ العلمي الذي تقوم عليه عملية التصوير الضوئي (الشمسي)، فكانت دراساته، بل مصطلحاته وأدواته (مثل: الضوء - الانعكاس - الثقب - الشعاع - صفيح الفضة) في النسخة المترجمة من كتابه (المناظر) هي الملهم عبر القرون لتطوير اختراع التصوير الضوئي في أوربا، وبهذا تم اختراع الكاميرا وإخراج أول صورة ضوئية شمسية للبشرية بعد وفاة ابن الهيثم ب 788 سنة. ** **