ما من شك في أن الملاحق الثقافية شكلت أرضية مهمة لكثير من الأدباء في العالم العربي من المحيط للخليج، وكانت مع المجلات الأدبية المكان الأنسب، وربما الوحيد لينشر الشاعر أو القاص أو الناقد مادته الأدبية من خلاله. والحق أن هذه الملاحق الأسبوعية قدمت عدة أسماء، ورفدت تجاربهم، أسماء، غدت فيما بعد علامات ثقافية في بلادها، وبعضها تجاوز الحدود المحلية. استمر هذا الدور الريادي للملاحق نحو نصف قرن أو أكثر، حتى حلول الألفية الثالثة، وظهور الشبكة العنكبوتية بكل تجلياتها وشراستها، بداية من المنتديات، وليس انتهاءً بتويتر والفيس بوك والسناب شات وأخواتها، ما أدى بكثير من الملاحق والصحف الورقية العريقة إلى التوقف، ولم تستطع أن تقاوم هذه العاصفة الرقمية - جريدة السفير اللبنانية، وملحق النهار الذي بلغ من العمر زهاء أربعين عاماً، مثالان لذلك. ما يؤسف له أن «الملحق الثقافي» في أي صحيفة ورقية هو أضعف الحلقات، وأول القرابين تحت مجزرة الإعلان، ولا يمكن لأي ملحق أدبي أن يصمد طويلاً أمام زحف الخبر السياسي أو التحليل الاقتصادي، وغني عن القول إنه لا يدخل في منافسة مع أخبار الرياضة ونجومها. وهو، أعني الملحق الثقافي، أولى الضحايا في زمن الأزمات المادية لأية مطبوعة. بيد أن ملحقاً مثل الجزيرة الثقافية، وهو يصل إلى هذا الرقم الفلكي، (بلغت أعداده 600) لا يني يضطلع بدوره التنويري، مقاوماً كل الصعوبات، والتحديات التي جابهت الصحف الورقية عموماً، وليس الملاحق الثقافية فحسب. هذا الملحق الذي أثبت طوال سنين عديدة أنه قبلة المثقفين السعوديين والعرب على حد سواء، كيف لا، وهم يصافحون محتوياته الثرية أسبوعياً، أقول الثرية، لأنه وقف على مسافة واحدة من الجميع، واستوعب أغلب الاتجاهات والتيارات الأدبية، مؤمناً أن الثقافة ليست حكراً على أحد، وأن فضاء الإبداع يتسع لكل الأطياف. يجدر بنا أن نقول بهذه المناسبة التي يحق لكل مهتم بالشأن الثقافي الفخر والاعتزاز بها، أن هذا الملحق بقيادة المثقف الوطني الأستاذ المبدع إبراهيم التركي، نهض بأدوار مشرفة في خدمة المشهد الثقافي السعودي، أدوار ريادية، يفترض أن تتبناها في العادة مؤسسات ثقافية، لا ملحقاً أسبوعياً، إذ كرّم كثيراً من القامات والوجوه الأدبية، وأفرد لها عدة صفحات، وأعادها للذاكرة، رموزاً سعودية، كاد يمحوها الزمن ويتجاهلها التاريخ، لولا الضوء الحميم الذي سلطته مؤسسة الجزيرة ممثلة في هذا الملحق، على حياتهم وتجاربهم، ليس على المستوى المحلي فحسب، بل عربياً كذلك، ومن منا لا يتذكر العدد التاريخي الذي خص به الملحق الشاعر الكبير محمود درويش، قبل رحيله، الشيء الذي أدهش صاحب «كهر اللوز أو أبعد» وبعث عقب ذلك برسالة شكر للملحق. على الرغم من الصعوبات المالية التي تواجه الصحف عموماً، وتحديات الإعلان التجاري، وذهاب كثير من المبدعين إلى شبكات التواصل، وعزوفهم عن النشر الورقي، لا يزال هذا الملحق كنجمة وحيدة في ليل بهيم. ** **