ثمة ارتباط معنوي بيني وبين جريدة الجزيرة، فهذا الاسم ارتبط في ذاكرتي منذ الصبا فحينما رأيت العنوان لأول مرة اختزلته في مكان ميلادي، حيث إنني من مواليد جزيرة تاروت بالمنطقة الشرقية، وبلغني بأن ميلاد الصحيفة يصادف سنة ميلادي عام 1960م،حروفها لها رنة في أذنيفكم تغنى به وجداني ردحاً من زمن شقاوة الطفولة، عنوان أخذني حيزاً من فرح، ونسمة هواء عليلة لموطن يعانق الزرع والبحر والأثر، عنوان قلبته مرات ببراءة عهدي بالمتخيل المكانياستشعرت بالانتماء إليه، وبمرور الوقت، توسعت مداركي لأفق أوسعأدركت حجم عنوان الصحيفة، بانتمائها لشبه الجزيرة العربية، المنعكس على جغرافية حدود الوطن،اشتقاق اسميحمل عمق التاريخ ويتمثَّل عراقة الأرض ودلالتها الحضارية. وقبل أن يودعنا القرن الثالث عشر الهجري بشهرين، وتحديداًفي شهر ذي القعدة من عام 1399 أشد رحلي للرياض للدراسة فيمعهد التربية الفنية للمعلمين، القابع في حي الناصرية، قضيت ثلاثة أعوام، منهمكاً بالدراسة ومأخوذاً بأضواء العاصمة من بشر وعمران وصخب وشيء من الانفتاح، ارتحل لسينما الأندية في ليالي العطل الأسبوعية، حينها عايشت حمى التشجيع على مدرجات ملعب الملزفأصابني الجدل والتعصب الرياضي واقعاً وعبر الصحف والمجلات وللجزيرة كان لي نصيب من متابعة تغطياتها وتحليلاتها الرياضية. تقودني خطاي في فترة الصباح قبل الدخوللقاعة الدرس أو وقت الفسح، أقف على عجل مع زملاء الدراسة لتناول (السندويش) من (بوفيه) على ناصيةالشارع بالقرب من أسوار المعهد، وفي كل مرة نشم رائحة الأحبار والأخبار المنبعثتين من دار صحيفة الجزيرة، الملاصق (للبوفيه)، نشتري الجريدة الطازجة كما الأكل نقضم الطعام ونلتهم العناوين والكلام، أدمنا الاطلاع على صحيفة الجزيرة بشكل يومي ونحن طلاب يافعون، جذبتنا الصفحة الأخيرة المؤطرة برسمة يومية لفنان الكاريكاتير الأستاذ علي الخرجي، رسومات معبرة تحمل نقداً ساخراً على واقعنا الاجتماعي وعلى واقعنا العربي المتأزم جراء اتفاقية كامب ديفد والحرب الأهلية اللبنانية، والحرب العراقية الإيرانية، وكذلكالشؤون الدولية وخصوصاً الحرب الباردة، كنا نشتاق لرؤية كل رسمللخرجي، ونتمثّل عوالمه كفنانين صغار نشق دربنا نحو انسيابية الخطوط الرشيقة في الرسم، نتجادل عن فحوى بعض رسومات الخرجي، عن دلالتهامغزاها، الأمر الذي شجع أحد زملائنا بمحاولة جادة لرسم لوحات كاريكاتورية، وتزيدفرحتنا حين تنشر الجزيرة رسماً له على إحدى صفحاتها الداخلية، مذيلة كل رسمة ب(عبدالعزيز العدوان). تلك الرسوم، أوجدت علاقة متأصلة بينيوبين الصحيفة، وارتقت لمستويات أعلى ومداومة علىقراءتها حين تقلّد الأخ الفنان محمد المنيف زمام الإشراف على صفحة الفنون التشكيلية للاطلاع على مستجدات ساحتنا التشكيلية السعودية، منذ نهاية السبعيناتالميلادية، متابعة مستمرة طول العقود الأربعة،وتطور الأمر بحرص أشد، حين دشَّنت الجزيرة ملحقها بعنوان (الثقافية) المميز على كل صحف الوطن، نتلقفه صباح كل يوم سبت،ننبش صفحاته المتنوعة المحتويلمادة ثقافية دسمة، نلتهم الأسطر التي تسمن من جوع وتغني الذائقة بما لذ وطاب عبر وفرة أقلام محلية وعربية، تم اختيارها بعناية، كل يغني بمقالاته بأنغام وصل ووجدباستلهام ومضات من التراثيات النائمة في بطون التاريخ وبسطها في عيونالحاضر، وبين أقلامتحمل هموم الأدب والفكر المعاصر، وأخرىتسلط الضوء علىشخصيات امتهنت الوعي الثقافيمحليا وأخرى عربيا وعالميا. وللفن التشكيلي النصيب الأكبر في بسط ولائمه الفنية بدء بالغلاف الذي يأخذ رونقه الشكلي من لوحات ممهورة بأنامل فناني وفنانات الوطن، تعريف مستحق وترسيخ لمكانة الفن في بلادنا، إنه عربون وفاء للريشة كما الاعتزاز بالقلم من لدن القيمين على الإشراف والتحرير، غلاف تشكيلي كأنه رسول محبة يحي القراء للولوجللمتن. أن يتزيّن الملحق في منتصفه بالصفحتين المتقابلتين باللوحات والصوروفيض من كلام الفن .أشهد بأنه هو المتسيّدعلى كل صحف الوطن، زاد ثقافي متنوِّع يرضي كل الأذواق، كل يجد فيه ضالته، عبرملحق ها هو يحتفل بالرقم 600 على إصداره، بل هو عزف ثقافي ضمن نسق جوقة التنوير، الحاملة لواءها صحيفة الجزيرة، اسمها متجذر يحمل هوية جزيرة العرب وخلد اسمها عبر الزمن. ** **