تعيش السوق العقارية بالمملكة حالة من الحراك القوي منذ الثمانينيات، وازدادت حدة هذا الحراك منذ عام 2006 بشكل لافت للنظر عندما حدثت ثورة التصحيح الكبرى، وضُربت سوق الأسهم السعودية بنزول حاد، عُرف حينها بفبراير الأسود، عندما تراجع مؤشر سوق الأسهم من 21 ألف نقطة إلى أدنى قاع عند 4400 نقطة تقريبًا، وفقدت رسملة السوق ما يناهز تريليونَي ريال من قيمتها.. ولكن نحن نتساءل: هل كانت السوق تمتلك فعلاً هذه القيمة لكي تفقدها ونحزن بسببها؟ هل بالفعل فقدت سوق الأسهم حينها جزءًا من قيمة أصولها؟ هل فقدنا رؤوس أموال حقيقية؟ بالطبع الإجابة بالنفي؛ فسوق الأسهم تخلصت من فقاعتها الهوائية التي تولدت نتيجة عمليات مضاربة وهمية، كانت تتم، وأدت إلى صعودها العشوائي وغير الحقيقي. وكل فقاعة وكل مضاربات تولد صعودًا وهميًّا لا بد أن يأتي يوم تفقد الهواء الفارغ الذي تسبب في عملقة قيمتها بلا سبب مالي أو تمويلي أو استثماري، أو مبرر منطقي للصعود. وكل ما حدث في تصحيح سوق الأسهم خلال الفترة (2006 و2007 و2008) تقريبًا هو التخلص من الفقاعات وصعود المضاربات؛ لكي تتحول سوق الأسهم إلى سوق مؤسسية وحقيقية في قيمتها. الآن تعيش سوق العقار السعودية - ربما نستطيع القول - الملابسات نفسها وذاتها، والفقاعة نفسها؛ فالعقار السعودي كان المأوى الآمن لكل رؤوس الأموال السعودية الرسمية وغير الرسمية.. وفي ظل فترات الطفرات المتتالية التي يعيشها الاقتصاد، وفي ظل توسعات المدن والأحياء السعودية، انطلق العقار في عمليات ومضاربات ضخمة وهائلة لبيع مخططات ومساهمات ومدن متكاملة.. كثير منها بيع وهمي وغير حقيقي.. وتكالب الناس على شراء الأراضي في الفراغ للمضاربة عليها، لأنهم كانوا يعلمون أن العقار حتى لو مرض فهو لا يموت. بالفعل ضرب العقار فقاعة تلو الفقاعة، خاصة خلال الفترة التالية بعد 2006.. هربًا من سوق الأسهم إلى ملجأ آخر أكثر أمنًا. وتسببت العمليات اللانظامية آنذاك في تضخم القيم، سواء للأراضي أو المباني، حتى وصل سعر المتر المربع في كثير من مناطق المملكة إلى مبالغ خيالية، ولم يكن متوقعًا في الثمانينيات عندما كان متوسط سعر كثير من العقارات بالكامل لا يزيد على 100 ألف ريال. وقد تزايدت حدة المضاربات، وتزايد عدد وقيمة الصفقات في السوق العقارية بشكل لافت للنظر في عام 2014؛ إذ وصلت قيمة الصفقات التي تم تنفيذها في منطقة الرياض وحدها في ذلك العام إلى نحو 83 مليار ريال، مقابل قيمة وصلت إلى 53 مليار ريال في مكةالمكرمة، ونحو 46 مليار ريال للمنطقة الشرقية.. أي إن قيمة الصفقات للمناطق الثلاث الكبرى تجاوزت ما يقارب ال 182 مليار ريال. فهل هذه القيمة هي رؤوس أموال جديدة، تم ضخها في عام واحد في العقار؟.. بالطبع لا.. ولكن تجلت في مضاربات شديدة، اتجهت بكثافة إلى القطاع العقاري. اليوم الكثيرون يفسرون ما يحدث في القطاع العقاري بأنه ركود أو كساد.. وأن الأسباب هي كذا وكذا، وأنه يوجد عرض، ولا يوجد طلب.. والبعض يتشاءم إلى أبعد من ذلك بكثير.. ولكن الكل يتناسى ما حدث في العقار من فقاعات وطفرات غير حقيقية، ولا ترتبط بأداء مالي ولا استثماري، ولكن ترجع للمضاربات العنيفة والمفتعلة من شريحة حققت كثير منها ثروات طائلة نتيجة العبس بنفسيات الآخرين، وإيهامهم بأن العقار صاعد، وأنه يوجد طلب حقيقي عليه. قيمة صفقات العقار السكني بالمليار ريال الشكل عاليه يوضح التغير في معدلات الطلب على العقار مقاسًا بقيمة الصفقات بالقطاع السكني. وهنا نقارن بين عامَيْ 2018 و2017، ونلحظ هبوطًا في معدلات بين 20 و40 % خلال عام واحد. ولو رصدنا هذا التغير بين عامَي 2018 و2014 سنجد تراجعًا أكثر قلقًا. ولكن هل العقار يفقد شيئًا يمتلكه أم يتخلص من فقاعته؟ وحدة الجزيرة تعتقد أن العقار يتخلص من فقاعته غير الحقيقية والوهمية التي بعد الوصول إلى القاع الحقيقي لها سنجد انتعاشًا في الطلب.. بل دخولاً وشراءً غير متوقع. والهبوط والتراجع لم يأتيا من فراغ، ولكن حدثا نتيجة تراجع في الأسعار، بل يمكن القول إن تراجع الطلب نفسه أدى إلى مزيد من تراجع الأسعار، كما يؤكد وجود تصحيح في القطاع العقاري السعودي، هو أن حجم النزول والتراجع في العقار التجاري يفوق مثيله في السكني بكثير؛ إذ يوضح الشكل أدناه أن معدلات التراجع في العقار التجاري بلغت في المتوسط للمناطق الأربع نحو 48.8 % مقارنة بمعدل تراجع بلغ 27.3 % للعقار السكني. ويمكن تفسير ذلك بأن المضاربات في العقار التجاري كانت أشد في كل المناطق؛ لأن معدلات صعودها دائمًا تكون أعلى. ونظرًا إلى أن المضاربات في العقار التجاري أعلى فإن هبوطها يكون أشد عنفًا وتصحيحًا.