من اطلع على الثقافة الغربية، والأمريكية منها خاصة، تراه لا يستنكر هجران الزوجة لزوجها بسبب مرض ألم به أو خسارة مُني بها، أو بسبب مصيبة سجن أو انكساره في أمر من أمور الدنيا، ومن ذلك فاجعة فقد الولد. فمن يتابع الأفلام الغربية منها، فلا بد أنه سمع رجل يشكي هجران زوجته له بسبب تشوهه في الحرب أو حريق أو بسبب خسارته في البورصة أو طرده من العمل أو دخوله السجن. وليس الحال هو نفسه في ثقافة الشرق، فهجران كهذا، يعتبره الشرقي خيانة ودناءة من المرأة. وسبب هذا، ندرة حدوثه علنا ومجاهرة في الشرق. وأما خفايا النفوس، فالمرأة هي المرأة في الشرق والغرب، كما أن الرجل هو الرجل في الشرق والغرب. فالشرقي لا يرى عيبا في هجران زوجه لمرضها أو تشوهها، والارتباط بأخرى. وأما الغربي فلا يتورع عن اتخاذ الخليلة، في الخفاء. ونظرة الرجل للمرأة تختلف كثيرا نظرة المرأة للرجل. فجمال المرأة بمفهومه الواسع، هو محط رغبة الرجل. وهذا بخلاف المرأة. فقوة الرجل، بمفهومها الواسع هي محطة رغبة المرأة. والرجل ليس موضوع مقال اليوم، فلن استطرد فيه أبعد من هذا. فمرض الزوج أو افتقاره أو انكساره، كلها من مظاهر زوال قوته. والزوجة أمام هذا الوضع: إما أن تغلب عليها نزعة الأمومة، فتصبر على زوجها. وإما أن تغلب نزعة الرغبة لديها: فإما أن تزهد في زوجها في خفايا نفسها، أو أن تظهر زهدها، بهجرانه. وخاصة إذا كان زوجها غامرها بقوته، فاحتوى على ذاتها المادية والعقلية والجسمية. وأعتقد أن استقلالية الرجل عموما والمرأة الغربية غالبا، هي التي تدفع غرائز الرغبة في النفس للظهور. ولذا تكثر في الغرب حالات هجران المرأة لزوجها عند مرضه أو انكساره، بخلاف الشرق عموما. فاستقلالية المرأة هي النمط الغالب في الغرب، بخلاف الشرق. فاستبداد الرجل الشرقي بأتباع المرأة له، أورث مظهر الزوجة الوفية في المجتمعات الشرقية. واستقلالية المرأة الغربية عن الرجل، أورث المجتمع الغربي تفهم وقبول جحود الزوجة. ومن علامات الزوجة الجاحدة، إعانة الأيام على زوجها. فتراها تتخلى عنه في المرض وتميل لمعارضيه، وتجفل منه عند إصابته بمصيبة كسر دنيوي. فهذا النوع من النساء متى منحهن أزواجهن استقلالية مادية واجتماعية كاملة، ومحبة خالصة، كشفن له عن ناب الجحود والنكران، إذا طال مرضه أو توالت انكساراته. والتاريخ الأمريكي يحكي قصص الوفيات من زوجات عظمائهم، كما يحكي قصص الجاحدات منهن، مع تفهم لهن أحيانا. وأعظم العظيمين في أمريكا، عند الخاصة والعامة أبدا، هما ابراهام لينكون وفرانكلين روزفلت. وكلاهما شقيت حياته بزوجته. فالمؤرخون أعزو لزوجة لينكون، الكآبة الدائمة على وجهه. والتي ازدادت مع الحرب الأهلية. وإصابة روزفلت بالكساح وهو في الثلاثينات، نفر زوجته منه، فلجأ روزفلت لعشيقات، فهجرته زوجه سرا لا علنا. وعلى العكس منهما، كانت زوجتا قائدا النصر في الحرب الأهلية، قرانت وشيرمان. فعندما عُزل قرانت بسبب حسد قادته، لم يجد إلا زوجته ملجأ ليشكي أحزانه ومواجعه. فكانت نعم النصير والداعم، فماهي إلا سنتين، حتى عاد قائدا عاما للجيش الأمريكي. وأما زوجة شيرمان فقد سبقت في الفضل والوفاء. فعندما طُرد شيرمان من الجيش بعد آرائه التي أدت لاتهامه بالجنون، اعتزل ودخل في كآبة، كادت أن تُهلكه، لولا زوجه التي تواصلت وناشدت لينكون إعادته للجيش، فما هي إلا سنتين وهو قائد جيوش نصر الشمال يُسقط عواصم الجنوب الواحدة تلو الأخرى، ويخضع جيوش التمرد. أجمع المؤرخون، على أنه، لولا لينكون لما كان هناك أمريكا اليوم، ولولا شيرمان لما كان هناك لينكون ولا اتحاد. وزاد بعضهم فقال: ولولا زوجة شيرمان لما كان هناك إلا شيرمان المجنون لا شيرمان قائد نصر الشمال. فأعظم غنيمة، استثمار العمر في الزوجة الوفية، وأعظم الخسارة تضييع العمر في الاستثمار في زوجة جاحدة.