اهتمت المملكة العربية السعودية منذ عهد جلالة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله-، بمرفق القضاء، إيماناً منه بأن العدل أساس الملك.. واستمرت بعد ذلك أعمال التطوير الإداري والتنظيمي في رئاسة القضاء أولاً وفي وزارة العدل بعد ذلك وإلى اليوم وتتابعت الإنجازات في عهود الدولة السعودية المباركة، حيث أكملت مسيرة التطوير والبناء التي بدأها الراحل المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بتفوق وجدارة أبناؤه البررة سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله، إلى أن طلع فجر هذا العهد الميمون عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي حقق نهضة غير مسبوقة لمسيرة البناء في مرفق القضاء، وإنفاذاً لتوجيهاته السامية الموفقة، سعت وزارة العدل بجدها واجتهادها في تنظيم الآليات اللازمة لتحقيق الرؤى والتطلعات والإنجازات الهادفة وذلك رغبة في تطوير مرفق القضاء بما يستوجبه العصر من معطيات. وقد حققت وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء العديد من الإنجازات المهمة عبر إطلاق مشروعات قضائية ومبادرات عدلية وإجراءات تطويرية أحدثت نقلة نوعية وتطوراً ملموساً في مرفق القضاء في المملكة العربية السعودية وذلك في ظل عناية واهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظهما الله-. وتستهدف هذه المشروعات والمبادرات تطوير واختصار الإجراءات القضائية والتوثيقية وحوكمتها، وتقليص فترات التنفيذ، وتقليل مدد الفصل في المنازعات، وتحقيق الأمن العقاري، وتقديم خدمات عدلية مميزة، إضافة إلى التحوّل الإلكتروني الكامل لأعمال المرفق العدلي، بما يعود بالأثر الإيجابي على المتقاضين والقضاة العاملين في هذا المرفق. كما تستهدف هذه الإجراءات رفع درجات الرقابة والمتابعة وقياس الأداء، والعناية بمستوى كفاءة الكوادر البشرية، إضافة إلى دعم البيئة الاستثمارية في المملكة، وتعزيز الاقتصاد الوطني، ورفع كفاءة إنفاذ حقوق الأسرة في قضايا الأحوال الشخصية، إضافة إلى نشر الثقافة العدلية وتفعيل التعاون الدولي، كما تم اعتماد العديد من المبادرات للوزارة ضمن برنامج التحول الوطني 2020، الذي يعد أحد برامج رؤية 2030. حيث قامت وزارة العدل وضمن مبادراتها بإطلاق مشروع محكمة بلا ورق لاختصار 45% وأكثر من الإجراءات، وذلك نظراً لأهمية التحول الإلكتروني والاستفادة من التطور التقني، حيث أطلق وزير العدل ورئيس المجلس الأعلى للقضاء معالي الشيخ الدكتور وليد الصمعاني، مشروع محكمة بلا ورق بهدف إلغاء التقديم الورقي في محاكم ودوائر التنفيذ لمعالجة الطلبات كافة في عملية إلكترونية متكاملة تختصر الإجراءات بنسبة 45%، وتوفر الكثير من الوقت والجهد والمال على المستفيدين بل وترفع من كفاءة أداء محاكم ودوائر التنفيذ وقضاتها وموظفيها. وحصد مشروع محكمة بلا ورق جائزة عالمية، حيث كرمت الأممالمتحدة في مناسبة دولية في جنيف وزارة العدل نظير حصولها على أكثر الأصوات في فئة تطبيقات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لمبادرتها في خدمات التنفيذ الإلكتروني ومشروع «محكمة بلا ورق» ونظير تفعيلها للتحول الرقمي في خدماتها العدلية. كذلك تم اختصار مدة نقل القضايا إلى الاستئناف بتطبيق مشروع الربط الإلكتروني بين محاكم الدرجة الأولى ومحاكم الاستئناف، لانتقال القضية إلكترونياً بشكل كامل، مما سيختصر نحو 30 يوماً عن السابق، الأمر الذي يسهم في سرعة إنجاز قضايا المستفيدين. وضمن جهود الوزارة فقد أعادت حقوق عشرات الآلاف من المساهمين في قضايا المساهمات العقارية المتعثرة، وقد تم إنشاء دائرة قضائية مختصة بالمساهمات العقارية في 3 رجب 1437ه، ونجحت في إنهاء الكثير من القضايا المتعثرة بعضها يصل عدد سنوات تعثرها إلى أكثر من 30 عاماً. كما فعّلت وزارة العدل منظومة الربط الإلكتروني مع الجهات ذات الصلة لتفعيل أوامر قضاء التنفيذ المتعلقة بالحجز على الأموال أو القبض أوالمنع من السفر، وقد أدى ذلك إلى اختصار المدة الزمنية التي يستغرقها تنفيذ الأوامر القضائية والتي كانت تصل إلى عدة أشهر، لتصبح في مدد لا تتجاوز 72 ساعة من إصدار الأمر. كما نجحت في اختصار مدة استخراج صك بدل مفقود من أيام طويلة إلى يوم واحد. كما أطلقت وزارة العدل دبلوم المحاماة الذي ينتهي بمنح المتدربين والمتدربات رخصة المحاماة، حيث يركز الدبلوم على إعداد المحامين علمياً وعملياً ويهدف إلى سد حاجة السوق السعودي من الكوادر الوطنية المؤهلة في مهنة المحاماة. كما نفذت الوزارة مشروع «الترجمة عن بعد» الذي يتيح التقاضي بالصوت والصورة في محاكم المملكة بمختلف لغات العالم. وأطلقت الوزارة والمجلس الأعلى للقضاء مشروع الإسناد القضائي الذي يهدف إلى تقليل المدد بين الجلسات القضائية، وتوحيد الإجراءات لعموم المحاكم لتجنب التفاوت والاجتهادات الفردية، وتخفف الأعباء الإدارية على القاضي بحصر مهمته في الجانب الموضوع من النظر القضائي، وتخفيف أعباء التقاضي على أطراف الدعاوى. كما أطلقت وزارة العدل مبادرة كتابات العدل المتنقلة، لخدمة المرضى وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة والموقوفين ومن في حكمهم في أماكن تواجدهم، حيث تهدف المبادرة لرفع مستوى الخدمات العدلية وتيسيرها عبر أحدث التقنيات المستخدمة في إيصال الخدمات للمستفيدين. ونجحت الوزارة في تطبيق (معاملة اليوم الواحد) بعد اختصار إجراءات بيع وشراء العقار من خلال 10 خطوات بسيطة، حيث يستغرق وقت الإفراغ (10 دقائق)، حيث أصدرت كتابات العدل في المناطق أكثر من 165 ألف صك وعقد للأفراد والشركات خلال الثمانية الأشهر الماضية، وفق الآلية الجديدة. كما أطلقت الوزارة مشروع الموثقين بالتنسيق مع الموثقين المرخص لهم، من خلال نظام إلكتروني يسمح بتوفير خدمات التوثيق وبتقنيات حديثة، كما اعتمدت ما يصدر عن الموثقين كسندات تنفيذية، حيث سيوفر المشروع مئات المقرات بمختلف أنحاء المملكة لتقديم خدمات التوثيق على مدار الساعة، إضافة إلى توفير فرص عمل جديدة. ونفذت وزارة العدل برنامجاً تفاعلياً يقوم على وضع بيانات دقيقة وإحصاءات عن قضايا السجناء، والمتابعة العملية لقضاياهم عن بعد، يعطي مؤشرات إحصائية متعددة. وتهدف بوابة «ناجز» خدمة المستفيدين كافة من مواطنين ومقيمين، حيث تبين هذه المنصة عن طريق رقم الهوية كل المعلومات المتعلقة بالشخص المستخدم والطالب للخدمة مع إيضاح كامل، ومعلومات وافية عن الصكوك والوكالات والعقود التوثيقية، وستمكن المستفيد من الاطلاع على تفاصيل القضايا التي له وعليه، وعبارة عن محفظة كاملة لكل مواطن ومقيم على حد سواء، لكل التعاملات التي يتعامل بها المستفيد مع وزارة العدل. وقد نجحت وزارة العدل وديوان المظالم في الانتهاء من عملية نقل الدوائر الجزائية التابعة لديوان المظالم إلى وزارة العدل في فترة وجيزة. ونجحت المكاتب النسوية الحقوقية في محاكم الأحوال الشخصية في مساعدة نحو 25 ألف سيدة سواء في كتابة صحائف الدعوى وتقديم الاستشارات القانونية والتوعية بالخطوات والإجراءات المطلوبة، وتعمل وزارة العدل على التوسّع في افتتاح مكاتب نسائية في محاكم الأحوال الشخصية في المدن الرئيسة لتقدم الدعم الاستشاري للنساء. في الوقت نفسه وجّه معالي وزير العدل الشيخ الدكتور وليد الصمعاني، بإطلاق مشروع التنظيم الإداري للدوائر القضائية «تنظيم» لتسريع البت في القضايا ورفع كفاءة العاملين في الدوائر القضائية، وتقليص متوسط الانتظار للمراجعين من 30 دقيقة إلى 7 دقائق، ويختصر نسبة المراجعين الذين يحتاجون مقابلة القاضي (في غير الجلسات) مما يفرغ القاضي من أعباء الأعمال الإدارية. ومن هذه التطورات أيضاً: 1 - إطلاق محاكم التنفيذ. 2 - إطلاق المحاكم التجارية. 3 - الوكالات الإلكترونية. 4 - محاكم بلا ورق. 5 - المحاكم العمالية. إن من حق المملكة أن تفخر بقضائها وقضاتها وعلمائها وإعدادهم لتحمل المسؤوليات القضائية بجدارة واقتدار وقد حصل بنسبة عالية ومشرفة، ومع كل هذا فهناك يقظة ومتابعة وحزم يليق بهذا المرفق الحساس، وقد أثبت القضاء السعودي أن أساساته ومرتكزاته كانت بمنزلة عالية من القوة علمياً وتدريبياً أتت هذه القوة من هضم النظم والتعليمات ولتضلع قضاتها فقهاً وأصولاً وآداباً مما جعل القضاء السعودي في المقدمة بين دول العالم بما فيها الدول العربية والإسلامية فهنيئاً لهذه الدولة المباركة بقضائها وقضاتها. علماً أن ما تمت الإشارة إليه لا يعني الحصر بحال وإنما هو عرض نماذج وأمثلة ليس إلا. ** ** محمد بن حمد آل فريان - مستشار قانوني