أقرأ بكثرة. أمارس هذه العادة الحميدة بشكل لا يدعو إلى القلق، لا من نقصها ولا من زيادتها. أعطي نفسي حقها علي في الغوص في الكتب وحتى ولو كان شكلاً لا واعيًا من القراءة، ذلك الشكل الذي يجعل الكثير من الجمل تفوت دون أن يؤنبني ضميري على فواتها، أصنف هذه النهفات من سقوط الأسطر أو ما بينها تحت بند الاطلاع، فمن باب الإيمان الشديد الذي أحمله بأن الكتب كائنات حية، فأنا أرى معاشرتها هي بحد ذاتها استزادة وفائدة. لا تأخذني على محمل الجد الصارم، لكن لا تفعل ذلك مع الكتب أيضًا، فليس كفرًا بالنعمة إن أنت قرأت من كتابٍ بعضه، أو شذرت منه شذرات غير قابلة للتفويت، ثم قفزت إلى الكتاب التالي بشرطين ألا تدعي أنك قرأت الكتاب وألا تصدر حكماً عليه. يندر أن تجد كتابًا يحمل ذات الزخم الجاذب في كل أسطره، فلا عليك إن تجاوزت بعض لحظات الهبوط فيه وقفزت من قمة إلى أخرى. ذلك أفضل من التورط بكتاب واحد يفقدك لذة القراءة. لا تخف أيضًا من ذلك الشعور الذي يراودك بأنك لم تستفد من الكتاب شيئًا لمجرد أنك لا تستطيع تذكّر تفاصيله، فليست القراءة التي تفعلها بشكل يومي هي الطريقة الصحيحة للحفظ، إنما هي الطريقة الصائبة للترقي والتحول إلى الأفضل. القراءة فعل مضارع دائمًا، وكل كتاب تقرأه يندمج داخلك ليصبح أحد مكوناتك الفكرية والثقافية كما يفعل الطعام أثناء بناء جسدك. حبة التفاح التي ستقيك زيارة الطبيب لن تجدها تركض داخل شرايينك، لكنها هناك تقوم بعملها بشكل جيد، لذلك واصل القراءة ولا تقلق. ** **