في صباح يوم الجمعة 25-1-1440ه مضى شيخنا إلى ربه طاهر الأثواب، نقي السريرة، كريم الخصال، صافي النية، طيب القلب، سليم الصدر، فبكيناه جميعاً.. كيف لا نبكي شيخنا؟ وهو الذي علمنا، وأذكى فينا روح القراءة والبحث، وحبب إلينا الرحلات الميدانية الهادفة التي شق طريقها، وأبان معالمها، رغم المصاعبِ والمتاعبِ، فلم يرض لنفسه أن تكون أبحاثه واكتشافاته على المكاتب وفي المكتبات، بل تجشم المصاعب، واعتسف العقبات، واقتحم المجاهل، وقطع المفاوز،وأمعن في السير، فوصل إلى ما عجز عن الوصول إليه القاعدون، وسبق إلى الغاية التي تقاعست عنها المتخاذلون، فحاز قصب السبق، واعتلى هامة المجد فمَن كان أسعى كان بالمجد أجدرا.. وحيث إن الوفاء وحِفْظُ العهدِ من الإيمان، والاعتراف بالجميل من خصال الكرام، وصيانة المودة والمحبة من أخلاق الأوفياء؛ فسوف نذكر شيخنا -رحمه الله- ماحيينا، وندعو له مع والدينا، ونشر علمه واجب علينا. كان الشافعي يقول: الحُرُّ مَن راعَى وِدادَ لحظة.. وانتمى لمَن أفاده لفظة. عَلَيْكَ سَلامُ اللهِ (يا ابنَ محمّدٍ).. وَرحمتُهُ مَا شَاءَ أنْ يتَرَحَّمَا تحيةَ مَن أَوْلَيْتَهُ منك مِنةً.. إذا ذُكرِتْ أمثالُها تملأُ الفَما ومَا كانَ قَيْسٌ هُلْكُهُ هُلْكَ واحِدٍ.. ولِكَنّهُ بُنْيَانُ قَومٍ تهَدَّمَا.. وشيخنا -برّد الله مضجعه- من مواليد بلدة الشعراء الوقعة في سفح جبل ثهلان جنوبا من مدينة الدوادمي عام 1355 من الهجرة، تعلم القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة عند المطوع في بلدة الشعراء وكان الطلاب في ذلك العهد يصنعون الحبر بأنفسهم من السنا اللازق في المقارص والقدور وأما الأقلام فيتخذونها من عيدان العوسج، وعندما حفظ جزء عم انتقل به والده إلى بلدة عفيف فألحقه والده في المدرسة النظامية، وقد تولى مدير المدرسة صالح بن محمد الخزيم اختبار مستواه في القراءة والكتابة، وفوراً ألحقه بالصف الثاني، كان من ضمن زملائه في هذا الصف الدكتور إبراهيم بن محمد العواجي، وأخوه علي، والأستاذ عبدالله بن محمد الخليفة.. وغيرهم، وعندما أكمل الصف الخامس أخبروه بأن المدرسة لا يوجد بها صف سادس، فذهب إلى شقراء مسقط رأس والده، وأخذ شهادة الابتدائية منها وقد حصل على الشهادة الابتدائية عام 1372، وبما أن شهادة الابتدائية -حينذاك- تعادل الشهادة الجامعية اليوم فقد عُين بعدها مدرساً في مدرسة عفيف، وكذلك عُين إبراهيم العواجي مدرساً معه في نفس السنة بعد تخرجه من مدرسة الرس الابتدائية، وقد التحق هؤلاء المدرسون مع مديرهم في حلقة كان يقيمها قاضي عفيف الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز الخضيري لحفظ القرآن وتعليم اللغة العربية، وقد كان القاضي -رحمه الله- عالماً ورعاً فاستفادوا من علمه وسمته الشيء الكثير، ثم حصل على الشهادة الثانوية من معهد الرياض العلمي سنة 1379 ودرس في كلية اللغة العربية السنتين الأولى والثانية. عمل في رئاسة القضاء قبل أن تصبح وزارة للعدل من عام 1379 حتى انتقاله إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عام 1382. عمل في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية منذ عام 1390 واستمر فيها حتى طلب التقاعد المبكر في 1407/10/10، وقد ابتعث -رحمه الله- إلى بريطانيا لدراسة اللغة الإنجليزية عام 1396ه. وله رحمه الله من الأولاد خمسة: اللواء صالح، ومحمد، ومساعد، وبدر، ونايف، ومن البنات ثنتان، وهو يعزهما ويحبهما كثيراً، ويطمع أن يدخله الله الجنة بسببهما لحسن تربيته ورعايته لهما، حسبما جاء الخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والشيخ تغمده الله برحمته وعفا عنه بلطفه، امتداد لمن سبقه من علماء البلدان فعرف ابن بليهد؛ حيث حدثني -رحمه الله- عن ابن بليهد، وأنه يعرفه تمام المعرفة حينما كان شيخنا يدرس في المرحلة الابتدائية في عفيف، فذكر لي أن ابن بليهد في الأصل من بلدة القرائن، وقد سكن الشعراء، وذكر لي أنه كان قوي الشكيمة مكتمل الصفات الحميدة، حاضر البيهة. وكان له زيارات ولقاءات متكررة للشيخ حمد الجاسر، والشيخ ابن جنيدل، والشيخ محمد العبودي، رحم الله من مات وأمتعنا بمن بقي منهم.. عرفت شيخنا -رحمة الله عليه- أول ما عرفته عن طريق كتبه ومقالاته فما تركت مكاناً حققه إلا قرأت ما كتب عنه، ثم أرحل إلى ذلك المكان مهما بعدت المسافة وعظمت المشقة، ثم هيأ الله جل اسمه الأسباب في أن ألتقيه -رحمه الله-، ولقاؤه من أعظم أمنياتي وأجل غاياتي منىً إن تكن حقاً تكن أحسن المُنى، فكان أول لقاءٍ في بيته في الدوادمي يوم الجمعة عصراً 1426/7/21 وكان يصحبني من بريدة أخونا الشيخ علي بن عبدالله الدخيل، وكان الشيخ عبدالله -رحمه الله- قد دعا لهذا اللقاء الأستاذ سعد اليحيان والأستاذ سعد الماضي.. في هذا اللقاء عرفت كرم الخصال وجميل السجايا عرفت السماحة والكرم عرفت التواضع الجم وطيب النفس وسلامة الصدر، وطلاقة الوجه عرفت الصبر، وعدم الشكوى ومحبة الخير للناس.. كان رحمه الله بعد ذلك يحوطني بالرعاية ويكرمني بالزيارة ويتفضل علي بالهدية، فضلاً عن كتبه التي أهدانيها كلَّها، فجزاه الله عني خير ما يجزي شيخا عن تلميذه.. أين فؤادي؟ أذابه الوجدُ.. وأين قلبي؟ فما صحا بعدُ يا سَعدُ زدني جَوَىً بذكرِهمُ.. بالله زدني -فُدِيْتَ- يا سعدُ فكانت أولى رحلاتي بصحبته لتتبع طريق حاج البصرة، لاستدراك ما فاته في تحقيقه له أول مرة، حيث انطلقنا من بريدة إلى بلدة قبة، وبتنا ليلتنا الأولى في الينسوعة (البريكة)، وفي الصباح واصلنا الرحلة، حيث اجتزنا الدهناء باتجاه أم عشر، فصادف أن سمو الأمير مشعل بن عبدالعزيز رحمه الله مخيم تلك السنة في وادي الباطن، فقابلناه وتناولنا طعام الغداء معه، وأهداه الشيخ بعض مؤلفاته، ثم واصلنا رحلتنا.. والرحلة الثانية وكانت مدتها ستة أيام زرنا فيها عدة معالم ومن هذه المعالم الحائط وجبل محجة والعلا وخيبر وكثير من المعالم الجغرافية كالجبال والأودية والسدود والعيون الأثرية.. الرحلة الثالثة كانت لاكتشاف موقع السُّمينة.. الرحلة الرابعة كانت حينما كان الشيخ يُعِد كتابه عن طريق الأخرجة وكانت من بلدة فيد إلى قرب المدينة ولمدة ثلاثة أيام أو أربعة.. وفي هذه الرحلات من الفوائد الجليلة والمواقف العجيبة ما يطول ذكره ولا تحتمله مثل هذه المقالة. ومن اهتمامات الشيخ -رحمه الله- اهتمامه بعلم الفلك ورصد مطالع النجوم، ومعرفة الفصول، وقد اشترى أنواعاً من التلسكوبات لهذا الغرض.. ويعد الشيخ عبدالله الشايع -رحمه الله- أبرز الشخصيات في مجال الرحلات الميدانية وتتبع طرق القوافل القديمة وتحقيق المواضع البلدانية في الجزيرة العربية، فهو بحق فارسُ هذا الميدان ومن أوائل من اختط هذا المجال إن لم يكن أولَهم.. ولا شك أن الشيخ عبدالله -رحمه الله- حلقة من حلقات سلسلة طويلة سبقته ممن عنوا بالتعريف بالأماكن التاريخية في الجزيرة العربية؛ فمن أعلام هذه المدرسة: الشيخ محمد البليهد، والشيخ حمد الجاسر، والشيخ ابن جنيدل، والشيخ محمد العبودي، والشيخ عبدالله بن خميس، والشيخ عاتق البلادي.. وغيرهم، الذين أبانوا طريقاً لاحبًا في هذا المجال لا يزيغ عنه إلا من تنكب جادتهم وترك سبيلهم. وشيخنا وإن جاء متأخرًا عن أولئك الرواد، إلا أنه استكمل ما بدأه واختطه أولئك الرواد الأوائل الذين وضعوا العلامات والصوى في هذا الطريق الشاق، وقد تميز عنهم بكثرة الرحلات الميدانية وباستخدامه للمخترعات الحديثة التي تعينه على ضبط المكان بكل دقة كاستخدامه للإحداثيات في كتبه والصور الفوتوغرافية والخرائط التوضيحية ونحو ذلك. شيء من صفاته -رحمه الله- وما تميز به وما جبله الله عليه من الآداب الحميدة والأخلاق الفاضلة والخصال الجميلة: 1 - الصبر والأناة وصدق العزيمة وقوة الإرادة والجلد على القراءة والبحث وتحمل مشاق الأسفار البعيدة: فما انقادت الآمال إلا لصابر، فالشيخ -عليه رحمة الله- تتوفر فيه هذه الصفات التي هي من أهم أسباب نجاحه وإبداعه في بحوثه وكتاباته؛ فانكشف له ما غمض على غيره، وانقاد له ما صعب على من سبقه، فصحح واستدرك واكتشف وألف، وكل ذلك بعد عون الله وتوفيقه، وبتوافر هذه الصفات الفطرية التي يعز وجودها مجتمعة في شخص واحد، وإلا فمن يصبر على اجتياز القفار وركوب الحرار وصعود الجبال واجتياز الرمال وعبور المفاوز والمهالك ويقطع الأغوار والأنجاد: يَظَلُّ بِمَوْماةٍ ويُمسِي بغيرها.. جَحِيشًا، ويَعْرَوْرِي ظُهُورَ المَهالِكِ.. لا يستقر له قرار، ولا يحول بينه وبين ما يريد بُعْدُ الدار، ولا تَفُتُّ في عضده مشقةُ الأسفار، لا يستقرُّ بأرضٍ أو يسير إلى.. أُخْرى بشخصٍ قريبٍ عَزْمُهُ نائي.. يوما بُحُزْوَى، ويوما بالعقيق، ويوما بالعُذَيْبِ، ويوما بالخُلَيْصاءِ، وتارةً ينتحي نَجْدا، وآونةً.. شِعْبَ الحُزُوْنِ، وحينا قَصْرَ تيّماءِ، فلا يستقر على حال من القلق، وقلَّ أنْ نجد بلدانيًا مبدعًا وباحثًا بارعًا تجتمع فيه القدرة على البحث العلمي الجاد والغوص على المعلومة واستخراجها من بطون الكتب، ثم هو يطبق ما جمع فأوعى على أرض الواقع وميدان المشاهدة، فهو يقول -رحمه الله-: (فما علينا الآن إلا القيام بالعنصر المهم وهو الزيارةُ الميدانيةُ للمكان، وتطبيق النصوص على المواضع، سواء كانت تلك النصوص شعرًا، أم نثرًا، ولا شك عندي بأن هذه هي الطريقة المثلى لتحديد المواضع المختلف عليها..). (نظرات في معاجم البلدان الكتاب الأول ص153) 2 - الموهبةُ الفطرية وَصِدْقُ الحَدْس ورهافةُ الحِس: كنت أعجب لهذه الموهبة الفطرية حينما أصحبه في رحلاته لتحقيق معلم من المعالم، كيف أن الله وهبه هذه الخَصْلة وأنعم عليه بهذه الموهبة التي لا تنال بكثرة القراءة ولا بمواصلة الرحلات وإنما هي منحة من الله ونعمة يمن بها على من يشاء من عباده، فبمجرد أن يرى المكان ينطبع في ذهنه لأوّلِ وَهْلَةٍ أن تلك النصوص التي قرأها تنطبق على هذا الموضع تمام الانطباق دون غيره، أو لا يراها كذلك فيبحث عن الموضع في مكان آخر ولو التمسنا لها سببًا ماديًا لقلنا إن هذه الموهبة البلدانية والحاسة الفطرية نماها بكثرة قراءاته وأنه أولى هذا العلم كُلَّ اهتمامه طيلةَ عمره وانصرف إليه بِكُلّيته فاكتسب هذا الشيء لطول النظر ودوام الاهتمام ومن هنا جاءت بحوثه الرصينة، ورحلاته الميدانية الشاقة في مجال الأماكن الأثرية وطرق القوافل القديمة، والآثار المحيرة. وقد وهبه الله رهافة الحس وصدق الحدس وإصابة الهدف ودقة الملاحظة والغوص على المعاني الدقيقة والإمساك بخيوط الموضوع على الرغم من تضارب الأقوال وتناقض الأدلة وتشعب القضية وغموض الوصف وتعدد المسميات. 3 - سعة العلم وكثرة القراءة في المصادر البلدانية وكتب التاريخ وشعر العرب: فكان رجلاً موسوعياً عميق الاطلاع غزير المعرفة في كل ما يخدم برنامجه البلداني، وإني لأعجب من سرعة استحضاره لكلام الهَمْدَاني في صفة جزيرة العرب وكأنه يستظهرُ الكتابَ كُلَّه ولا يند عنه منه شيء، أو إيراده كذلك لكلام ياقوت في معجم البلدان أو الهَجَرِي البكري غيرهم، ولذلك كان قويَّ الحجة صحيحَ البرهان واضح البيان فيما حقق من المواضع والبلدان. كما أنه متابع لكل ما يصدر من دراسات وبحوث تتعلق بجغرافيةِ وتاريخِ هذه البلاد: قال الدكتور سعد بن عبدالعزيز الراشد: «وعند قراءة كتابه الأوَّلِ عرفتُ أن الأستاذَ الشايعَ عبارة عن موسوعةٍ متنقلةٍ فوق قممِ جبالِ نجدٍ وهضابِها وروابيها وسهولِها وأوديتها، وأنه لم يسلكْ هذا الطريقَ الصعبَ إلا بعد أن ألَمَّ بعلومِ اللغةِ والأدبِ وكتاباتِ الجغرافيين والمؤرخين المسلمين الأوائل، بالإضافة إلى اطلاعه على كتابات من سبقوه من علماء بلادنا الذين سلكوا هذا الفنَّ قبلَه، فمن قراءة كتابه (الأول) اكتشفت أن الأستاذَ الشايعَ يكتنزُ في ذاكرته منذ صباه ومن خلال قراءاته المتعمقة لكل ما كتب عن نجد جغرافياً وتاريخيًا ولغويًا، معلوماتٍ جمَّةً وثريَّةً، ولذلك فإنه آل على نفسه أن يُعِدَّ العدَّةَ، بقلمه وخبرته وما عنَّ له استخدامه وإنفاقه، في سبيل إبراز الكنوز المعرفيَّة التي جمعها قراءةً ومشاهدةً إلى بني جلدته ولكل من يهمه أن يعرف شيئًا عن نجد من خلال سلسلة من الإصدارات التي ستخرجُ الواحدُ تلو الآخر إن شاء الله). 4 - استخدامه لكل ما يخدم مشروعه، ويوصله إلى مبتغاه بيسر وسهولة ومن أقرب طريق، كالخرائط والإحداثيات كاميرات التصوير وأجهزة تحديد المواقع (القارمن) وهو يتعامل معها بكل خبرة ودقة وبراعة مع أنه من جيلٍ سَبَقَ جيلَ هذه المخترعات والتقنيات الحديثة. 5 - وشيخنا -رحمه الله- يتميز بمنهجية علمية رصينة، وقدرة تحليلية نقدية قوية، وقدرة على الاستنتاج بارعة يستثمر الظواهر الطبيعية على الأرض ويربطها بالإشارات المتناثرة في ثنايا المصادر، وَيَخْرُجُ من الربط بين هذا وذاك بنتائجَ مقنعة (كما ذكر ذلك الدكتور فهد الدامغ في كلمة له). وقال الدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري: (وإذا كان الشيخ الجليل حمد الجاسر يعتبر رائدًا لكوكبة من الباحثين الجغرافيين وصاحب مدرسة متميزة فإن الأستاذ عبدالله الشايع يعد رائدًا لمرحلة جديدة في مجال البحث الجغرافي عن المواضع في المملكة العربية السعودية لأنه استطاع أن يستفيد من مصادر قديمة وحديثة ورسائلَ علميةٍ متقدمة، ورحلات ميدانية يُعِدُّ لها الإعدادَ الكاملَ ومن هنا فإننا أمام بزوغِ فَجْرِ مدرسةٍ علمية حديثة سيصبح لها دورها في الوصول إلى المواضع وتحديدها بكل دقة. 6 - قدرته العجيبة على التواصل مع عامة الناس وكبار السن وأهل البوادي والأرياف: فيستطيع أن يبني معهم العلاقات المتينة ويستخلص منهم المعلومات التي يريد بكل يسر وسهولة وذلك لِلِيْنِ عَرْيكَته وطيبِ مَعْشَرِهِ وشدةِ تواضعه، ومعرفته بالأساليب المناسبة لمن هم في مِثْلِ هذا السِنِّ فهو يقول: «رأينا رجلاً كبير السن، ومن عادتي العمل بالمثل القائل:» البدوي ينشد» – أي يسأل...» ( نظرات في معاجم البلدان الكتاب الأول ص157) 7 - شدة تحريه وتدقيقه للروايات الواردة في كتب التاريخ والقصص التي قد يكون دَخَلها كثير من الخيال فأبعدها عن الواقع: قال -رحمه الله تعالى-: إذ إنني لاحظت أن بعض الباحثين يركزون في تحقيق المواضع على ما تذكره معاجم البلدان، وعلى مسميات تلك المواضع الحديثة، وما قيل فيها من الشعر النبطي أو العربي، وكثيرًا ما يغفلون الرجوع إلى كتب التاريخ، ومعاجم اللغة. وفي نظري أنه متى اجتمعت تلك المصادر وتم حصر ما ورد فيها وقام الباحث بالتحليل والمقارنة فإنه بلا شك سيصل إلى تحديد الغرض الذي يسعى إليه أما إذا غاب أي عنصر من هذه العناصر فقد يكون الباحث عرضة للوقوع في الخطأ. على أن الباحث يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الحيطة والحذر الشديدين عند الرجوع إلى الروايات لما داخل تلك الروايات من الحوادث المصطنعة التي نسجها خيال القصاص، والتي أصبحت في فترة من الفترات تملأ المكتبات عندنا فاستساغاها الناس فسببت للكثيرين خلط الحقيقة بالخيال وإن كانت إلى الخيال أقرب. 8 - أنه في إعداده لرحلاته الميدانية يأخذ أمره بكل حَزْمٍ وَجِدٍ: فهو يزور المكان عدة مرات مهما كانت المسافة إليه بعيدة فقد يزور المكان ثلاث مرات أو أكثر حتى يطمئن إلى أن ما توصل إليه هو الصواب كما أنه يأخذ كل ما يمكن أن يحتاج إليه في رحلته فيكون معه عجلتان إضافيتان ويأخذ معه أكثر من آلة تصوير فلعل عُطْلًا يكون في إحدى الكاميرات فيستعيض عنها بالأخرى ويكون معه جهاز أو أكثر من أجهزة تحديد المواقع ويأخذ معه سُلَّمًا مترًا لقياس ما يحتاج قياسه ويصطحب معه جهاز الثريا فيستفيد منه في الأماكن البعيدة التي ينقطع فيها الإرسال. ويصطحب معه جهازه المحمول (الكمبيوتر) ليستعرض الخرائط التي خزنها فيه، كما أنه لا يمكن أن ينسى أقلامه ودفاتره يسجل كل ما يَعِنُّ له خوفًا من أن ينسى بعض ما لاحظه وتوصل إليه. 9 - أنه يلتمس العذر لمن وقع في خطأ فلم يحالفه الصواب في تحديد موقع أو وصف مَعْلمٍ ممن سبقه من البلدانيين: ويقول: رحمهم الله: فما أنا إلا طويلب صغير من طلابهم، وإلا فهم الذين تكبدوا المشاق ورسموا الطريق، مع ما كان يعوزهم مما هيأه الله لنا من مراكبَ مريحةٍ وطرقٍ معبدةٍ وأجهزةٍ تختصر علينا الجُهْدَ والوقت. كما أنه دائماً ما ينصف البلدانيين القدماء كياقوت الحموي والبكري فهو يقول: «إنه من غير الملائم أن نتسرع بالقدح في النصوص التي أوردها علماء البلدان القدماء أمثال ياقوت والبكري إلا إذا ظهر لنا بما لا يدع مجالًا للشك خطؤهم. ونحن نشأنا في الجزيرة العربية وشاهدنا تلك المواضع ولدينا النصوص التي تتحدث عنها ومع هذا وقعنا في الخطأ فعلينا عدم التسرع بالقدح بأقوال الآخرين خاصة مَنْ لهم باعٌ طويل في هذا المجال، وعلى كلٍ ليس هناك أحد معصوم من الخطأ ولكن التشكيك في مقدرتهم على عدم تمييز الشواهد على حقيقتها غير مسلم به. فهم بلا شك أعرف منا بتلك المواضع، والشواهد التي ساقوها سواء كان ذلك شعرًا أو نثرًا لأنهم أخذوا عن رواة ثقات حديثي عهد بتلك المواضع وهؤلاء الرواة الذين نقل عنهم ياقوت والبكري والأصفهاني هم أهل تلك الديار وأدرى الناس بها. وإنما يقع عدم تمييز الشواهد على حقيقتها منا نحن في هذا الزمن نظرًا لما طرأ على المواضع مع تغيير وتبديل في مسمياتها». (نظرات الكتاب الثاني ص29). 10 - انشغاله بالمعرفة طيلة توجهه إلى هذا الهدف السامي والغرض النبيل لا يستقر له قرار ولا يهدأ له بال حتى يضع بصمته على كل موضع جغرافي، فهو مثال حيٌ على القدرة المدهشة في مواجهة تقدم العمر، وتحويل مرحلة الشيخوخة إلى محفز للعطاء الغزير، والإنتاج الوفير. قد امتلك قدرة هائلة على البحث والتنقيب، إيمانًا بسمو هدفه في توثيق المعلومات الجغرافية في الجزيرة العربية. 11 - محبته لهذه الأرض وشغفه بهذه المعالم: كان لشدة ولعه وإلفه ومحبته لهذه المعالم والمواضع والجبال والآثار يضفي عليها صفة الحياة ويخاطبها خطابَ مَنْ يعقل ويحاورها حوارَ من يفهمُ ويدرك. وهذا الأسلوبُ المليحُ اختص به شيخُنا -رحمه الله- وكان يشعرُ بجمال هذه المعالم فيعبِّرُ عما يداخل قلبَهُ وينسكبُ في روحه ويحرك مشاعره تُجاه هذه الهضاب ونَحْوَ هذه المعالم التي أسرته بحسن صنعتها وجمال طبيعتها، وما تزخر به من آثار، وما تبديه له من مناظرها الجميلة، وتشكلاتها البديعة ‘ لقد عَشِقَ صحراءَ بلاده بسهولها وجبالها وحزونها وحرارها ورياضها وشعابها وأوديتها وهضابها.. فهو يقول حينما بات ليلة من الليالي على كثيب من كثبانِ النفود الكبير (رملة عالج) قديمًا في الجهة الغربية منه فلمّا انبلجَ الصباحُ وأشرقَ النّورُ رأى أمامه جبلَ حِبرانَ يتراءى أمامه بجماله الأَخّاذ ولونه الأرجواني المتلألئ فهو يقول - رحمه الله -:»وفي هذا الصباح الباكر كل شيء من حولنا جميل يبعث في النفس البهجةَ والسرور: حمرة الرمال المنبسطة مع المناظر السامقة، جبل حِبران وهو أقربها إلينا ويجاوره من الغرب جبل العرفاء ومن خلفهما جهة الجنوب جبل أم الأرسان وجبل الجِشّ، لقد مكثنا في هذا المكان ما يقرب من ساعة للتمتع بهذه المناظر الخلابة. وفي هذه اللحظة أدركت كيف شُغف الرحالة الأوربيون بمناظر النفود الكبير وجباله وخاصة مما يلي منطقة حائل.. ثم يُردِفُ الشيخُ -رحمه الله- قائلًا: لقد سألت الأخ سعدًا ونحن واقفان على هذا المكان المرتفع من رمال النفود الكبير لماذا نحن واقفانِ هنا؟ كيف مرَّ الوقتُ دون أن نشعر؟! بالفعل لقد كانت عيوننا مفتوحة تحملق بما حولنا من مناظر بديعة قد لا يعبر مثلي بما يحسه في هذه اللحظة من شعور غريب بما يشاهده. (نظرات في معاجم البلدان، الكتاب الثاني ص379/380) ويقول: «وفي هذا المكان يلتقي وادي الجرير (الجريب قديمًا) قادمًا من الجنوب بوادي الرُّمَة، وقريبًا من ملتقاهما يقع جبل بَدَن يتركه وادي الجريبُ شرقًا منه. وفي هذا المكان ينتهي نفود العُريق – عريق الدسم، حيث يحف به وادي «الرمة» من طرف نهايته، ووادي الجريب يمشي بمحاذاته من جهة الغرب حتى يدفع في الرُّمَة.. ثم يقول: إنها مناظر خلابة خاصة في مثل هذا الوقت الذي تتلألأ فيه رمال النفود الحمراء غِبَّ المطرِ، وتكتسي الأرضُ بحلتها الخضراء المزركشة بألوان الزهور المتفتحة مع الصباح. (نظرات في معاجم البلدان الكتاب الثاني ص 270) فشيخنا يشعر بجمال هذه الأرض التي أَحَبَّها أَعْظَمَ الحُبِّ وألفها كُلَّ الإلْف فخالط حُبُّها منه اللّحْمَ الدم. ويقول بعد أن قرأ كتاب الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله- «حُلُمٌ في نجد» حينما عَبَر الطنطاوي رمال الدهناء في فصل الصيف اللاهب وشمسه المحرقة على متن القطار فأخذ يتساءل: أين آيات الجمال التي كنا نقرؤها في شعر شعراء العرب وهم يتغنون بجمال نجد وبهاء الدهناء؟! (ليتني أصحب الشيخ في فصل الربيع عندما تأخذ الأرض زينتها فتتفتح عيناه مع إطلالة الصباح الباكر بعد نوم عميق في «سقط اللوى بين الدخول فحومل» لأسمع ما سيقوله الشيخ من شكر للخالق المبدع على ما أودع في تلك الناحية من أسرار الجمال. أو أقضي معه وقتًا ممتعًا في وادٍ من أودية «شِعْب الشَّمُوسين» الواقع على ضفاف وادي «الجريب» لأرى تعابير الدهشة مرتسمة على محياه عندما يرى جمال المنطقة هناك بهضابها ذات المناظر الخلابة. أو أتجول معه بين هضاب «قُطيَّاتٍ» الواقعة في وَضَحِ الحِمَى «حمى ضرية» تلك الهضابُ الحمراءُ الملساءُ التي يخيل للناظر إليها عندما يداعب النسيم نبات «النصي» فتبدو وكأنها أواني ذهبية كفئت على بساط مزركش. أو نتجول سويًا في هضاب المخامر «هضب الأشيق» قديمًا هذا الهضب الذي وصف الهَجَرِيُّ رحمه الله تربته بالكافور. أو نقوم برحلة إلى وادي «الشوكي» الواقع شمال شرق « الرياض» عندما يكتسي بأنواع النباتات وتتفتح أزهارها فكأني بالشيخ وقد وقف مبهورًا لترتسم في ذهنه صورةٌ لن ينساها وقد تنسيه ما شاهده من جنانِ الشامِ، وأوديةِ لبنان. وحينئذ يتأكد له أن القوم لم يكن تغنيهم بنجد ضربًا من الخيال ولكن لو أن الشيخ شاهد تلك المرابع لأشغلته الحقيقة عن الخيال فلم يحصل هذا الحلم الجميل الذي رآه وهو جالس في مقعد القطار، وكم من حلم أمتع من حقيقة. (نظرات الكتاب الأول صفحة 8، 9). ولو ذهبنا نستقصي ما كتب عن حبه لها خلال بحوثه وتحقيقاته لطال بنا المقام ولخرجنا عما نحن بصدد الكتابة عنه كان -تغمده الله بواسع رحمته- هو الذي يتولى إعداد الطعام لنا فهو كما رأينا في المقال الأول يعد لنا العشاء، وهو هنا يعد لنا طعام الفطور كل ذلك محبة في خدمة مرافقيه وتواضعاً وجبلة فيه. 12 - قبول النقد، وعدم التعصب للرأي، والتواضع الجم، والتخلي عن حظوظ النفس: فشيخنا -رحمه الله- ربى نفسه وزكاها بالعلم النافع والعمل الصالح والعقل الراجح، فابتعد عن الرياء والسمعة والعجب والمباهاة، فكفى بالمرء جهلا أن يعجب بعمله، وعلم -رحمه الله- أن التعصب للرأي مرض خطير يصيب الإنسان بسبب الجهل وضحالة التفكير؛ فيعمي بصيرته ويطمس نور عقله؛ فيدفع الحق وينكر الصواب؛ انتصارا للرأي ومحبة للمدح والثناء. إن التعصب يعيق عملية التقييم والتصحيح المراجعة، ويقف عائقاً دون تزكية النفس، والصعود في درجات الكمال. 13 - الشجاعة الأدبية وقوَّة القلب، وجُرأة النفس، وثَبات الجأش في الصدع في كل ما يرى أنه حق، والإعلان لكل النتائج التي توصلها إليها في بحوثه ورحلاته، وأنها هي الحقيقة التي سعى إليها وتعب من أجلها ولو غضب من غضب ورضي من رضي.. ولا شك أن الشجاعة خُلُق كريم ووصْف نبيل، وهي من صفات الكمال والجلال والجمال؛ إذا كان رائدها العقل لا الهوى، ونشدان الحق لا الحماس، مُتَّزِنة برفق، ومُتوافِقة مع الحكمة. فتَجعلُ الإنسان يَنطِق بالحقَّ، ويَتكلَّم بالصِّدق، فتحقَّق لشيخنا -رحمه الله- بهذه الشجاعة ما أراد، وضل يسير في طريقه غير عابئ بالمخذلين، ولا ملتفت للمعوقين.. يقول أحمد شوقي: إِنَّ الشَّجَاعَةَ فِي القُلُوبِ كَثِيْرَةٌ.. وَوَجَدْتُ شُجْعَانَ العُقُولِ قَلِيلا ويقول المُتنبي: الرَّأْيُ قَبْلَ شَجاعةِ الشُّجْعَانِ.. هو أَوَّلٌ وَهِيَ المَحِلُّ الثَّانِي فَإِذَا هما اجْتَمَعَا لِنَفْسٍ مَرَّةً.. بَلَغَتْ مِنَ العَلْيَاءِ كَلَّ مَكَانِ وَلَرُبَّمَا طَعَنَ الفَتَى أَقْرَانَهَ.. بِالرَّأْي قَبْلَ تَطَاعُنِ الأَقْرَانِ عرض سريع لبعض كتب شيخنا عبدالله الشايع -رحمه الله-: قد يتساءل من لم يطلع على كتب الشيخ -رحمه الله- ما الشيء الجديد الذي جاء به الشيخ؟ واستدرك به على من سبقه من علماء البلدان؟ فهنا نستعرض بعض كتبه وبعض المعالم التي توصل الشيخ إلى تحقيقها وتحديد أماكنها بدقة تامة، مما فات البلدانيين السابقين أن يحددوها تحديداً دقيقاً أو لم يتوصلوا إلى معرفتها فجهلوها جهلاً تامًا. وقد رتبت كتب شيخنا -برِد الله مضجعه- حسب تأليف الشيخ وإصداره لها: 1 - نظرات في معاجم البلدان (الكتاب الأول) في هذا الكتاب حقق معالم كانت مشهورة في نجد وذكرها كثيرٌ من شعراء العرب في الجاهلية والإسلام، ثم تطاول عليها الزمن وألقى عليها الجهلُ ضلاله، وضرب عليها بأطنابه في العصور المتأخرة فجهلها الناسُ الجهل التام، فغيروا أسماءَها فوضع لها أسماءَ حديثة حتى أصبح اسمها الأول في خبر كان كما يقال حتى جاء شيخنا عامله الله بلطفه، فنفض عنها غبار الزمن وأزاح عنها ستار الجهل، وأعاد إليها أسماءها التي سلبت منها ومن ذلك: 1- هَضْبُ القَلِيْب الذي جرت فيه أحداثُ داحسَ والغبراء وما دار حوله من حروب طاحنة أو قد نارها رهانٌ على فرسين هما «داحس»، «الغبراء»، تلك الحروب التي دارت رحاها فطحنت في ثفالها الأبطال الذين أوقدوا نارها، وأصحابُ المعاجم لم يوضحوا مكانه بأكثر من أنه يقع في أرض الشَّرَبَّة من عالية نجد، وهم ليسوا بحاجة إلى الإسهاب في تحديد موقعه بأكثر مما قالوه لأن الناس في عصرهم يعرفون هذا الهضب بعينه. أما في وقتنا الحاضر فإن كثيرًا من المواضع سميت بغير أسمائها، ومن ضمنها هضبُ القليب هذا. وقد كتب عن هضب القليب في وقتنا هذا اثنان من علماء البلدان وهما محمد بن بليهد وسعد بن جنيدل -رحمهما الله- ولكنهما لم يوفقا لتحديده تحديدًا دقيقًا.. وقد أخذ هذا المعلم المهم والهضب الذائع الصيت في كتب التاريخ والأدب والبلدان من كتاب شيخنا مائة صفحة. وفي هذا المبحث تحديد لنجد وما يسمى بأرض الشَّرَبَّة وغيرهما من المباحث المهمة.. الموضع الثاني: تعيين ثهمد الذي ذكره طرفةُ في مطلع معلقته: لِخَوْلَةَ أطلالٌ ببرقةِ ثَهْمَدِ تلوحُ كباقي الوُشْمِ في ظاهرِ اليدِ ويعتبر شيخنا أوَّلَ مَنْ دلّ عليه، وحدده تحديدًا صائبًا، وقد أخذ هذا المبحث من الكتاب 35 صفحة. الموضع الثالث: «إجلاءُ الخنافس عن وَضَحِ الحِمَى»، وهو خاص في البحث عن قُطيّات التي ذكرها امرؤ القيس بقوله: أصاب قُطياتٍ فسالَ اللِّوَى له فوادي البَدِيِّ فَانْتَحَى لأَرِيضِ وهي هضاب حمر جميلة تقع جنوب الحمى حمى ضرية، وتسمى اليوم الخنفسيات وأخذ هذا البحث من الكتاب 32 صفحة الموضع الرابع: خفا وضُفاف: ذكر في هذا البحث العرائس والأنسر والمِنْقَعَةَ وَبَيَّنَ أنّ خَفَا ليس هو خُفاف كما ظنه بعضُ البلدانيين، ومن قرأ هذا المبحث الشيق عرف أن الشيخ -رحمه الله- من كبار الأدباء ومتذوقي الشِّعْرِ ومن المحققين الكبار ويذكّرنا بالأصمعي والهَجَري ونحوهِما. وقد أخذ هذا المبحث عشرين صفحة من الكتاب. الموضع الخامس: مَعْدِن الأحسن فقد حقق الشيخ مكانه بكل دقة ووضوح وصور الحُفَرَ والأخاديد التي ما زالت ماثلة للعيان، كما حقق في هذا المبحث الرمادية والهمجة ووادي الجذاة، وماءة الجذاة، ومَعْدِنَ الكوكبة، وحقق قريبة العِيْصان، ومعدن العيصان. وأخذ هذا المبحث اثنين وأربعين صفحة من الكتاب. الموضع السادس: في تحقيق هَضْبِ مُتالع ومنزلِ إِمّرَة وشيخنا أول من عَرَفَ متالعَ بعينه، ودَلّ عليه حتى أن الشيخ حمد الجاسر تراجع عن قوله وأخذ برأي الشيخ عبدالله الشايع، وهذا المبحث استغرق 44 صفحة من الكتاب. نظرات في معاجم البلدان (الكتاب الثاني): في هذا الكتاب مبحثان فقط ولكنهما مبحثان مهمان لأماكن مشهورة في نجد: فالمبحث الأول: خصصه الشيخ -رحمه الله- عن يوم الكُلاب الأول وعن يوم الكلاب الثاني، وقد أخذ البحث عن موضع الكُلاب الذي هو من أشهر أيام العرب في الجاهلية من الشيخ برَّد الله مضجعه جُهْدًا مضنيًا، ولاقى تحقيقه لهذا المكان عنتًا وتعبًا كبيرين وزيارات كثيرة متكررة وكان كثيرًا ما يذكر لي أن تحقيق يوم الكلاب أخذ من وقتي الكثير، وقد تكلم في هذا المبحث عن وادي السرداح، ووادي السُّرّة، وقِدَّة، وستار الشُّرَيف، والشعبة وذو خُشب. قال الشيخ -رحمه الله-: «وبعد القيام برحلات ميدانية إلى جبال العرض وإلى بلدة (نخيلان) ومجاري الأودية هناك، وبعد تطبيق النصوص التاريخية وأقوال علماء البلدان وأبيات الشعر العربي تبين لي: أن وادي الكلاب الذي تَخفَّى فيه بنو تميم عندما خافوا من ملك فارس ومن أعدائهم من العرب ما هو إلا ما يسمى في وقتنا الحاضر وادي (الَخنْقة) الذي تبدأ أعاليه من مرتفعات الشُّريف وجهات جبل (مأسل الجمح) ومأسل جأوة باهلة وغيرها. ولكل فرع من فروعه اسم خاص به كبقية الأودية التي تماثله في طول المجرى وكثرة الفروع، وأن الكلاب يطلق على الوادي وعلى المكان الذي يجري فيه قبل انحداره من جبال العرض بالقرب من قرية نُخيلان، وقد يطلق على تلك الناحية (قدَّة) أيضًا لوقوعها في وسط جبال القِدّ..». وقد استغرق هذا المبحث مائة وثمانين صفحة. المبحث الثاني: وهذا المبحث يتضمن تحقيقًا للأماكن التي ذكرها امرؤ القيس في الاثني عشر بيتًا في آخر معلقته. وهي مواضع كثيرة منها ما كان تحقيقُه مَحَلَّ خلافٍ بين البلدانيين في وقتنا الحاضر ومنها ما لم يحقق من قبل، وَأَهَمُّ موضعين كان الشيخ -رحمه الله- يريد تحقيقَهما هما الستار ويذبل وحقق في هذا المبحث المُجيمر، وساق الفروين، وضَبُع، وذو طلوح، ورقد، وكتيفة، والمحلاني، ذو العشيرة، ومواسل، ومُجيمر غطفان، والبعايث (تيماء قديمًا) والحاجر، وقروراء.. إذن هذه المواضع واقعة بين ضارج والعُذَيب فشيخنا يقول «وأقول لكل ما تقدم: إن جميع المواضع التي ذكرها امرؤ القيس في أبياته التي مرت معنا كلها تقع فيما بين أبان وقطن، وبين أعالي وادي الرمّة الشمالية والغربية، وبين صحراء الغبيط شرقًا، وهذا أمر واضح وجلي لكل من يمحصُ ويدقق.. الكتاب الثالث: نظرات في معاجم البلدان الكتاب الثالث وتناول فيه شيخنا أسبل الله عليه سحائب الغفران المعالمَ التي هي على طريق الحج البصري وبدأ تتبعه لهذا الطريق من الأسياح (والنِّباج) شمال شرق القصيم وحتى ذات عرق بالقرب من مكة شرفها الله تعالى، وهي منطقة جغرافية واسعة ومسافة شاسعة نال الشيخَ في تتبعه لهذا الطريق كلُّ التعب وذاق مرارة المعاناة وتحمل كلَّ المصاعب، خاصة أن هذا الطريق لم يتمَّ مسحُهُ من قبل ولم يتناوله أحد بالدراسة فيما سبق. ومن المواقع المهمة التي اكتشفها المؤلف أثناء تتبعه لهذا الطريق والتي لم تكن معروفة من قبل متعشى العوسجة، ومنزل الرمادة وبطن عاقل، إمّرة والرائغة، ومنزل طخفة، وأبرقي حُجْر، وغيرها. الكتاب الرابع: مع امرئ القيس بين الدخول وحومل وقد أحدث هذا الكتاب ضجةً كبيرةً وأثار جدلًا واسعًا فقد قام الشيخ -رحمه الله- بدراسة أقوال المتقدمين والمتأخرين حول هذين المعلمين وقارن بينها، ثم قام بجمع ما تمكن من جمعه من شعر العرب الذي ورد فيه ذكر لهذه المواضع، وكذلك أقوال علماء اللغة. ومن هذا الأقوال مجتمعة، وعلى ضوء النصوص القديمة خرج بنتيجة حدد بها أماكن تلك المواضع واهتدى إلى أماكنها الصحيحة: فنقل شيخنا -رحمه الله- الدخول من الجنوب إلى الشمال مئات الأكيال، كما حولهما من جبال إلى رمال. كما أنه تكلم في هذا الكتاب عن سقط اللوى، وتوضح، والمِقْراة، ومأسل، ودارة جُلْجل، ورغم شهرة هذه الأماكن وكثرة ورودها في شعر العرب إلا أنه قد لفها الغموض، بحيث خفي أمرُ تحديدها على بعض المتقدمين، فمنهم من قال: إنها في اليمامة، ومن قال: إنها في حمى ضرية، ومن قال: إنها في الشام، أما الباحثون في وقتنا الحاضر فلهم تحديد مغاير. وهذا الاختلاف حدا المؤلف -رحمه الله- إلى استعراض آراء المتقدمين والمتأخرين، وحصر النصوص الواردة من شعر ونثر؛ حتى استقام له ما اعْوَجَّ على غيره واستتم له ما نقص عند من سبقوه وبان له ما غموض على من تحدث عن هذه المعالم وحاول تحديدها قبله -رحمه الله-. ويقع الكتاب في 274 صفحة. الكتاب الخامس: بين اليمامة وحَجْر اليمامة «تحقيق طرقهما القديمة وأعلامها المثيرة» تحدث المؤلف في هذا الكتاب عن اليمامة، وهو ما يسمى اليوم بالخرج وعن حَجْر اليمامة وهي الرياض، وقد تطرق المؤلف -رحمه الله- إلى الكلام عن العديد من القرى التي كانت محيطة بحجر اليمامة كما قام بتحقيق سوقِها التجاري الذي كان يعقد بعد نهاية حج كل عام. ثم شرع في تحقيق مسارات الطرق المنطلقة منها، بعد أن تعرف على أعلامها، وقد ابتدأ بتحقيق مسار الطريق الأيمن لحاج حجر اليمامة، كما حقق العديد من الأماكن التاريخية والجغرافية التي يمر بها هذا الطريق. الكتاب السادس: أعلام الطرق القديمة بين خيال الباحثين الواقع احتار الرحالة المكتشفون بشأن الصُّوى الدوائر والمذيلات الحجرية المنتشرة بكثافة في أرض المملكة العربية السعودية فمنهم من قال عنها على اختلاف أنواعها أشكالها – إنها قد تكون: - مساكن ومقابر تعود لعصور حجرية. - أماكن لأمور تعبدية كعبادة النجوم. - أمور لها علاقة بالسحر الشعوذة. - مصائد للوحوش النافرة. - الكثير منهم لم يستطع تعليلاً لها، وقد تبعهم في هذه التفسيرات بعضُ المتخصصين بالآثار عندنا. وكان الشيخ عبدالله الشايع -رحمه الله- يرى في هذا الكتاب أن الغالبية مما شاهدوه ووقفوا عليه ما هو إلا أعلام طرق القوافل القديمة. ولا شيء غير هذا.. وقد عَرّف المؤلفُ في هذا الكتاب الأعلام، والمنارَ، والأميالَ، والصوى، الآرام وأورد كل ما قاله القدماء من شعراء ومؤرخين وكتاب عن هذه الأشياء. الكتاب السابع: الطريق التجاري من حَجْر اليمامة إلى الكوفة إلى مكان التقائه بدرب زبيدة من وراء لينة. وقد توصل -رحمه الله- إلى تحقيق كثير من الأماكن التاريخية التي كانت على هذا الطريق أو قريباً منه، والتي كانت محلَّ خلافٍ بين علماء العصر الحاضر مثل: الحُبَل والبالدية تِعْشار، وتلعة، والسُّقْيا، والمجازة، والحفيرة، وغيرها من الأماكن، وذلك بعد محاورته لأقوال المتقدمين المتأخرين بشأنها. الكتاب الثامن: الطريق التجاري من حجر اليمامة إلى البصرة طرق القوافل التجارية القديمة ما زالت جوادُّها أعلامُها ماثلةً للعيان يستدل عليها من يتوسمها ويقع عليها من يتقرّاها. وقد حرص الشيخ –رحمه الله– على البدء بتحقق مسارات الطرق التي ورد وصفها في كتب البلدانيين ومن بينها موضوع هذا الكتاب وهو «الطريق التجاري من حجر اليمامة إلى الكوفة»، وقد بذل -رحمه الله- قصارى جهده في تتبع مسار هذا الطريق تحقيق موارده وأماكن أعلامه من صوى ومذيلات ودوائر حجرية، وذلك من بداية انطلاقه من الرياض (حجر اليمامة) قديماً حتى بلغ ماء «طويلع» قرب مدينة «قرية العليا». وقد توصل المؤلف -رحمه الله- إلى تحقيق بعض الأماكن التاريخية الجغرافية التي كانت محل خلاف بين الباحثين في وقتنا الحاضر مثل: الحرملية، طار, الجربا، الرِداع، ذات الرئال. حَفَر بني سعد، دَحْل خريشيم، رمل المِعا، طويلع، وغيرها. الكتاب التاسع: في أرض البخور اللبان وهذا الكتاب حصيلة رحلات ميدانية قام بها الشيخ عبدالله الشايع -رحمه الله- في بعض مناطق (سلطنة عُمان)، وقد وصف ما وقف عليه من مشاهد أثرية محدداً أماكنها حسب دوائر العرض خطوط الطول، مدعماً وصفه بالصور الفوتوغرافية، وفي محافظة ظفار ركز اهتمامه على ظاهرة (الأحجار الثلاثية) التي كانت محل اهتمام الرحالة الباحثين الأجانب، انفرد برأي يخالف آراء من سبقوه بشأن الغرض الذي وضعت من أجله تلك الثلاثيات الحجرية المنشرة بكثافة حول مصادر المياه وعلى ضفاف الأودية جَوادِّ الطرق بشكل لافت للنظر، حيث يميل -رحمه الله- إلى أنها مما تبقًّى ظاهراً من مساكن عاد قوم هود آخذاً برأي من قال من المفسرين (إن مساكن عاد الأولى خيام ذات عِمَاد، وليست قصوراً ذات أعمدة). الكتاب العاشر: في أرض الشِّحر الأحقاف هذا الكتاب رحلة قام بها -رحمه الله- إلى الجمهورية اليمنية، وَصَفَ من خلالها ما وقف عليه من آثار مأرب وسدّها القديم، وكذلك ما شاهده في جبلي العلمين الأبيض الأسود. ووادي حضرموت، ووادي دوعن. وقد ركّز -رحمه الله- على الحديث عن أرض الشحر الأحقاف التي كانت فيها مساكن عاد قوم هود عليه السلام. وذكر -رحمه الله- ما قاله علماء اللغة والمفسرون، والبلدانيون ما قاله أهل اليمن عنها وعن الأحجار الثلاثية المتناثرة على طرقها. الكتاب الحادي عشر: أطلس الشواهد الأثرية على مسارات طرق القوافل القديمة في شبه الجزيرة العربية هذا الأطلس يقدم مائةً وثماني أربعين صورة لنماذج أنماط من الصوى المذيلات الدوائر الحجرية غيرها. وقف عليها -رحمه الله- أثناء تتبعه لمسارات طرق القوافل القديمة ضمن رحلات ميدانيةٍ، شملت المملكة العربية السعودية، والمملكة الأردنية الهاشمية، وسلطنة عُمان، واليمن من خلال مشروع (تحقيق مسارات طرق القوافل القديمة في شبه الجزيرة العربية) الذي تحتضنه دارة الملك عبدالعزيز، كما كان له وقفات عند بعض هذه الأشكال الأنماط الحجرية. ويعرِّف -رحمه الله- بالركامات الحجرية المتناثرة على أرض الجزيرة العربية ويسرد أقوال علماء اللغة فيها، ووصف الشعراء لها، يختتم بالحديث عن مناظر تنوعت بين نقوش أثرية ومناظر طبيعية وعلامات طرق باقية وهضاب تشكلت في قوالب جمالية استوقفته -رحمه الله- أثناء الرحلات استحقت الإشارة إليها. الكتاب الثاني عشر: طريق الأَخْرِجَة من (فَيْد) إلى (المدينةالمنورة): وقد صحبتُ شيخنا -رحمه الله- في تحقيقه لغالب منازل هذا الطريق ومتعشياته موارده وأعلامه. وهذا الكتاب يحقق أحد أهم ثلاثة طرق للحجاج القادمين من العراق، وهو ما يسمى (طريق الأخرجة) الذي يتفرع من منزل (فَيْد) الواقع في الجنوب الغربي لمدينة حائل، يمتد إلى المدينةالمنورة، وسماه بعض المؤلفين (طريق العُنَاب).. وقد وقف الشيخ عبدالله الشايع -رحمه الله- على ما بقي من معالم هذا الطريق، ومن أشهرها: لحي الجمل، وغمرة مرزوق، وهضبة الكوكب، العنابة، وَحُسَ بطن الرمة، وضبة الغراء، العجاجة، أسود العشاريات الحوارة، غيرها. ** **