يمر الإنسان في بعض جوانب حياته من حين لآخر بلحظات الفرحة الشديدة والسعادة الغامرة ولا تسعفه الكلمات لتوضيحها أو وصفها، ويعجز اللسان في التعبير عنها بالكلام المسموع، ولا يستطيع أن يوفيها حقها، مثل اللحظة التي استلمت فيها جائزة تكريم الوالد الشيخ إبراهيم الحجي رحمه الله كواحد من أوائل رواد التعليم المكافحين في منطقة سدير الذي كان يتيماً وبدأ حياته بالعمل فراشاً في مدرسة الصانع في المجمعة في السنة العاشرة من عمره، وكان يعمل ويتعلم ويعول أمه وإخوته الصغار ومسؤولاً عنهم، ومنها ترقى في سلم التعليم إلى أن وصل إلى منصب وكيل وزارة المعارف التي تغير اسمها فيما بعد إلى وزارة التربية والتعليم، وتقاعد بعد أن أكمل (50) عاماً في خدمة التعليم. وشاركني هذا الشعور جميع أبناء رواد التعليم المكافحين في منطقة سدير الذين استلموا جوائز التكريم نيابة عن آبائهم بعد رحيلهم، وفي مقدمتهم وعلى رأسهم أبناء المربي الفاضل الشيخ عثمان ناصر الصالح مدير عام معهد الأنجال الذي تغير اسمه فيما بعد إلى معهد العاصمة النموذجي، وأبناء معالي الشيخ ناصر حمد المنقورالذي شغل منصب مدير مديرية المعارف آنذاك ثم وزير المعارف الأسبق، وكذلك أبناء الشيخ محمد أحمد الرشيد معالي وزير التربية والتعليم، تغمدهم الله جميعاً برحمته الواسعة. ولابد أن نقدم خالص الشكر والامتنان والعرفان، وأن نعرب عن بالغ التقدير العميق للشيخ عبدالله بن محمد أبا بطين على جهوده المشكورة في إعداد وتنظيم حفل التكريم والتأبين في الملتقى الثقافي الذي حمل اسمه في روضة سدير للاعتراف بفضل رواد التعليم الأوائل في منطقة سدير، وتقديرهم حق التقدير، وتكريمهم بجوائز تذكارية وعينية بعد أن رحلوا عنا وتركوا بصماتهم الواضحة وإنجازاتهم المشهودة في مسار التعليم مع بساطتهم الفطرية وفقرهم الشديد وضيق ذات اليد وشظف العيش وقسوة الحياة، وقهروا العجز وعَبَروا أودية الإحباط وتسلقوا جبال اليأس وأدركوا بفطرتهم السليمة النقية وإيمانهم الراسخ أن المعاناة والجهاد في سبيل العلم والتعليم واجب وطني إنساني لا بد منه، ولا بديل عنه، فتحركوا بخطوات ثابتة وشجاعة راسخة وعزيمة قوية وإصرار شديد للقضاء على الجهل والذل والهوان؛ فدرسوا وتفانوا في طلب العلم وتعلموا وعلموا أبناءهم وأحفادهم، وحملوا مشعل العلم والتعليم الذي شكل حياة الأبناء والأحفاد من البنين والبنات، وصاغوا مستقبل التعليم للأجيال التالية، ورَسَّخوا القيم الإنسانية، وحققوا العزة والكرامة، وفتحوا باب الأمل لأبناء الوطن، فجنى الأبناء والأحفاد ثمار إنجازاتهم المبهرة وكفاحهم المستمر في سبيل العلم والتعليم؛ فاكتسبوا التقدير في حياتهم، واستحقوا التأبين بعد رحيلهم اعتزازاً وفخراً بهم، واعترافاً بفضلهم لدرجة أننا نشعر في الوقت الحاضر بوقوفهم إلى جانبنا ووجودهم معنا ونستحضر أعمالهم التي بذلوها وجهودهم الواضحة التي حققوها، ومازالت ذكراهم باقية ومستمرة في أذهاننا وقلوبنا ووجداننا إلى اليوم، وهم خير مثال يحتذى به للتغلب على الصعاب وقهر التحديات التي تواجه شباب اليوم في معترك الحياة.