ليس مُستغربًا أبدًا هذا الانحدار الثقافي الذي تشهده الساحة المعرفية والمشهد الأدبي الحالي، إنه ما يمكن أن يُطلق عليه مجازًا مُسمى الارتفاع الوهمي، أو العلو إلى الأسفل، حيث أن كل شيء يطفو على السطح، ولا أحد يستطيع الإتيان بالفرائد من العُمق، لأن «الجُزء» الأهم في الكينونة الثقافية قد تخلى عن أدواره مع «الكُل» الناشئ، والذي يظل -ضروريًا- رغم حداثته. إن ما أود قوله هو إن جسد الثقافة لا يُمكن أن يكون قويًا صلبًا قادرًا على الغوص في ظُلمات «المعنى» طالما أنه مفصول «الرأس». ولا يمكنه أن يكون شيئًا فيما عدا هذه الهشاشة الجسدية، والترهلات الجانبية المؤدية إلى تشوهات ستقود ثقافتنا إلى الموت في أفضل الأحوال. وهذا يحدث بشكل طبيعي طالما أن النُخب تنازلوا عن المشهد برمته وتركوا الأطفال يعبثون ويسرحون ويمرحون في الساحة بسذاجة، دونما نقد أو توجيه أو حتى اهتمام بمآلات ثقافتنا بعد سنوات. لابد على المثقف الحقيقي أن يعي دوره الأساسي في تقويم المؤشرات الثقافية، والحالة الأدبية السائدة، بل والعمل على جلبها من العبثية السطحية للارتقاء بها عن الابتذال، والسمو بالمعنى. فمنذ متى كان الأطفال يضعون المعايير الثقافية والأدبية التي ينساق في ضوئها كل كاتب مُبتدئ، ومنذ متى والمشهد يعيد تكرار نفسه مع الإصدارات المظهرية دون جديد يُذكر. ** ** - عادل الدوسري