استحالت لواعج الشعراء في المغرب بين معين الحب البارد وحرورية الحرقة على أطراف شفاه يابسة وحلوق جافة, ما هزت لاجلها وربت وأنبتت من كل طلع زهير, سوى بارقة وراعدة سحابة الشعر المطارة في بيادر أوراق الشاجين, فسلكت لها طرقًا فجاجًا تضيق وتتسع كلما ضاقت بصدر المتبتل بين محاريب القوافي والأوزان, واتسعت صدر القصيدة وأبياتها وعلت.. وعلت من خلال منبرها وصوت مؤذِّن أبياتها يشجو من تخوم المغرب العربي لأطراف منابر المشرق, فيلاصق أضابير ملاحقة ودورياتها وترددات أثير إذاعاتها وموجات أقطاب بث فضائياتها. وما زاده شعراؤهم الجدد الحداثيون بما نقلوه من المشرق الأقصى وحاكوه ومزجوه بمناهل فنهم وإبداعهم, فهاهم «الهاكيون» في قصيدة يقول «هاكيها» إن لديها القدرة الهائلة على اختزال شساعة العالم في لقطات شعرية غاية في الاقتصاد اللفظي والترميز الفني, هاكيهم الذي وصفوه إجلالاً لبدعه وبديعه كقائم على صلاة في الهواء الشعري الطلق ووصفوه أيضًا بأنه تدفق ضوء في جوف الظلمة من ثقب الرؤية, أو بأنه أشبه ما يكون بالتماعة عينيْ قط في الظلام. لم يكن هذا الحال وحده حال ومآل شعرائهم فقط فقاصيهم فيسجرون من الومض قندليات «أقصصية» أسمعوا خلالها العالم صدى إيقاعهم, إيمانًا بأن هذا الفن إن لم يكن فن يقظة وانتباه وإعادة تشكيل للعالم من خلال خرم إبرة إنما هو طلقة ضائعة في الهواء. أعزائي متابعي «المجلة الثقافية» حول هذه الحركات الإبداعية وحول حركتهم الفنية وأغانيهم سنشخص ونرهف أسماعنا طربًا على أنغام مغنوهم المرنمون حين يعزفون على لحن الحياة تاركين العالم بأسره يرقص على حدود المغرب على رؤوس أصابع الموسيقى. شعر الثمانينات وما بعدها استكمالاً لما بدأه الناقد والشاعر الدكتور «عبدالسلام المُساوي» الذي تطرق في الجزء الأول من الملف «الحركة الشعرية « لمحافظة الشعر المغربي على هويته التي تمسك بها, دون أن تصيبه عدوى التصنع والبديع, في هذا الجزء وتحت عنوان «شعر الثمانينات وما بعدها».. يؤكد «المُساوي» على أن الانفتاح على المناهج في الثقافتين الفرنسية والإنجليزية إضافة لمرجعية المقروء والمعيش في الزمن المغربي المعاصر شكل رصيدًا فكريًا وإبداعيًا لدى الشعراء. وقال: نستطيع القول إن مرجعية شعرائها تتكون من رصيد المقروء الغربي إبداعاً وفكراً، خصوصاً بعد انفتاح المناهج التعليمية على الثقافتين الفرنسية والإنجليزية، وبتوجيه من النماذج الشعرية التي أخذت تفرض وجودها كاتجاهات فنية قائمة الذات لشعراء الحداثة في المشرق، بالإضافة -طبعاً- إلى مرجعية المقروء والمعيش في الزمن المغربي المعاصر وفي آدابه، تلك التي تعطي للنص نكهته الحيوية. لقد أدرك الشعراء الثمانينيون أن النص الحقيقي لا يكتسب شرعيته كفن من الرفض الجاهز، والموقف المهيأ في أروقة المقرات الحزبية, ذلك أن النص ليس شارة احتجاج تعمل في السطح, بل هو الشكل الأخير الذي تسفر عنه مواجهة الذات للعالم باللغة المنفتحة على تعدديتها. و«أضاف»: إن أول خصوصية تصادفنا في الشعر الثمانيني هي أن المعنى محروس بأقفال الصياغة وألغاز العبور إلى داخل النص، بمعنى أنه لا مجال للاستهلاك المجاني والسريع الذي عودنا عليه النص السبعيني أيام كان العنوان يكفي لنقل صورة مختصرة عنه، علماً بأن لهذا التوجه مبرراته في الثقافة والمجتمع. وعندما نقول أقفال الصياغة وألغاز العبور إلى النص فإننا نقصد -بالطبع- الوظيفة الشعرية التي أصبحت هاجساً أساسياً عند الشعراء، لأنها هي القادرة على احتضان تلك العلاقة المعقدة بين اللفظ والمعنى التي طالما أرقت حبر النقاد القدامى والمحدثين. والوظيفة الشعرية تستهدف في النص الثمانيني تقييد المعنى بالمعنى أو تكثيف اللغة بحثا عن شكل فني يرتفع بالتجربة إلى أفق تمتين الأواصر بين الدلالة والرؤية. وتابع: إنه لما كان الوزن العروضي هو المكون الرئيس في الشعر المغربي الستيني والسبعيني أو هو شفيع الشعراء أمام نقادهم، فإن التطويح به جزئياً أو كلياً في النص الثمانيني كان علامة دالة على أن ثمة مكونات أخرى ستكتسب مكانة الوزن من دون أن تكون هذه المكونات محددة بشكل دقيق أو حاضرة في وعي الشاعر سلفا. ولربما أسعفنا المصطلح الذي عبر عنه الشاعر محمد بنيس ب»الشعرية المفتوحة»؛ لأن مكونات النص الثمانيني متعددة ويصعب ضبطها بلغة واصفة مباشرة، أو حصرها في خانات معدودة. وفي اعتقادنا أن النقاد لم يبارحوا أفقاً سهلاً متيسراً وهم يعيدون كلام بعضهم البعض أثناء ادعائهم الكتابة عن هذه التجربة. لأن الخلفية النظرية التي يصدرون عنها ما تزال أسيرة التصورات النقدية التقليدية؛ بمعنى أنها لا تساير ذلك المدى المفتوح الذي تخترقه اللغة الشعرية. وأوضح المُساوي: وإذا كنا قد سلمنا بوجود شعرية داخلية مختلفة عن الشعرية الخارجية المحددة في قوانين علمية سبق تركيمها في كتب البلاغة والعروض، فإن محك السؤال سيظل مرهونا بالحفر في هذه الشعرية الداخلية والكشف عن طبقاتها المتداخلة. وما نقوله، هنا، عن النصوص الثمانينية لا يعني التعميم والتعويم، فثمة نصوص أخرى تظل منضبطة لتعاليم القواعد السالفة وإن انتسبت في تاريخيتها لعقد الثمانينيات. إن المعيار لا بد أن يستند إلى رؤية نقدية شمولية تضع في اعتبارها قضية تداخل أزمنة شعرية في مرحلة زمنية واحدة. وربما يكمن هنا سر المغالطات التي تنطوي عليها فكرة التجييل أو التحقيب. إننا، ونحن نرصد تحولات النص الثمانيني، لا نعني سيادة النمط الواحد لدى كل الأسماء، كما لا نصادر على التحولات التي عرفتها نصوص الشعراء السابقين عليهم ممن ظهرت أسماؤهم في ساحة التداول الشعرية إبان عقدي الستينات والسبعينات؛ لأن من هؤلاء من أدركه إعصار التحول فقرر شن القطيعة مع التجربة السابقة، التي فرضها منطق التوجه الإيديولوجي، لينخرط في تجربة أخرى تستجيب للوعي الجمالي الجديد. وربما فاق بعضهم في ذلك النماذج التي يكتبها الثمانينيون, ومن يقرأ اليوم نصوص للشعراء السرغيني، وبنطلحة، وبنيس.. سيعرف أن نصوصهم الحالية أكثر جدة وانفتاحاً على أفق شعري هو الأفق الشعري ذاته الذي ينفتح عليه شعراء الثمانينيات والتسعينيات كنجمي، ولطوبي ومن أشعار «كاتبكم» وآخرين. الشعر المغربي إعصار كوني صامت وأختتم: لقد أصبح الشاعر المغربي المعاصر المتشبع بروح الحداثة، يدرك أن الموضوع في الشعر لا يُكتب من خارجه، وأنه عندما يتقدم إلى القصيدة، فإنه يكون عارياً من الأفكار والمعاني، مفسحاً للطاقة الإيجابية فيه أن تندلق، وهي تتخيل أشكال الدلالات وعلاماتها. فالقصيدة أكبر من الموضوع، والشعر إعصارٌ كوني صامت. كما يعرف أنه لا خير في نصوص تكتفي بمراودة اللغة بلا جدوى، وبدون أن تكون مسنودة بموقف من الحياة والوجود. الهايكو صلاة في الهواء الشعري الطلق وعن قصيدة الهايكو قال الشاعر والناقد «سامح درويش»: إنها لحظة استنارة كاشفة، تأتي بغتة كأي رعشة وجودية لم تكن في الحسبان، ثم تتشكل شهابا مدهشاً، مما يجعل من ممارسة الهايكو صلاة في الهواء الشعري الطلق، صلاة يلتحم فيها المشهد أو اللحظة بالحمولة الرؤيوية للهايكيست لتتفتّق الدهشة بصفاء وبراءة طفولية. فلا يذهبنّ أحدٌ للبحث عن الهايكو عبر تمرينات ذهنية أو فذلكات لغوية، لأن الهايكو -عادة- هو الذي يأتي بفجائية وبساطة ومن غير أي بهرجة بلاغية زائدة, ومتى ما تم الاشتغال على الهايكو بالأدوات الشعرية المعروفة في شعريتنا العربية يفقد الهايكو هويته ويطمسه في أشكال شعرية متاخمة مثل الومضة والشذرة. كما يسري الأمر على نقاد الهايكو الذين ننتظر ظهورهم في مشهدنا النقدي العربي، حيث ينبغي لناقد الهايكو أن يبني أدواته النقدية المناسبة لهذا الفن الشعري بعيدا عن الأدوات والمناهج النقدية التي تم الدأب على استعمالها في نقد الشعر بأشكاله التقليدية المعروفة. واصفًا هذا النوع بأنه تطهير ذاتي للحواس من شوائب العادة, وبأنه إعادة اكتشاف ما سبق لنا أن عرفناه، لكن بشكل مختلف, وبأنه احتكاك تلقائي للإنسان بالطبيعة والمجتمع من حوله, وكتدفق ضوء في جوف الظلمة من ثقب الرؤية وأضاف: إن على «الهايجن, شاعر الهايكو» أن يوصلها للمتلقي بما يعادل دهشة وجمالية وتلقائية تلك الالتماعة كما تحدث على حين غرّة في الواقع. الهايكو في سريرة نفسي مقترن بطائر السُّبَد.. (مُلهِي الرعاة)، كلما حلّ حلت معه صورة هذا الطائر المتفرد الذي كلما اقتربتَ منه واعتقدتَ أنك على وشك القبض عليه يطير أماما ثم يحط غير بعيد عنك ليعطيك انطباعاً مستمراً أنك قادر على القبض عليه، من غير أن تتمكن من ذلك في النهاية إلا إذا حدثت أعجوبة ما, ولا أظن أنه في حياة المرء يمكن أن تحدث أعجوبات كثيرة, وقل ما أوتيتم من الهايكو إلا قليلاً..!!. القص الق جدًا.. الراسخون في الحرف وبعد محور الشعر في المغرب تناول القاص «مصطفى الكليتي» ما يوصف بأنه أحد أنواع القصة وقال: معالجة القصة القصيرة جدا، أتت بغير وعي جمالي بكتابتها عند ثلة من الكتاب المغاربة وصنفت في معظم الأحيان وجنست بالأقصوصة، وبخاصة (50 أقصوصة في خمسين دقيقة) لإبراهيم بوعلو، وتواترت الكتابة في هذا المنحى عند عدة كتاب نذكر منهم على سبيل المثال: أحمد بوزفور، محمد زفزاف، أحمد زيادي.. ثم ترادفت الأسماء التي أبدعت في دائرة القصة القصيرة جداً سواء بتضمينها لقصص قصيرة جداً ضمن أضمومة قصص قصيرة أو وردت منشورة في جريدة يومية أو ملحق ثقافي. وأضاف: في العشرية الأخيرة أقبل على كتابة القصة القصيرة جداً كوكبة من الكتاب، منهم من أتى من القصة القصيرة أو الرواية أو الشعر، ومنهم من كتبها رأساً بدون أن يمر بمعابر سردية رواية أم قصصية، ويذهب الظن عند البعض بأن كتابة القصة القصيرة جداً ظهر قصير من السهولة بمكان الركوب عليه، ولكنها فضاحة لا يجرؤ على تقنيتها وعوالمها إلا الراسخون في الحرف والموهبة، فهي خميرة تجارب إبداعية واختزال لرؤية العالم والوجود فكرياً وجمالياً، فأشبه كاتبها بالمتسابق الذي يركض عشرة آلاف ميل ثم ينتقل إلى خمسة آلاف ميل وبعد ذلك ينتقل إلى ألف لينتهي بالجري والتحدي بمائة متر وكل الركض السابق يسعف المسافة القصيرة المراهن عليها بكل قوة وعصارة إبداع. وتابع: لا غرو بأن الجيل الجديد من الكتاب المغاربة، لهم كعب طويل في كتابة النص القصير جداً، وقد تعددت التجارب والكتابات والتجارب الإبداعية وتوالى إصدار المجموعات، وأمست المكتبة المغربية غنية برصيد هام، تواكبه المقاربات النقدية المحللة والدارسة.. لقد تراكمت المجاميع القصصية القصيرة جداً، وتعدد كتابها، واختلفت التسميات من قصص قصيرة جداً وقصص «منمترية وومضة وقصيصة» وما إلى ذلك، فهذا المنجز الجمالي يشيد معماره ومدوناته بإصرار رغم ارتفاع أصوات حراس التقليد والمنزعجين من كل مغامرة إبداعية تخلخل الثوابت، فالإبداع حركة وجود وتجدد لا نكوص وتجمد، فالقصة القصيرة تقفز بالزانة على كل الحواجز لتخلق مجازها واستعاراتها وإيقاعاتها الخاصة.أعتقد جازماً بأن القصة القصيرة فن المستقبل بامتياز، أدب وامض لماح، فاتح لشهية السؤال والتأمل وإعمال الفكر بدل الاسترخاء الكسول والقراءة الموطئة للنوم، فالقة القصيرة جداً فن يقظة وانتباه وإعادة تشكيل للعالم من خلال خرم إبرة. القصة القصيرة جداً.. إنها القص ق جداً أما القاص والشاعر «حسن الرموتي» فوصف القصة القصيرة جداً بأنها شكل جديد خرج من عباءة القصة القصيرة أو من بعض الأشكال الأخرى في تاريخ الأدب العربي المبثوثة في ثنايا الكتب كالطرائف والأمثال، ويمكن للأب العالمي أي يكون له حظاً في ظهور هذا الشكل في الأدب العربي اليوم، و لعل أدب أمريكا اللاتينية نموذج واضح منوهًا بأن شكل هذا الوليد الجديد صاحبه -ولا شك- جدل حول مشروعيته وقيمته الفنية. وقال الرموتي: في المغرب القصصي هناك كم هائل من الكتابات ما يسمى بالقصة القصيرة جداً، والعديد من الإصدارات النقدية والإبداعية المتفاوتة من الناحية الفنية، ولعل استسهال هذا الفن جعله يولد متعثراً. فأصبحنا أمام نصوص وكلمات لا تقول شيئاً، وتنشر على أنها قصص قصيرة جداً، مع أن هذا الفن له قواعد أهمها التكثيف اللغوي والعمق في المعنى والرؤية، وخاصية المفارقة والدهشة والتلميح غيرها.. لكن بعض الكتاب يختلط عليهم الأمر، فتصبح نصوصهم قصيدة نثر، أو ومضة أو نكتة أو خاطرة. ثم هناك أمر هام، هو أن بعض كتاب هذا النوع اقتحموه مباشرة لقصر نفسه السردي، كاتب (ق ق ج) يجب أن يكون متمرساً وكاتباً للقصة القصيرة وغيرها. وأضاف: (ق ق ج) ليست ترفاً أدبياً كما يعتقد الكثيرون ممن استسهل هذا الجنس، وسار يكتب أي شيء ويسميه نصاً قصصياً قصيراً جداً، خاصة في العالم الافتراضي الأزرق في غياب الرقابة النقدية، وغدت بعض المواقع تقيم مسابقات وتقدم شهادات تقديرية للفائزين، هو أمر محمود، أكيد أن ثمة نصوصاً جميلة، وأذكر على سبيل التمثيل لا الحصر مصطفى لغتيري، عبدالله المتقي، السعدية باحدة وغيرهم, لكنها تضيع في خصم واسع من النصوص التي لا تحمل رؤية عميقة أو هدفا يجعلها تستحق لقب (ق ق ج). خلاصة القول إن (ق ق ج) لا تمنحك كل شيء، ولكن القارئ اللبيب هو الذي يمنحها الحياة ويفتح أبوابها على دلالات متعددة, هي في النهاية طلقات صائبة تصيب الهدف لكن على الرامي -الكاتب- أن يكون ماهراً، وإلا ضاعت في الهواء. ريادة الخطاب النقدي المغربي استطاع الخطاب النقدي المغربي أن يحقق ريادة حقيقية ضمن المشهد النقدي العربي، ما يؤكد نجاحه في تشكيل رؤية إيجابية نحو الثقافة المغربية، وهذا ما أكده الناقد الدكتور «خالد التوزاني» الذي أشار لوجود نهضة نقدية معاصرة، يقودها نخبة من النقاد المغاربة بمختلف انتماءاتهم التاريخية والفكرية والمنهجية، تحقق تكامل الأجيال الثقافية وتَواصُل التلقي لتأسيس فسيفساء النقد المغربي المتشبع بالثقافات الإنسانية والمتحلي بروح الأصالة مع التطلع نحو العالَمية. فهناك عدة مؤشرات موضوعية تؤكد ريادة الخطاب النقدي المغربي، نستحضر منها عدد الإصدارات النقدية التي ينتجها المغاربة والتي هي في تزايد ملحوظ على مستوى الكم وأيضا النوع من حيث المواضيع التي تتناولها والتي تحمل بص مات إبداع واضحة، فضلاً عن تجريب المناهج النقدية الحديثة وتكييفها مع النص العربي والخصوصيات المحلية، مما جعل الكِتاب المغربي يتصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعاً بمعارض الكتاب الدولية، وأيضاً انتزاع عدد من النقاد المغاربة لجوائز عربية وأجنبية، مما يدل على نهضة مغربية في النقد العربي بل وريادة حقيقية، ينبغي لتستمر أن يتم مأسستها وصيانتها بتفعيل قوانين حماية الملكية الفكرية وتثمين المنجز الثقافي وإعادة الاعتبار للمثقف مادياً ومعنوياً عبر إشاعة ثقافة الاعتراف، وأيضاً عبر فتح آفاق جديدة أمامه وخاصة إصلاح الأنظمة والقوانين الأساسية التي ينبغي أن تجعل من الإبداع الفكري والأدبي عنصراً من عناصر تقييم الأداء المهني والوظيفي. وأضاف التوزاني: إن الحديث عن الخطاب النقدي المغربي اليوم أصبح يفرض نفسه ليس بوصفه منجزاً ثقافياً فحسب، وإنما بوصفه كذلك مدرسة نقدية متميّزة موضوعاً ومنهجاً، تملك جهازها المفاهيمي وأدواتها الإجرائية وتطبيقاتها النصية والتداولية، ولها أعلامها وروادها، وقد حققت تراكما واضحاً دليله الحضور المغربي البارز في الثقافة العربية المعاصرة، ولا شك أن هذه المدرسة تمثل نتاج أجيال وحوار ثقافات متداخلة، بعضها وافد والبعض الآخر متأصل في البيئة المغربية، تعكس هوية ثقافية مغربية موحدة، لا يمكن فصل مكوناتها إلا من باب الدراسة وتعميق البحث. يبقى الحديث عن مدرسة نقدية مغربية حديثاً سابقاً وتحت عنوان «يبقى الحديث عن مدرسة نقدية مغربية حديثا سابقا».. قال الناقد الدكتور عبدالرزاق هيضراني: مما لا شك فيه أن النقد المغربي له حضور متميز في المشهد الثقافي العربي تأسيساً وتأصيلاً وممارسة. ومن يتأمل النشاط النقدي المغربي يخلص إلى أنه قد ساهم كثيراً في بلورة وعي نقدي مختلف. ولهذا الاعتبار تحولت بعض الكتب النقدية إلى مراجع لا يمكن الاستغناء عنها سواء في السرديات أو السيميائيات أو البنيوية التكوينية أو التأويلية في حين يبقى النقد الثقافي غائباً باستثناء بعض الاجتهادات القليلة جداً. فأمر طبيعي أن تتعدد المناهج ذلك لكونها تغني المشهد النقدي وتجدد آليات قراءة النص والحياة. لكن عندما نتحدث عن مدرسة نقدية يطرح أكثر من تساؤل.. يفرض علينا أن نتحول إذاك إلى الاهتمام بحضور العقل النقدي ككل، خلفياته وبيئته وكذلك آفاقه. معنى ذلك أنه لا بد أن نناقش مشروعات نقدية ظهرت نتيجة سجال مؤسساتي وأكاديمي. ويبقى الحديث عن مدرسة نقدية مغربية حديثاً سابقاً لأوانه أو ربما غير منطقي. فلنتذكر أن مدرسة نقدية كمدرسة فرانكفورت التي أسسها نقاد ماركسيون قطعوا صلتهم مع الماركسية الأرثوذكسية تأسست في إطار مشترك على الرغم من تعدد اختصاصات واهتمامات نقادها. في المغرب ثمة وعي بأهمية المدرسة النقدية يمكن أن نتحدث عنه في إطار مختبرات البحث في الجامعات التي تهدف إلى تأسيس وعي مشترك يهدف إلى إفادة الباحث في سلك الدكتوراه أساساً لكنها مجهودات تبقى محدودة الأفق ولا يسمع صوتها إلا عندما تنظم أنشطة ثقافية محدودة. وفي غياب العمل المؤسس تبقى تلك المشروعات النقدية التي أشرنا إليها بالتخصصات السابقة محسوبة لنقاد بمجهودات خاصة أو شخصية ولا دخل للمؤسسات فيها. المدرسة وليدة بيئة أكاديمية وهذا الوعي المؤسساتي ما يزال غائباً في المشهد النقدي المغربي على الرغم من أهميته وعمقه. التنوع الموسيقي في المغرب ونختم هذا الجزء في الملف بمادة تتناول الحركة الغنائية والتنوع الموسيقي في المغرب للكاتب «حميد البصراوي» الذي أكد فيها: على المغرب يضم أنماطاً موسيقية عديدة، تتنوع بتنوع تضاريسه الجغرافية، وتتوزع حسب مناطقه. «الموسيقى الأمازيغية، موسيقى الغناوة، الموسيقى الشعبية» وكلها تنقسم إلى موسيقى فرعية إقليمية، حديثة وتقليدية، وتغنى باللهجتين الأمازيغية والمغربية. وقال البصراوي: بالإضافة للموسيقى الكلاسكية والتي هي امتداد للموسيقى الشرقية مع إضافة إليها آلات موسيقية مغربية ك»البندير والوترة و الطعريجة» ما جعل كل منطقة في المغرب تتميز بطابعها الموسيقي المتميز. فظاهرة المجموعات الغنائية والتي أيضاً انفرد بها المغرب من دون الوطن العربي والتي تعبر عن نكران الذات ضمن مجموعة على حساب الشهرة الفردية, ومن أهم رواد هذه المجموعات التي ظهرت في بداية السبعينات وللظرفية دلالاتها نجد مجموعة ناس الغيوان، جيل جيلالة، لمشاهب، تاكدة، أما في بداية الثمانينات فظهر مجموعة لرصاد، السهام، مسناوة وأخيراً بمجموعات وتجارب فردية في بداية الألفية الثالثة فبرز طارق باطمة ومجموعة منار. وأضاف: عرفت الأغنية المغربية العصرية، ابتداء من سنة 1952 نهضة كبيرة على يد رواد الموسيقى المغربية الشيء الذي يؤكده الباحثون بحيث يأخذون جيل الرواد على أنفسهم المساهمة في إعطاء للموسيقى المغربية مدرستها في اللحن مستعينون في ذلك بفن الملحون وطرب الآلة الأندلسية. فقدمت الأغنية المغربية مجموعة من الفنانين المرموقين الأغنية في الشرق العربي كالموسيقار عبدالوهاب الدكالي وعبد السلام عامر. الموسيقى المغربية جدًا متنوعة ويعرف منها الموسيقى الأمازيغية والتي تختلف باختلاف المناطق الريف (الشمال)، والأطلس (الوسط)، وسوس في (الجنوب), وشرقاً نجد موسيقى الرأي، وفن الركادة، والعرفة. أما الطرب الغرناطي والطرب الأندلسي اللذان يرتبطان بأهل الأندلس الذين استقروا بالمغرب بعد سقوط غرناطة فيوجد في كل من فاس، تطوان، سلا ومناطق أخرى ومن أشهر رواد هذا الطرب أحمد بيرو، الحسين التولالي. ومن الفنون المشهورة فن العيطة, وهي فن متنوع بدوره ويشتهر منها العيطة الحصباوية في منطقة دكالة عبدة والشاوية. والعيطة المرساوية والعيطة الحوزية التي ارتبطت برحلة قبائل بنو سليم وبنو هلال من المشرق إلى المغرب وتتميز بإيقاعاتها الرائعة والصعبة في نفس الآن. كما عرف أنها تقوم على المدح والغزل والحماسة. العرب والبربر واليهود شكلوا الحركة الغنائية أما جنوباً فنجد بالإضافة إلى الموسيقى السوسية الأمازيغية، هناك الموسيقى المراكشية والمتميزة بما يسمى الدقة المراكشية التي أصبحت ذات شهرة كبيرة خارج حدود مراكش نظراً للشعبية التي تتميز بها وخاصة في الأفراح والأعراس، إذ لا يخلو عرس مغربي من استعمال الدقة المراكشية في البداية. ويوجد «الطقطوقة الجبلية» في الشمال الغربي. أما موسيقى الريف فتوجد في وسط الشمال والشرق. وتوجد «عبيدة الرما» في منطقة بني حسن الشراردة - القنيطرة و منطقة خريبكة. إن الفن الشعبي والذي اكتسى شهرة كبيرة في السنوات الأخيرة وهو مزيج بين العيطة ونغمات أمازيغية مع بعض التطوير حسب كل مغني للطرب الشعبي بإضافة لمساته الخاصة, ويعد محمد رويشة من أشهر فنانيها. أما الموسيقى الكلاسيكية أو العصرية فمن أهم روادها نعيمة سميح، وإبراهيم العلمي، وبهيجة إدريس، وأحمد الغرباوي، وأمينة إدريس، وعبد الهادي بلخياط. واختتم البصراوي: لقد كان المغرب تربة خصبة لشتى الثقافات المختلفة ما ماز حركتها الغنائية ومن بين هذه الثقافات التي أسهمت في تشكلها البربر، العرب، والأغوار, كما أن اليهود دور في هذا التشكيل الحركي فقد شكّلوا 20 % من تعداد السكان عام 1940م, ومن أشهر موسيقى المغرب موسيقى الملحون، وموسيقى الرأي، وموسيقى العيطة، وموسيقى غناوة أو موسيقى الغينيين، ذات الأصول الإفريقية. كما نجد موسيقى عرب الأندلس، وموسيقى عيساوة، المتأصلة من الموسيقى الصوفية. ونجد أيضًا فن المطروز، وموسيقى اليهود المغاربة، فعلى الرغم من كل هذا التنوع في الموسيقى المغربية واختلافها من حيز جغرافي لآخر، إلا أنها شكلت ثراء وغنىً ثقافياً تميز به المغرب عن باقي البلدان العربية.