تزينت محافظة البدائع ولبست أجمل حللها ابتهاجاً بزيارة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- لمنطقة القصيم، حيث تصدرت اللافتات والأعلام طرقات المحافظة وميادينها وإداراتها الرسمية تلك الزيارة المرتقبة من الجميع، والتي تحمل معها بشائر الخير بحضور ملك الحزم والعزم؛ ومحافظة البدائع كغيرها من محافظات الوطن نالت حظاً وافراً من مشاريع التنمية في المجالات التنموية كافة، وأضحت تضاهي مثيلاتها في مختلف أرجاء الوطن الغالي بمتابعة واهتمام من صاحب السمو الملكي أمير منطقة القصيم الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود وسمو نائبه -حفظهما الله-، والبدائع تلك المحافظة الحالمة الواقعة في قلب القصيم التي استطاعت أن تسابق الزمن وتختصر المسافات وتكون نموذجاً حيًّا للتطور والجمال ويطلق على البدائع محافظة (الماء والغذاء والدواء)، حيث جمعت بين الإنتاج الغذائي وبين الدواء من خلال مصنع الأدوية الشاهد على تطور المحافظة وبين وفرة وحلاوة المياه التي حباها الله بهذه النعمة الكبيرة. ونستعرض في هذه الأسطر حقيقة هذه المحافظة منذ نشأتها حتى تطورت وأصبحت (عروس القصيم وسلة غذائها).. عندما نذكر البدائع فإنه لا بد أن نعود لنتذكر تاريخها قبل ما يقارب أربعة قرون ونذكر الشبيبية وهي عبارة عن بعض المزارع أنشأت في الطرف الشرقي من محافظة البدائع، وقيل إنها نشأت في عام 1293ه وكانت في البداية عبارة عن بئر صغيرة لإحدى المزارع (مزرعة العميرية) أقامها الشيخ صالح بن قرناس من أهالي الرس، ثم استمر بعد ذلك أحداث وبدع عدد من المزارع حتى انتشرت المزارع فيها وأقبل عليها الناس من البلاد المجاورة حتى كبرت وأصبحت بلدة فيما بعد، وهذا لا يعني أنه لا وجود لمزارع أو حياة في البدائع بل كان فيها آبار منذ العصر العباسي قرب «رامه» والتي يمر بها طريق الحاج البصري. وسميت البدائع لأنها بلاد حديثة مبدوعة والبدائع منطقة زراعية نظراً لتوافر المياه ووجود الأرض الخصبة ويبلغ عدد سكانها حوالي 75 ألف نسمة، وتعتبر من أكثر محافظات منطقة القصيم من حيث عدد السكان وتقع محافظة البدائع على الضفة الجنوبية الشرقية لوادي «الرمة» وتشغل الجزء الأوسط تقريباً من المنطقة الوسطى، وتقع في قلب القصيم، ويوجد بمحافظة البدائع العديد من الأماكن الأثرية التي يمكن التعرف إليها ومنها طريق الحاج البصري وهو عبارة عن مجموعة من الآبار المطمورة، وبالقرب منها آثار بركة من برك طريق الحج وبجوارها أطلال مباني حجرة وطريق الحج البصري طريق قديم للقوافل أنشئ عبر كثبان وصحاري الجزيرة العربية في عهد الدولة العباسية وذلك لهداية الحجاج وعدم ضياعهم في هذه الصحاري والكثبان، وتوجد عليه (أميال) أو أعلام وأنشئ في عهد خلفاء بني العباس، عليه محطات استراحة للحجاج تسمى (منازل) وبيتها محطات أصغر تسمى (متعشيات).. (ومنزل رامة) يعتبر من أشهر منازل طريق الحاج، يحتوي على (آبار) مطوية في الصخور وترى الآن على شكل (دوائر) تظهر أنها آثار (دفان) لهذه الآبار.. وحفر أحدها فوجد مطوياً في الصخور الصلبة أيضاً من المعالم الأثرية في محافظة البدائع رامة (رامتان) وهي عبارة عن موقعين متوازيين من الكثبان الرملية المرتفعة تقع إلى الجنوب من المحافظة، وهي مقصد للزوار في الشتاء، وقد وصفها المهندس عبدالعزيز السحيباني في توثيقه لمحافظة البدائع بوصف جميل فقال: (رامتان) هما سامرتا الشعراء وملهماتهم بسحر بديع أخاذ.. فهي ذات منظر خرافي الحسن.. خاصة في أيام الربيع.. حيث تنقلب أرضهما إلى بساط سندس موشى بزخارف بديعة من زهور بيضاء ناصعة وبنفسجية وبرتقالية وحمراء من زهور الأقحوان والخزامى ونبات الربل والبدباس والرمث.. وحين تصدح البلابل في رياض خضراء مزهرة.. وسماء زرقاء صافية.. ومياه متلألئة في خباري رامة والمضابيع فوق رمال ذهبية تخشع باللآلئ من المرو وحبات الرمل المغسولة بماء المطر ورامة تغنى بها العديد من الشعراء وأشهرهم جرير. وتعتبر البدائع سلة القصيم الزراعية ومن أشهر المحافظات بالمنطقة نظرا لوفرة المياه وخصوبة الأرض لذلك امتهن سكان المحافظة الزراعة منذ القدم ولعل البدائع قد اشتهرت كثيراً بالتمور، حيث يوجد بها واحدة من أكبر مزرعة للنخيل على مستوى العالم إذا يبلغ عدد النخل بها حوالي 350 ألف نخلة وهي تسير ضمن هدف لبلوغ المليون نخلة بهذه المزرعة فقط وبها مصنع كبير لتعبئة التمور وتغليفه وإنتاج جميع الحلويات التمرية التي تمتاز بها هذه المزرعة كما أن هناك مصانع أخرى للتمور. وقد استطاعت البدائع أن تكون إحدى المحافظات في تصدير منتجاتها الزراعية لدول العالم وبالذات لقارة أوروبا وأمريكا، فتصدير أنواع التمور يلقى قبولاً كبيراً في بعض دول العالم وكذلك تصدير بعض المنتجات الزراعية الخالية من الكيماويات الضارة، والجدير ذكره أن محافظة البدائع كانت سباقة في تجربة الزراعة على الصخور البركانية بواسطة البيوت المحمية، وقد نجحت هذه التجربة وإنتاجها ومنها زراعة الزهور والورود وفاكهة الفراولة وبعض أنواع الخضروات، وصناعياً يوجد بمحافظة البدائع العديد من المصانع المهمة ولعل أهمها على الإطلاق مصنع للأدوية يعد من أهم المصانع في بلادنا الغالية، كذلك يوجد مصانع للمياه ومصنع للعصائر والمرطبات ومصنعا للبلاستيك ومصنع ضخم للأعلاف يستفيد منه أهل الماشية في جميع أنحاء المملكة وهذا أعطى المحافظة لقب (البدائع.. محافظة الماء والغذاء والدواء) وهو اسم تستحق البدائع أن تلبسه بكل فخر فمن مصانع المياه ووفرة مياهها الجوفية وحتى صناعة الأدوية وتصديرها وكذلك زراعة التمور والخضار والفاكهة والورود، وتصديرها يجعل من محافظة البدائع مركزاً مهماً في خارطة هذا الوطن الغالي. ويلاحظ الزائر للمحافظة مدى التطور الكبير الذي تعيشه البدائع، وذلك من خلال الحدائق الجميلة التي انتشرت بكثرة في جميع أحياء المحافظة أيضاً في البدائع حديقة لكل حي جهزت بالمسطحات الخضراء والأشجار الجميلة، ووفرت فيها أماكن لألعاب الأطفال، وهذا أعطى جمالاً للحي ووفر مكاناً هادئاً وجميلاً للأطفال للعب بالقرب من منازلهم.. كما وفّرت مساحات خضراء كبيرة للزوار فكانت البدائع هي أكثر المحافظات جلباً للزوار من حيث منتزه المملكة الشهير وحديقة مضمار الحمراء وغيرهما كثير أيضاً يلاحظ الزائر للمحافظة مدى جمال الميادين التي نفذت بشكل رائع تزينها نوافير ومجسمات رائعة كما أن المزارع القديمة والأحياء الطينية القديمة باتت مقصداً لزوار المحافظة لما لها من طابع تراثي فريد.