من يطلع على التاريخ الأمريكي بنظرة عابرة، قد يُضلل تصوره ويتوهم أن الحرب لم تكن من أجل العبيد، وإنما جاء تحرير العبودية عرضا. هذا التصور نجده في كتابات الجنوبيين-القديمة خاصة- الذين لا زالوا إلى اليوم، يتجرعون مرارة الهزيمة في الحرب، مع تغير نظرتهم للعبودية واعتبارها لا أخلاقية. فلم يستطع الجنوب أن يتجاوز الهزيمة، فدفعوا عن أنفسهم الخيانة والتمرد، بإبعاد تهمة الرق، أن تكون سبب التضحية في قتالهم. وحرصوا على ايجاد قضية لتمردهم، تحمل هدفا أسمى، وهو استقلالية الجنوب عن الشمال. وما الاستقلالية عندهم الا خوفهم من مطالبات الشمال بتحرير العبيد. فخلفيات قضية الخلاف في الحرب الأهلية،كلها تتمحور حول قضية تحرير العبيد. فلم تغب قضية العبودية لحظة في التاريخ الأمريكي، أنما تُجوهلت. فكانت كالشرر في الحطب، وكالأفعى النائمة، التي لا بد لها أن تستيقظ. وبعد اختراع آلة القطن اشتدت الحاجة للعبيد، فأصبحت العبودية في عقل كل أمريكي، وان لم تكن تُناقش في المجالس. ومن أقوال رئيس حكومة المتمردين قبل تمرده «الابقاء على العبودية كإمساك ذئب من ذنبه، لا يعجبك ولكن لا تجرؤ على تركه». ومن عام 1830 وعلى مدى ثلاثة عقود، تسارعت الاحداث التي ايقظت الفتنة، حين قام أحمق الفريقين، فابتدأ اشعالها، حين احتلت قوات المتمردين، المنشقة عن الاتحاد، قلعة سومتر بولاية كارولاينا الجنوبية المنشقة. ففي عام1830، تأسست في بوسطن اول مجلة تنادي بالتحرير ورفض قوانين العبودية، تحت شعار «ما ليس عدلا فلا يعد قانونا». ثم، توالت الأحداث، فقتل الجنوبيون رجلا أبيض، ناشر لمجلة تحررية، فضجت البلاد: أن أبيضا يُقتل بسبب السود» ثم، مع توسع الولايات، أصبح الانقسام فيما بينها وبين غيرها واضحا. فالجنوب يخشى غلبة الولايات الحرة على ولايات العبودية، والشمال يخشى العكس. لذا تعطل انضمام ولاية تكساس للاتحاد أعواما عديدة، خوفا من أن ترجح تكساس بكفة ولايات العبودية. ثم انضمت ولاية كنساس، فصوتوا فيها على قضية العبودية، فرجحت كفة التحرير، فانفجر الخلاف، فقصد كنساس خلق كثير من الجانبين، كلٌ ينصر قضيته، فدخلت كنساس في فتنة دموية استمرت عشر سنين، حتى اصبحت تُعرف في تلك الفترة، بكنساس النازفة (اي دما). ثم ضرب عضو كونجرس من كارولاينا الجنوبية، عضوا آخر من الشمال بعصاه فكسرها عليه، فأهداه أهل الجنوب عصياً أشكالا والوانا. فصار اعضاء الكونجرس، يأتون بالسلاح للمجلس، والرئيس الامريكي آنذاك، خامل لم يحرك ساكنا. ثم في عام 1859،جاءت حركة جون بروان القتالية لتحرير العبيد. فغزا هو وأولاده الخمسة وآخرون، مستودعات سلاح في فرجينيا، ونادوا العبيد بالثورة والانضمام اليهم لحمل السلاح. ولكن لم يأت العبيد، بل جاء رجال فرجينيا، فابادوا من معه وأسروه، ثم أعدمته الحكومة الفدرالية، لشقه النظام. ولكن جون بروان أصبح مصدر الالهام لأهل الشمال ومحفزا لغضبهم، ثم صار اسمه نشيدا للجيش الشمالي، خلال حرب السنوات الاربع الدموية. ثم في 1860، انشقت ولاية كارولاينا الجنوبية عن الاتحاد. ثم اُنتخب لينكون رئيسا، ففجر انتخابه القضية، فانشقت عشر ولايات أخرى، وشكلت مجتمعة الاتحاد الكنفدرالي، وعينوا رئيسا له. ولينكون وإن كان أثناء ترشيحه، قد رفع شعار الحد من العبودية لا إزالتها، إلا أن موقفه، المُبغض للعبودية، كان معروفا عنه من قبل. والمتتبع لانتخابات لينكون والايام الأولى من رئاسته، يتضح بجلاء، أنهم أتوا به للرئاسة يظنون به ضعفا وغباء وعجزا، مما يضمن لهم سير الامور على ما هي عليه، والتجاوز عن التعديات، وتجاهل شرر الفتنة المضطرم. ولشرح موقف لينكون وتبيين مقدار حزمه القوي، ودهاءه وعبقريته، التي لم يمر على التاريخ الامريكي مثلها، مقالات اخرى، تطول، فقد كتب فيه قومه اكثر من سبعة عشر الف مؤلف معتمد، ما بين كتاب ورسالة دكتوراه وبحث استراتيجي.