الشريعة الإسلامية لا تحرم اللعب ولا المرح، والأصل في الألعاب الإلكترونية أنها من وسائل الترفيه المباحة، ومع التطور التقني انتشرت الألعاب الإلكترونية، وزادت معها المشكلات المتعددة على الأبناء وأسرهم، واتسعت المخاطر وتنوعت حيث يكمن الخطر الأكبر ما اشتملت عليه بعض الألعاب الإلكترونية على ما يخالف العقيدة الإسلامية، وإفساد الأخلاق وتدمير الصحة، والترويج للعنف مما يدفع بعض الناشئة والشباب نحو إيذاء النفس أو الانتحار، أو إيذاء الآخرين. ولاشك أن تأثيرات الألعاب الإلكترونية كبيرة في الجوانب التربوية والسلوكية للجيل الجديد مما أصبحت تشكل مصدر قلق للأهل والمجتمع بأكمله. «الجزيرة» طرحت القضية التي باتت تمثل ظاهرة غزت المجتمع على عدد من أصحاب الفضيلة والمختصين المهتمين بالشأن الاجتماعي، وكانت هذه الحصيلة التي خرجنا بها. المخاطر وواجب الوالدين.. بداية يؤكد د. علي بن يحيى الحدادي رئيس قسم السنة بكلية أصول الدين بالرياض أن الأبناء والبنات أمانة في أعناق آبائهم، وأنهم مسؤولون عنهم أمام الله تعالى كما قال جلّ وعلا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ} وقال صلى الله عليه وسلم (كلكم راع فمسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عنهم، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) متفق عليه، ولنتق الله في أبنائنا وبناتنا بحسن تربيتهم ورعايتهم ووصيتهم وتوجيههم إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم وتحذيرهم مما يضرهم في دينهم ودنياهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وإن معنى وقايتهم من النار وقايتُهم من أسباب دخولها من الشرك والبدع والمعاصي وترك الواجبات الشرعية. المهددات الكبيرة وبين د.علي الحدادي المشكلات التي تهدد الدين والأخلاق وتفسد دنيا العبد وآخرته قد تختلف من زمن إلى زمن وإن من المهددات الكبيرة لأطفالنا بل وشبابنا ذكوراً وإناثاً في هذا العصر ما يُعرف بالألعاب الإلكترونية، فلا يخفى عليكم أنها تأخذ جزءاً كبيراً من ساعاتهم في اليوم الليلة من أيام الدوام المدرسي فضلاً عن أيام العطلة الأسبوعية أو السنوية. ومن مخاطرها على سبيل المثال والإشارة فقط: خطرها على دينهم وأخلاقهم فإنها قد تعودهم على بعض الطقوس والعبادات الكفرية والشركية من الصلبان وعلامة التثليث والطقوس البوذية وغير ذلك مما يوجد في بعض هذه الألعاب.كذلك تعودهم على النظر إلى صور النساء العاريات الفاتنات فيألفها ولا يستنكرها أو يستقبحها مستقبلاً، كما أنها تنمي فيهم حب العدوان على الأنفس والسيارات وسلبها من أصحابها بالقوة،كما تنمي فيهم حب العدوان على المحلات التجارية وتدمير الممتلكات والأموال الخاصة والعامة، ومقاومة رجال الأمن والتمرد على نظام الدولة باعتبار هذه الأعمال أعمال بطولية. اللعب مع المجهول وتابع د. الحدادي القول: ومن مخاطرها أنها صارت تُلعب عن طريق شبكة الانترنت مع لاعبين من مناطق وبلدان مختلفة منهم من يعرفهم ابنك أو ابنتك ومنهم من لا يعرفهم، يتواصل معهم كتابياً أو صوتياً، وإذا كنت تخاف على ابنك من رفاق السوء في المدرسة أو في الحي مع أنه معروف الاسم والأب والأسرة فكيف بصديق لا تعرفه إنما يعرفه ابنك فقط أو صديق يتواصل معه ابنك الساعات الطويلة وهو لا يعرفه أصلاً. لا يعرف عمره ولا جنسه ولا دينه ولا أخلاقه ولا يعرفه قصده من وراء هذا اللعب وهذه المحادثات، ولو تابع الأب المحادثات المباشرة المصاحبة لبعض الألعاب التي يلعبها الأبناء لوجد كثيراً منها يدور على الجنس والفواحش، مضيفاً إلى أن من مخاطرها أنها تضعف الصلة بين الأولاد وآبائهم وأمهاتهم بل بين الإخوة والأخوات أنفسهم بسبب إدمان اللعب عليها ونماء قوة الأنانية في أنفسهم بسببها فكل منهم لا يهمه إلا أن يشبع رغبته ونُهمته من اللعب أكبر مدة ممكنة، ومن مخاطرها استغلال التنظيمات الإرهابية لها للوصول إلى أبنائنا وبناتنا لتغذيتهم بأفكارهم وضلالاتهم وانحرافهم وتجنيدهم لصالحها، ومن مخاطرها ما ينُشر بين فينة وأخرى عن حالات انتحار بين الأطفال والمراهقين تلبية لأوامر بعض هذه الألعاب بشنق أنفسهم أو بغير ذلك من أساليب الانتحار. تقليل الأضرار وشدد الدكتور علي الحدادي الحرص على حسن التوجيه والتعليم، ولنحاول تقليل أضرارها عليهم بالوسائل الممكنة ومنها: أولاً: تقليص الوقت الذي يسمح لهم باللعب بها، لا سيما في أيام الدراسة والدوام. ثانياً: أن يطلع الأب والأم على نوع الألعاب التي يلعبها والأشخاص الذين يلعب معهم وأن يتدخل بالمنع والحزم حين يتجاوز الطفل أو الابن التعليمات والأوامر التي أمره بها والداه حفاظاً على صحته أو دينه أو خلقه أو حياته. ثالثاً: إشغال أكبر قدر ممكن من أوقاتهم بالنافع المفيد بالجلوس معهم ومبادلتهم الحديث ومشاركتهم في بعض الألعاب الحركية المفيدة التي تدخل عليهم السرور والمرح وتوثق العلاقة بين الوالدين وأولادهم، وإشغالهم أيضاً بالألعاب الإلكترونية المفيدة التي تعلمهم العلوم النافعة، وإشغالهم بحفظ القرآن والسنة والسيرة النبوية والأمثال والأشعار التي تنمي فيهم حبهم لدينهم ولوطنهم. رابعاً: الحرص الشديد على ألا يكون همُّ الوالدين هو التخلصَ من إزعاج الأولاد بإشغالهم بهذه الألعاب فقط لأن هذا ينم عن سوء تقدير للعواقب، وعدم استشعار للمسؤولية الكبيرة الملقاة على عواتقهم. بناء عقلية الطفل ويؤكد د. أحمد بن حسن الشهري - الباحث في الشؤون الاجتماعية والأمنية -تُعد الألعاب والتطبيقات الإلكترونية من مخرجات الثورة الصناعية الثالثة التي اعتمدت على الحاسوب والتطبيقات الإلكترونية عبر الشبكة العنكبوتية. مما فرض على الأجيال الحالية عبئاً ثقيلاً تلقاه المربون وأولياء الأمور بصعوبة بالغة نتيجة عدم الإلمام الكامل بأخطار وأضرار هذه الألعاب والتطبيقات مما جعل هناك فجوة بين ما هو مطلوب من المربين وأولياء الأمور وبين ما يجب التعمق فيه ودراسته عن هذه الألعاب والتطبيقات من ناحية نفسية وصحية على صحة الطفل وعقله وتفكيره ومدى إمكانية استخدامها والتسلل من خلالها إلى عقل وفكر الطفل وهذا في الواقع لا زال يحتاج المزيد من الدراسة والبحث وتقديم دراسات موسعة وموثقة في هذا المجال. أما على مستوى المستخدم وهو الطفل فالواضح التأثير القوي والمدمر للأطفال فمن واقع تجربة شخصية ومن الأهل والأصدقاء والزملاء اتضح أن الطفل يقضي ما يقارب عشر ساعات أمام شاشات هذه الألعاب مما جعلها منصة ذات أهمية في بناء عقلية الطفل من خلال دس السم في العسل من خلال هذه التطبيقات التي تحمل في طياتها الكثير من العادات والتقاليد والإيحات الجنسية والفكرية التي ربما أدت إلى اعتناق الطفل الكثير من العادات أو الأفكار التي قد تؤثر على المعتقد أو الثقافة أو الفكر، وقد شاهدنا الكثير من هذه الحوادث من قتل وانتحار وتبني أفكار غريبة إضافة إلى الخطر الداهم من المنظمات الإرهابية وعصابات ترويج المخدرات والتجارة الجنسية وغيرها من الممنوعات المروج لها عبر هذه الألعاب، ومن الآثار الصحية على النظر والعزلة الشخصية والانطواء والعدوانية وانخفاض مستوى التحصيل الدراسي كلها أصبحت مشاهد ماثلة للعيان. لذا فإن على الجهات المختصة وجميع الوزارات ومنصات التعليم والتوعية واجب هام ووطني لإيجاد حلول لهذا التدفق غير المنضبط لهذه الألعاب والتطبيقات من خلال إيجاد برامج رقابة وتطبيقات وألعاب بديلة تحمل محتوى هادفا ينطلق من عادات المجتمع وثوابته. وبدون تبني هذا المشروع الوطني الهام فإن مستقبل النشء لن يكون في مأمن. الآثار السيئة ويشير الأستاذ/ منصور بن عبدالله السيف - الخبير التربوي -أن الألعاب تعني بالنسبة لكثير من أولياء الأمور مجرد تسلية وترفيه للأطفال رغم الاعتراف بأن لها المساوئ الكثيرة، إلا أنه يكفي القول إنه ليس كل ما هو متوفر من ألعاب إلكترونية يمكن استخدامه بأمان؛ محدداً الآثار السيئة للألعاب الإلكترونية ومنها: التأثير على العقيدة الصحيحة: ومن الأثر السيئ لتلك الألعاب ضياع الأوقات فيما لا يفيد وتضييع الصلوات: ولا يمكن لأحد إنكار ذلك، فهذه الألعاب كالمغناطيس في جذب الأطفال والمراهقين بل والكبار أيضاً، ويؤكد منصور السيف أن الألعابُ الإلكترونيّةُ أثرت على المجتمعات التي تنتشر فيها انتشاراً واسعاً؛ فقد ثبت أنّ نِسبة جرائم القتل والسرقة قد ارتفعت بشكلٍ ملحوظ، وكذلك الجرائم الأخلاقيّة كالاعتداء، والزنا، والسبب في ذلك ألعاب العنف التي يُمارسها الأفراد، كما ثبت أنّ هذه الألعاب تُؤثّر أيضاً على الصحّة العامّة للطفل على المدى البعيد؛ فهي تؤدّي إلى إصابته بالتهابات المفاصل، وقلّة المُرونة الحركيّة، والاضطرابات النفسيّة، كما أنّ اللعب لفتراتٍ طَويلة يُكوّن لدى الطفل السلوك الإدماني الوسواسي، لذا على الآباء والأمهات دعوة الأبناء للتعقل في ممارسة تلك الألعاب، والحد منها، والعمل على تجنب آثارها السلبية واختيار ما يناسب منها وما يفيد، وتجنب ما لا يفيد مع استبعاد أي لعبة تحتوي على مخالفات شرعية. سلاح ذو حدّين وتحكي الأستاذة/ عائشة عطا الله الأيداء العنزي - المعلمة في قطاع التعليم بالمدينة المنورة-، تجربتها من خلال عملها في الميدان التربوي قائلة: هناك بعض الجوانب المضرّة لهذه الألعاب لما التمسته في بعض الطالبات على مرّ سنواتي القليلة في التعليم من عدم استيعاب سريع أحياناً وأجدهن ملمّات ببعض التطبيقات على الأجهزة الذكية والتي أضرّت سلباً على عقولهن أو علاقاتهن بمحيطهن أو حتى نموهن المعرفي واقتصرت المعرفة التكنولوجية لديهنّ على أشياء محدّدة أيّاً كان نفعها أو ضرّها وهذا لا يمنع طبعاً من وجود طالبات يتّقدن ذكاءً ويستثمرن التكنولوجيا لمصالحهن المعرفية والعلمية حتى في الألعاب وتصميم نشاطات مختلفة في المدرسة، وهذا يدل على العلاقة التكاملية والتفاعلية بين المدرسة والمنزل واهتمام الأبوين في متابعة أبناءهم لذلك خطر الألعاب والاستغراق فيها أضاع الكثير من الوقت فيما ينفعهم وأيضاً التأثير على صحتهم وتوازن وجباتهم الغذائية والتي من المهم مراعاتها كونهم في نمو مستمر وهذا نلاحظه في الاستمرار الطويل وبالسّاعات على وضعيات جلوس ثابتة غالباً عند اللعب مما له الأثر الكبير مع مرور الوقت على أجسادهم. وتابعت عائشة القول: لاحظت -أيضاً -عند التحدّث مع البعض لابد أن ترفع صوتك ليسمعوك جيّداً نظراً لكثرة استخدام السماعات عند اللعب وأيضاً ضعف النظر وكثير غير ذلك من هذه الأخطار المتحتّمة، وكذلك التأخر الأكاديمي وعدم الاستيعاب بسرعة فبعض الألعاب مهما كانت مراحلها وأهميتها إلا أنها تزيد نسبة الغباء وهذا قرأت عنه حديثاً ولايحتاج حتى إلى قوة ملاحظة لنتأكد من ذلك لأن أغلب مراحل اللعبة الواحدة هي نفسها ولكن بإضافات بسيطة مختلفة، وكذلك العزلة الاجتماعية حيث إن بعض الألعاب قد يتعرف على أشخاص جدد من بيئات مختلفة وأيضاً يتعرف على لغات أخرى ولكن لا يخفى على أحد ما لهذا من خطورة محتملة نظراً للاستغلال الممكن لهم بطرق كثيرة، ولكن العزلة عن محيطه الأسري حاصلة، كذلك السلوك العدواني المتوقع نظراً لما يحويه بعضها من عنف أو انحراف متنوع وبعضها يؤدي للانتحار كما سمعنا عن لعبة الحوت الأزرق ونتيجتها. واختتمت حديثها عن الجانب الأساسي وهو الدّين وتقصيرهم فيه من صلاة وأذكار وقراءة قرآن وهذا هو الأهم الذي يجب مراعاته من قبل الوالدين والحرص على عدم إغفال ذلك أو الاستهتار به وكلنا يعلم ما تحويه أغلب الألعاب من خطر عقائدي وطقوس شيطانية عند التنقّل في مراحل الّلعبة وامتهان له ولقيمنا، ومحاولة طمس هويتنا الإسلامية،