إعداد/ علي محمد صالح الشهري تصوير/أحمد بازهير اهتمت الكثير من الدراسات والإحصائيات والحقائق المهمة بالألعاب الإلكترونية ، وتأثيراتها المباشرة على سلوك مستخدميها ، وفهم آثارها المتفاوتة على فئة الشباب والأطفال والمراهقين ، في ظل ما تشهده تلك الألعاب من إقبال كبير من خلال نظامها التفاعلي والتقنية المتطورة المستخدمة في تنفيذها وصناعتها . واعتاد أغلب تلك الفئات من المجتمع ، على ممارسة تلك الألعاب وإعطائها مساحة كبيرة من الوقت ، حيث جعلت التعايش معها ومع مراحلها وأطوارها من أهم الأسباب للاستمرار لفترات زمنية طويلة يقضيها معظمهم لتحقيق المطلوب عند كل مستوى يمر عليه ، فيما تنوعت ممارسة تلك الألعاب من خلال المنازل ، أو عبر أجهزة الهواتف المحمولة ، والمواقع والمنصات الإلكترونية الخاصة بها بقصد التسلية والترفيه ، والتواصل مع الآخرين ، والتنافس عبر الأونلاين وما يشكله ذلك من خطرٍ عليهم وإمكانية استغلالهم وبخاصة صغار السن. وتُشير العديد من الدراسات والإحصائيات إلى أن الإقبال على الألعاب الإلكترونية تضاعف بشكل كبير ولافت خلال السنوات الأخيرة من خلال زيادة نسبة الاشتراكات والحسابات المستخدمة في هذه الألعاب بشكل شهري في ظل مطالبات بضرورة مراقبة صناعة الألعاب الإلكترونية ، ومدى ملائمتها لهوية الأطفال والمراهقين ، وإصدار أدوات وتشريعات الحماية والرقابة على هذه الألعاب ، وأهمية الدور الإعلامي في مواجهة مخاطرها وتقنين استخدامها . كما يُحذر العديد من المختصين في هذا الجانب من التأثير السلبي لاستخدام الألعاب الإلكترونية بصورة ملفتة بين الشباب الأطفال لفترات طويلة يومياً دون شعور أو إدراك منهم أو من أسرهم ، وتأثيرها وانعكاساتها على صحتهم وخطورة ذلك على المدى البعيد . وفي هذا الشأن أوضح أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور حسان بن عمر بصفر ، أن هناك عِدة دراسات أكاديمية وصفية ونوعية عن ظاهرة أثر الألعاب الإلكترونية على سلوكيات ونمو الطفل والمراهق ، استنتجت ولاحظت تضاعف معدلات انتشار الألعاب الإلكترونية بين المراهقين والأطفال بشكل واضح وصريح في السنوات الأخيرة . وأشار إلى أن هناك عدة عوامل ساعدت على نشر استخدامات بعض التطبيقات الخاصة للألعاب الإلكترونية عبر الشبكات العنكبوتية العملاقة في العالم ، مما أثر بشكل واضح وملحوظ على سلوك وصحة الطفل والمراهق وتعليمهما المبكر . وأفاد الدكتور بصفر أن بعض الباحثين لاحظوا وجود تأثيرات سلبية على سلوك الطفل والمراهق من حيث انعكاس أساليب العنف والسلوكيات السلبية التي لا تنتمي إلى قيمنا الإسلامية العظيمة ، وعاداتنا وتقاليدينا العربية الأصيلة مما استوجب وجود دراسات أكاديمية مستفيضة حول هذه الظاهرة التي تستحق المتابعة ، والتحليل ، والنقد ، والتفسير للآثار النفسية ، والسلوكية على الطفل والمراهق . وقال بصفر "إن بعض الدراسين لهذه الحالات رأوا بأن الألعاب الإلكترونية تمثل خطرا على وجدان وفكر وسلوكيات الأطفال والمراهقين ، وتعمل على تأخير استيعابهم للعالم الحقيقي المحيط بهم سواء في المنزل ، أو في المدرسة ، أو حتى في بيئتهم الاجتماعية ، وأصبحت عائقا لتعلم الطفل والمراهق لبعض المهارات السلوكية الضرورية التي تحتاج إلى التركيز والتفسير والتحليل والمتابعة ". وأضاف " أن الألعاب الإلكترونية صنعت دوراً واضحاً للطفل والمراهق في كيفية تلقي المعلومة خلال فترات التعلم المبكر سواء من طرف الأبوين أو من طرف المدرسة أو المجتمع ، وافقدت الطفل والمراهق حقهما في أداء أدوارا مهمة وفعالة في التواصل والاتصال أيضا مع الأقران في موضوعات متعددة تعليمية وتربوية والتي تعد في غاية الأهمية للوالدين والمؤسسات التعليمية والاجتماعية ولوحظ بجلاء وجود بعض السلوكيات العنيفة ضد النفس والآخر" . وشدّد الدكتور بصفر على أهمية دور الأسرة والجهات ذات الاختصاص في التوجيه السليم والمساهمة المناسبة في التوعية ضد الأضرار السلبية الناتجة عن استخدام الألعاب الإلكترونية لفترات طويلة ، وتأثيرها الواضح على سلوكيات الطفل والمراهق ، والتي يمكن استبدالها بالتعليم والترفيه الإلكتروني المفيد ، والمناسب لبناء جيل صالح يمكن الاعتماد عليه لتنفيذ رؤى وتطلعات وآمال مجتمع متميز مستقبلا. من جانبه أبان المتخصص في علم النفس السيبراني والباحث في القضايا الرقمية عبدالله محمد المحمادي ، أن اللعبة الإلكترونية تُعرف بأنها نشاط ينخرط فيه اللاعبون في نزاع مُفتعل ، محكوم بقواعد معينة ، بشكل يؤدي إلى نتائج قابلة للقياس الكمي . وبين أن الإدمان والاستمرار في ممارسة لعبة معينة ليس استمتاعاً باللعبة أو أن الشخص أحب هذه اللعبة ، ولكن لأنه خضع لإحدى الاستراتيجيات المطبقة فى علم النفس وتسمى نظرية " صندوق سكنر " وهي : نظرية تعود لعالم اشتهر بأبحاثه الرائدة في مجال التعلم والسلوك وكانت الفكرة الرئيسية له التظربة حول كيف يمكن دراسة سلوك الشخص حتى نتمكن من تغييرها وكانت الإجابة هي عن طريق الثواب " المكافأة " أو العقاب . وأشار المحمادي إلى أن ألعاب الفيديو مصممة حول فكرة " صندوق سكنر " بطريقة فيها خداع للعقل البشري بحيث ينقضي يوم اللاعب وأسبوعه على اللعبة دون الشعور بذلك ، وتبدأ اللعبة خلالها بشكل بسيط وتتدرج في الصعوبة بحيث يكون كل مستوى له مميزات ، سواء بمنح اللاعب " سلاح جديد " مما يزيد من فعالية اللعبة والعودة للعب بشكل متواصل حتى وإن كان مرهق فقط لاكتساب النقاط وليس لأنه مستمتع فطبيعة العقل البشري يعشق التحدي والرهان والمغامرة ، إلى جانب المكافآت الكثيرة خلال اللعب والتي من ضمنها المديح والاعجابات . وقال المحمادي " في منتصف العام 2018 م ، صنفت منظمة الصحة العالمية (who ) اضطراب الألعاب الإلكترونية في التصنيف الدولي للامراض ICD-11 ) ) ، ووفقا لمنظمة الصحة العالمية يعرف اضطراب الألعاب الإلكترونية بأنه نمط لسلوك الألعاب الرقمية أو الفيديو التي تتميز بصعوبة التحكم في الوقت الذي يقضيه المصاب ، كما أنها تعطي أولوية للألعاب على الأنشطة والمهام الأخرى" . وزاد يقول " ومن ناحية بيولوجية يحدث التأثير السلبي للألعاب على الدماغ إذا يتم افراز " الدوبامين " ، وهو : المادة الكيميائية التي تُسهم في الشعور بالسعادة والنشوة بصورة متكررة وهذا مايحدث في المكافات المتقطعة أو العشوائية عندما يتم اللعب كثيراً ، ومن المحتمل أن المستوى العالي من الدوبامين يؤثر على الدماغ بشكل سلبي ، ويؤثر على طريقة تفكير الإنسان بوجه عام علاوة على ذلك ، يمكن لألعاب الفيديو العنيفة أن تقلل من القدرة على الشعور بالاخرين وتجعل الطفل عنيف وقاسي وتجرده من مشاعر الرحمة والتعاطف مع الآخرين". وأفاد أن تأثير ألعاب الفيديو على الصحة النفسية والذهنية من الممكن أن تؤدي إلى العديد من الآثار الغير مُحبذة مثل : انخفاض مستوى الثقة في النفس ، والوحدة ، وتفضيل العزلة ، وانخفاض الأداء الدراسي ، وعدم التفاعل مع الآخرين ، وعدم القدرة على التعامل الصحيح في الكثير من المواقف . واختتم المحمادي حديثه بالقول "لا يمكننا القول أن الألعاب الإلكترونية جيدة أو سيئة تمامًا للدماغ ، ولكن كل هذا يتوقف على طول مُدة اللعب ونوع اللعبة التي يهتم بها الطفل وشخصيته أيضاً ، حيث أن هناك العديد من المتغيرات الفردية لقياس تأثيرها على الدماغ ، والأفضل تقنين المحتوى والوقت بحيث لا يتعارض مع التحصيل الدراسي ولا يُسلب منهم دافع اللعب والترفيه ويشبع احتياجاتهم بشكل ترفيهي وذو فائدة" . وعن تجارب ذوي مستخدمي الألعاب الالكترونية مع ذويهم ، طالب أحدهم وهو: المواطن عبدالله الحسيني ، بمراقبة منصات الألعاب الإلكترونية التي انتشرت بشكل لافت والحسابات التي تُروج للعديد من الألعاب ، وكذلك تشديد الرقابة على محال بيع تلك الألعاب الإلكترونية ، ومنع التجاوزات في ذلك من خلال تسريب وبيع مجموعة من الألعاب والبرامج التي تتعارض مع تعاليم الدين الحنيف ، وعادات ، وتقاليد المجتمع ، وتفسد عقول الأطفال والمراهقين على حدٍ سواء . وتحدث عن تجربة حدثت لأحد أبنائه خلال قيامه بالتواصل واللعب عبر " اونلاين " ، والتي تُتيحها أغلب الألعاب الإلكترونية في الوقت الحالي بكل يسرٍ وسهولة مع أشخاص آخرين وتطور الأمر وأصبح هناك نوعاً من الإستغلال من الطرف الآخر بطلب بعض المُعرِفات الشخصية لحساب ابنه والأرقام السرية للاستحواذ على الحساب . وأكد الحسيني ، ضرورة مراقبة الأبناء خلال لعبهم خاصة وأن الألعاب الإلكترونية أصبحت تأخذ حيزاً كبيرا من أوقاتهم وهو ما يؤثر بشكل مباشر على مجهوداتهم الشخصية ، ويزيد من تعب الجسم والارهاق لديهم دون مبالاة بعواقب هذا الإدمان على المدى البعيد وما يتسبب في ارهاق للنظر والصداع ، إضافة إلى التعب الجسدي بسبب طريقة الجلوس أثناء اللعب . من جانبه أشار المواطن عبدالعزيز الربيعي إلى أن الكثير من الأسر وأولياء الأمور يجهلون الخطر المحدق من انتشار الألعاب الإلكترونية خاصة التي تدعو للعنف أو تحرّض على الاذى جراء تفاعل أبنائهم معها وتواصلهم مع غيرهم ممن لا تربطهم بهم أي علاقة سوى وقت اللعب ، وذلك دون رقابة من الاسرة وهو ما قد يهدد بنسف القيم والأخلاق ، ويُعد فرصة سانحة لهؤلاء الغرباء لبث السموم الثقافية والاجتماعية التي تستهدف شريحة الأطفال والمراهقين . ورأى الربيعي أن مشاركة الأسرة في اختيار الألعاب المناسبة لأبنائهم خصوصا التي تعتمد على الذكاء والألغاز وتُحسّن من أفكارهم وتنمي قدراتهم العقلية والمعرفية والذهنية هو جانب مهم ، ومن ضمن الحلول التي ستنعكس إيجابياً على الأبناء والتركيز على مثل هذه الألعاب التي تبعد عنهم التوترات ، إلى جانب تحديد أوقات الجلوس التي يقضيها الأطفال والمراهقين أمام الشاشات ، وحثهم على الحركة والنشاط خلال فترة فراغهم بما يعود عليهم بالنفع والفائدة .