لفترات طويلة ظل تركيز التوطين على المهن الدنيا أو الوظائف الفنية أو وظائف المتدنية.. وهو سلوك بدأته وزارة العمل تحت اعتبار أنه من السهل سعودة الوظائف الدونية لأنها لا تحتاج خبرات أو مهارات خاصة.. وتركت الفرصة للسوق لكي ينمي قدرات العمالة الوطنية في الوظائف الوسطى والتنفيذية. وبعد مرور عشر سنوات تقريباً على إطلاق الحزم الرئيسية من برامج التوطين، من المهم مراجعة وتقييم مدى نجاحها في إحراز الأهداف التي بنيت من أجلها؟ نجاح كبير في توطين مهن الخدمات.. مهن الخدمات هي مهن بسيطة ولا تحتاج إلى خبرات عالية وتم استهدافها منذ البداية على أساس سهولة توطينها.. ففي عام 2008 كان إجمالي عدد العاملين في مهن الخدمات نحو 2.1 مليون عامل، منهم 1.9 مليون أجنبي وافد، أما في 2016، فرغم أن عدد مهن الخدمات ارتفع إلى 3.0 ملايين عامل، إلا أن عدد الوافدين العاملين فيه لم يتجاوز 1.4 مليون وافد.. أي أن نسبة السعوديين في مهن الخدمات تحسنت كثيراً من مستوى لم تكن تتجاوز فيه 10.7 في المائة في 2008 إلى حوالي 52.9 في المائة في 2016. أيضاً نجاح في المهن الكتابية.. بالأرقام المطلقة لا يوجد سوى 135 ألف وافد أجنبي يعملون في المهن الكتابية.. ولكن بالنسب فإن نسبة السعوديين فيها وصلت في 2016 إلى حوالي 87 في المائة، وهي نسبة مرتفعة ومن المقبول الوصول إليها عبر الفترة الماضية، خاصة أن هذه المهن لا تحتاج لمؤهلات تعليمية عالية، ولكنها تقع في مستويات التعليم المتدنية. استمرار الزخم الأجنبي في مهن البيع.. رغم أنها من المهن السهلة، ورغم أنه كان من المتوقع توطين أعداد كبيرة منها، خاصة في مهن البيع الراقية داخل المحلات الكبيرة.. إلا أن مهن البيع لا تزال تواجه معوقات كبيرة في التوطين، فرغم أن نسبة السعوديين تحسنت نسبياً عبر العشر سنوات الأخيرة، إلا أن الأرقام المطلقة توضح وجود 846 ألف أجنبي وافد يعملون في مهن بيع بالسوق السعودي.. وهو رقم هائل وكبير. سيطرة للوافدين على سوق المهن الهندسية الأساسية المساعدة.. عدد الوافدين في المهن الهندسية كان يصل في 2008 إلى نحو 2.0 مليون وافد، والآن في 2016 أصبح يناهز 2.5 مليون وافد.. وبالنسب المئوية، فإن مساهمة السعوديين لا تزال متدنية ولم تتجاوز 6.6 في المائة في عام 2016.. وهو سؤال يثير نفسه: كيف ولماذا لم ترتفع هذه النسبة عبر عشر سنوات؟ ولماذا لم يتم تعديل خريطة التعليم العالي بالمملكة لكي تمكن السوق من تلبية متطلباته من العمالة الوطنية. استمرار سيطرة الوافدين على وظائف المديرين.. كل هياكل المهن الماضية تعتبر مهناً غير استراتيجية لو اعتبرنا أن كل شركة تمتلك جزءًا من أسرار وطنية يفترض ألا تعرض أو على الأقل تختزل داخل قالب وطني أو بعمالة وطنية في وظائف الإدارة العليا.. ولكن الواقع العملي يشير إلى أن وظائف المديرين تراجعت نسبة السعوديين فيها من 91 في المائة في 2008 إلى حوالي 65 في المائة في 2016.. فبعد أن كان عدد الوافدين لا يتجاوز 6941 مديراً أجنبياً بالشركات السعودية، أصبح هذا العدد يتجاوز 181 ألف مدير أجنبي. مما سبق تؤكد وحدة أبحاث الجزيرة على أن نجاح برامج التوطين جاء بالمهن المتدنية والمتوسطة نسبياً، إلا أن هذا النجاح لم يتم تركيزه بخطط وسياسات معينة لتوطين وظائف ومهن المديرين أو مديري الأعمال.. وتنطلق وحدة أبحاث الجزيرة في هذا السياق من منطلق استراتيجي يفترض أن هذه الشركات تمتلك حقوقاً ملكية فكرية.. وتعتقد «الجزيرة» أن ما أعلنته عنه وزارة العمل عن بدء توطين الوظائف التنفيذية خطوة على الطريق الصحيح لبدء توطين الوظائف العليا التي نحتاج إلى تدريب الشباب السعودي على تولي القيادة فيها.